شعار قسم مدونات

الجامعة الفرنسيّة على كفّ عفريت!

مدونات - الجامعة الفرنسية مظاهرات ضد قرار ماكرون

"إذا الشّعب يوما أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر"

 

أن يبلغ الشّباب مرحلة النّضج السّياسي، ليس أمرا متداولا في بعض المجتمعات التي ليس مسموحا فيها بإبداء رأي معارض للنّظام. لكنّ في فرنسا ترى أشخاصا في مقتبل العمر يرفضون الامتثال للأمر الواقع، وإن وقع فهم جاهزون لتغييره في أّيّ وقت!
   
قامت وزيرة التّعليم العالي الفرنسيّة فريديريك فيدال بطرح قانون التّوجيه ونجاح الطّلاب، الذي وافق عليه الرّئيس ماكرون. حيث أصدر هذا الأخير قرارا لتبنّي المشروع دون الرّجوع إلى البرلمان أو الشّعب. يدخل هذا القانون ضمن إطار الإصلاحات، ويتلخّص في جعل الجامعات انتقائيّة، وهو ما سيخلق شرخا كبيرا بين شرائح المجتمع المختلفة. يرى المختصّون في علم الاجتماع أنّ هذا القانون سيعزّز الفوارق بين الذّكور والإناث بشكل واضح، كما أنّ أولئك الذين ينتمون إلى الطّبقة الكادحة سوف يحرمون من حقّهم في مواصلة تعليمهم. أمّا الطّلاب الأجانب ففرصهم سوف تصبح ضئيلة جدّا. لا ينتهي الأمر عند هذا الحدّ، بل حتّى الأشخاص الذين توقّفوا عن الدّراسة بعد نيل شهادة الباكالوريا وقرّروا الالتحاق بالجامعة لاحقا سيحرمون من ذلك ومن يرغبون بتغيير تخصّصهم فسوف يكون ذلك حلما صعب المنال بالنّسبة إليهم بعد أن كان أمرا عاديّا. أثار هذا القانون جدلا كبيرا في الجامعة الفرنسيّة، وكان بمثابة القشّة التي قسمت ظهر البعير.

  

انفجر الطّلاب وحتّى الأساتذة في عدّة مدن معلنين عن سخطهم ورفضهم له رفضا قاطعا. ظهرت أوّل شرارة للتّمرّد من مدينة تولوز الواقعة جنوب فرنسا لتزحف ألسنتها بعد ذلك إلى مناطق أخرى. بدأت الحركة بإضرابات دام قرابة الثّلاثة أشهر ولا تزال قائمة إلى حدّ السّاعة. جامعة اللّغات والعلوم الإنسانيّة جان جوريس 2 مقفلة منذ ما يقارب الشّهرين، من طرف الطّلبة وبعض الأساتذة والإداريّين، بسبب رفضهم لمشروع دمج جامعتيّ جان جوريس وجامعة بول ساباتييه بالإضافة إلى قانون التّوجيه.

  undefined

 

مبدئيّا، حقّق الطّلاب نصرا صغيرا كبيرا والذي يتمثّل في إلغاء مشروع الدّمج وإقالة رئيس جامعة جان جوريس (دانيال لاكرواه) الذي اعتبره الجميع خائنا بعد موافقته على المشروع. أصبحت مدرّجات الجامعة فضاء لممارسة السّياسة ومعارضة النّظام. لم يكتفِ الطّلاب بغلق الجامعة فحسب، بل استولوا على بعض من مبانيها، وجعلوا منها منازل لهم، ينامون ويأكلون وينظّمون تجمّعاتهم فيها. وقد قاموا مؤخّرا بإيواء اللّاجئين السّوريين المهدّدين بالتّرحيل من فرنسا، في تلك المباني. تحوّلت الحركة "النّضاليّة" إلى عرس سياسيّ وإنسانيّ في آن واحد. لكن على الرّصيف الآخر، هناك من يطالب بفتح الجامعات من جديد لمواصلة العام الدّراسيّ في سلام. تدخّلت قوات الأمن في بعض الجامعات لفتحها من جديد وضمان السّير الحسن لامتحانات آخر السّنة، أمّا في المناطق الأخرى فلا تزال الجامعات مسيّرة من طرف الطّلاب الذين يرفضون وبشدّة الرّضوخ للقوانين.

 

صدى صرخات المقاومة يتردّد من كلّ صوب، غضب وحنق يتصاعدان يوما بعد يوم. صارت المظاهرات صورة متكرّرة تُعرض يوميّا في شوارع فرنسا، حيث يلتقي ويتّحد الشّباب والكهول وحتّى الشّيوخ من قطاع التّعليم إلى قطاع النقّل ثمّ الصّحّة وهلمّ جرّا. لم تشهد فرنسا مثل ما يحصل الآن منذ العام 1986، عندما خرج الشّباب مندّدين بقانون الانتقائيّة في الجامعات، والذي سنّه الرّئيس شيراك آنذاك بقرار رئاسيّ كما فعل ماكرون اليوم. انتهت مظاهرات 1986 بسحب القانون وانتصار الشّباب.

 

لكن من ناحية أخرى ضُرّج ذلك النّصر بدماء مالك أوسكين الذي قتلته قوات الأمن. يرى العديد من الأشخاص أنّ ما يحصل اليوم هو سيناريو 1986 نفسه. لكن هل ستكرّر النهاية نفسها؟ من غير المستبعد أن يسقط أرضا مالك آخر من بين شباب اليوم. منذ أن بدأت المظاهرات وهناك العديد من الطّلاب الذين تمّ اعتقالهم، ومن ثمّ إطلاق سراحهم خلال ظرف قصير. والسّؤال الذي ينتظر جوابه بفارغ الصّبر الآن، هل سيستجيب القدر أم أنّ ماكرون له رأي آخر؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.