شعار قسم مدونات

"زائدة الأندلسية".. ملكة إسبانية وجدة ملوك بريطانيا

BLOGS الملكة اليزابيث

مؤخرا لوحظ أن الصحف الإنجليزية تكرر باستمرار أن ملكة بريطانيا إليزابيث هي من آل البيت ومن سلالة الرسول محمد عليه الصلاة والسلام ولما كان هذا الأمر متكررا ً منها عرفنا أنه يندرج في دبلوماسية العلاقات العامة للبريطانيين ومحاولة منهم لمد جسر تواصل مع العالم الإسلامي ولكن أين الحقيقة التاريخية في هذا الأمر وما السبب في نشره.

 

ابتداء فإنني أزعم أن أول من قال بهذه القصة بين العرب هو البروفيسور السوداني عبد الله الطيب رحمه الله مدير جامعة الخرطوم السابق والذي اشتهر بتسجيله تفسير القرآن كاملا للإذاعة السودانية وبكتابه المرشد في أشعار العرب وديوانه أصداء النيل الذي امتدحه عميد الأدب العربي طه حسين في مقالة شهيرة بصحيفة الأهرام.

 

ورغم إقرارنا لعبد الله الطيب بالعظمة كشاعر وأديب إلا أننا نقر أنه كان ضعيف المعرفة بعلم التاريخ ما كان يوقعه في أخطاء تتحول إلى مسلمات عند أتباعه ومناصريه كزعمه أن هجرة المسلمين الأوائل كانت إلى مملكة نوبة السودان لا إلى الحبشة (الحالية) وهذا القول يخالف مسلمة أن العرب يعرفون الحبشة جيداً فهم غزوها وغزتهم في سالف الزمان وفي سيرة ابن هشام توجد قصيدة لطالب بن أبي طالب يقول فيها:

ألم تعلموا ما كان في حرب داحس * وجيش أبى يكسوم إذا ملئوا الشعبا
فلولا دفاع الله لا شئ غيره * لأصبحتم لا تمنعون لكم سر

 

ملكة بريطانيا إليزابيث فعلا لها جدة إسبانية تدعى زائدة الإشبيلية وأن زائدة هذه كانت زوجة أو محظية للملك ألفونسو السادس ملك قشتالة (كاستيا)

وهذا ما يعني معرفة العرب حتى قبل الإسلام بمملكة إكسوم الحبشية التي كانت تتواجد في إثيوبيا حاليا وأنها هي المعنية بالحبشة عند العرب لا القطر الذي يوجد جنوب مصر والذي عرف تاريخيا بأرض النوبة (أرض الذهب).

 

ولما كان البروفيسور عبد الله الطيب رحمه الله يميل إلى ذكر الغرائب فإنه كان أول من روج لقصة السلالة النبوية للبيت المالك في بريطانيا كما ذكر بعض تلاميذه ويبدو أن هذه القصة أعجبت الحكومة البريطانية والمدراس الإسلامية الصوفية والشيعية فقاموا بنشرها رغم أن الراجح لدي أن هذه القصة فيها شق صحيح وشق آخر أسطوري ويعتمد على الخيال.

 

أما الشق الصحيح فإن ملكة بريطانيا إليزابيث فعلا لها جدة إسبانية تدعى زائدة الإشبيلية وأن زائدة هذه كانت زوجة أو محظية للملك ألفونسو السادس ملك قشتالة (كاستيا) وأن هذه المحظية أنجبت للملك ثلاثة أبناء بنتان ووريث عرشه سانشو الذي طال انتظاره، تركت الإسلام واعتنقت المسيحية وغيرت اسمها إلى ايزابيل، توفيت في الولادة وهي تنجب سانشو الذي لم يعمر طويلا حيث قتله المرابطون في معركة آلاقيش ما تسبب في صدمة لوالده جعلته يفارق الحياة لتتولى الحكم الملكة أوراكا والتي من نسلها استمرت السلالة الإسبانية. وأما الجانب الأسطوري فهو الزعم أن زائدة هذه هي من السلالة النبوية وهو زعم يحتاج لبيان وتفصيل.

 

أولا: من هي زائدة؟

يجب التسليم أن هذه الشخصية هي محل جدل وخلاف من المؤرخين العرب والإسبان فالمؤرخون الأندلسيون قالوا أنها كانت زوجة الفتح بن المعتمد بن عباد وأنها هربت من جيش القادر بن ذي النون عندما غزى مدينة قرطبة وقتل زوجها، هربت زائدة ومعها خدمها وحشمها ولجئت إلى ملك قشتالة وهناك تنصرت ومن معها من الولد والخدم والحشم وصارت خليلة للملك ألفونسو وأنجبت له.

 

قصة زائدة في التاريخ الأندلسي تبدو هامشية أو أراد كاتبو هذا التاريخ من العرب جعلها هامشية ربما لأنها تشعرهم بالخزي والألم

بينما يقول المؤرخون الإسبان أن المرابطين عندما داهموا إشبيلية على المعتمد بن عباد وكادوا أن يأخذوا ملكه راسل ألفونسو طالبا المساعدة فلم يستجب له بسبب أن المعتمد بن عباد كان قد خان ألفونسو من قبل واستعان بالمرابطين لترويضه في معركة الزلاقة فقام المعتمد بتقديم ابنته زائدة هدية إلى ألفونسو ليساعده في صد المرابطين وقد هاج عليه أهل إشبيلية وكفره علمائها بتقديمه ابنته (للرومي) عندما عرفوا صنيعه ما جعلهم يسهلون للمرابطين فتح مدينتهم وإسقاط حكم أسرة بني عباد.

 

تبدو الرواية الإسبانية أكثر تماسكا من الرواية الأندلسية فما الذي يدفع بأميرة مسلمة أن تلقي بنفسها عند ألفونسو بعد أن تم احتلال قرطبة ولماذا لم تفر إلى إشبيلية وهناك بعض الروايات تقول أنها فرت من المرابطين لا من ابن ذي النون ملك طليطلة وحتى لو سلمنا بهذا الجدل فقد كانت لها فرصة للهروب لأي من ممالك الأندلس الأخرى التي لم تسقط في يد المرابطين مثل مملكة سرقسطة والتي كان عليها ابن هود وهي آخر ممالك الأندلس سقوطا في يد المرابطين.

 

وهنا نرى فارق جوهريا بين الروايتين بين من يجعلها (كنة) المعتمد بن عباد وبين من يجعلها (نجلته) وإننا رغم تعاطفنا مع المعتمد أنه أظهر حسن النية مع المرابطين فغدروا به وغزوا بلاده لا نستبعد من رجل يضيع ملكه أن يقوم بأي شيء في سبيل إبقاءه ودونكم ما تشاهدون اليوم من أفعال (أبناء) الملوك في سوريا وليبيا واليمن وغيرهم ولهذا فرواية تقديم المعتمد لابنته لا تبدو مستبعدة. مع الملاحظة أن قصة زائدة في التاريخ الأندلسي تبدو هامشية أو أراد كاتبو هذا التاريخ من العرب جعلها هامشية ربما لأنها تشعرهم بالخزي والألم.

 

ألهمت قصة زائدة عدد من الأدباء والمؤلفين الإسبان والعرب آخرهم الروائي المصري عصام منصور في عمله الروائي الرائع شيطان الدراويش
ألهمت قصة زائدة عدد من الأدباء والمؤلفين الإسبان والعرب آخرهم الروائي المصري عصام منصور في عمله الروائي الرائع شيطان الدراويش
 
ثانيا: هل كان بنو عباد من أهل البيت؟

وهنا مربط الفرس فبنو عباد على الأصح من الأقوال هم لخميون من عرب العراق أحفاد لأسرة المناذرة التي أقامت حكما ذاتيا عربيا في مدينة الحيرة تحت رعاية الإمبراطورية الفارسية ولم يثبت قط أنهم من بني هاشم أو آل البيت بل لم يدعو هذا الأمر ولو كانوا قد أدعوه لكانوا ادعوا الخلافة كما فعل بنو حمود من قبل ولما احتاجوا إلى الدجال خلف الحصري أو الخضري كي يجعلونه هشاما المؤيد بالله ويكونوا حجاباً له عشرين سنة ونسب بني هاشم أرفع من بني أمية بلا شك. وهنا تكون ضربة للزاعمين بالسلالة النبوية للعرش الإنجليزي.

 

ثالثا: هل زائدة جدة إليزابيث ملكة فعلا؟

قدمت زائدة لألفونسو ثلاث من الأبناء بنتان وولد ولكن دوما تم وصم هؤلاء الأبناء أنهم غير شرعيين وبالتالي ليس لهم الحق في العرش الإسباني ورغم ذلك فإن ألفونسو كسر هذا العرف وعين ابنه سانشو كولي للعهد من بعده متجاهلا شقيقاته من زواج شرعي. ومن حكم المؤكد أن أوراكا لم تكن نجلة لزائدة الأندلسية من الأساس. السلالة الإسبانية من المعلوم أنها استمرت من أوراكا ابن ألفونسو السادس وهي ليست نجلة لإيزابيل/ زائدة على الأرجح أنها نجلة كونستانس دي بروغاندي أي قصة زائدة من الأساس هي قصة لطيفة للأنس وليست كلاما علميا.

 

لقد ألهمت قصة زائدة عدد من الأدباء والمؤلفين الإسبان والعرب آخرهم الروائي المصري عصام منصور في عمله الروائي الرائع شيطان الدراويش الذي حولها في قالب روائي يظهر زائدة وهي تعطي نسبها الشريف لابنتها تريزا كونتيسة البرتغال ومعها سرها أنها هاشمية ولم ترتد عن الإسلام وأن هذا السر استمر مع أحفادها حتى وصل إلى انجلترا وننصح بقراءة الرواية بشدة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.