شعار قسم مدونات

العلاقات الإسرائيلية الكردية والمطالبة بالاستقلال

blogs الأكراد وإسرائيل

لم يكن مستغربا أن تعلن إسرائيل دعمها بشكل علني وفج لانفصال الأكراد عن العراق في أعقاب الاستفتاء الذي جرى العام الماضي، بل إنها حاولت من قبل الضغط على الإدارات الأمريكية السابقة لتعزيز فكرة الانفصال، وذلك في إطار التنسيق والتطبيع الذي تم مع الأكراد على مدى عقود.

 

ففي ستينات العام الماضي، حينما نشبت معارك بين الحكومة العراقية والأكراد، قامت إسرائيل بدعم الأكراد وامدادهم بالسلاح في وجه حكومة العراق، من أجل المحافظة على مصالحها مع هذا الفصيل وإحداث فتنة وزعزعة داخل جسد الدولة. وشهدت الفترة بين عامي 1965 و1975 ذروة علاقات التعاون بين الأكراد في العراق ودولة الاحتلال الإسرائيلي التي قدمت معونات عسكرية لهم في تلك الفترة، وأنشأت مخيمات لتدريب عناصر البشمركة، كما ساعدت على إنشاء جهاز استخبارات سرية للأكراد، فضلا عن مساعدات اجتماعية وإنسانية وطبية.

 
من ضمن المآرب الأخرى التي سعت وتسعى إسرائيل لتحقيقها من خلال استقلال الأكراد هي تشكيل تهديد لتركيا وإيران وكذا سوريا، وإثارة نعرة الانتماء للقومية العرقية أكثر من القومية الدينية بحيث يمكن للأكراد إنشاء دولة مستقلة لهم على أساس هذا المبدأ، ومن ثم تحذو القوميات الأخرى حذو الأكراد وتصبح دول المنطقة -عربية وإسلامية- ممزقة ومفتتة.

 

كانت أول خطوة لإقامة دولة مستقلة بإقليم "كردستان" العراق في عام 1920 بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولي وبعدما صاغ الحلفاء الغربيون تصورا لإنشاء دولة كردية ضمن معاهدة "سيفر"

حسب تقارير صحفية، منا ما نشر في جريدة "الفايننشال تايمز، يعتمد الكيان الإسرائيلي بشكل شبه كلي على النفط الوارد إليها من إقليم كردستان العراق، حيث بلغت نسبة الواردات 75 في المئة، ما لا يقل عن 19 مليون برميل نفط في عام واحد. بيد أن مسؤولي الإقليم أنكروا هذه التقارير وأعلنوا أنهم يبيعون النفط من أجل الحصول على تمويل يساعدهم على مواجهة داعش ودفع المرتبات.

 

تدعم إسرائيل المطالبة بإنشاء دولة كردية مستقلة تكون نواتها في شمال العراق ثم بالتبعية تنشأ في تركيا وسوريا وإيران، كي يستطيع هذا الكيان أن ينفذ إلى العمق الاستراتيجي لتلك الدول من خلال علاقاته الاستراتيجية مع الأكراد منذ عقود، في حال قيام دولة مستقلة لهم .بعدة عدة أشهر من نكسة يونيو 1967، قام زعيم الأكراد حينها مصطفى برزانى بزيارة رسمية إلى الكيان الإسرائيلي والتقى خلالها بوزير الدفاع وقتها موشى ديان وتفقد عددا من القواعد العسكرية لإسرائيل واطلع على التسليح الإسرائيلي، في إشارة واضحة لانسلاخه معنويا وفكريا ايدلوجيا عن الجسد العربي الذي كان لا يزال يتجرع مرارة الهزيمة والنكسة.

 
في الحقيقة الملف الكردي شائك منذ عقود؛ فقد رفضت الحكومات في الأربع دول قيام دولة كردية مستقلة تضم جميع الأكراد الذي يصل عددهم حسب الإحصائيات إلى 35 مليون في الأربع دول التي ذكرناها عاليا بالإضافة إلى دول أخرى مثل لبنان. إذ من الصعب التسليم بإقامة دولة مستقلة للأكراد في هذا الإقليم والذي يترتب عليه اقتناص أراضي من الدول الأربع وتمزيقها وتعرض عمقها الاستراتيجي لمخاطر واقتسام الموارد الطبيعية والثروات والمؤسسات الحكومية وغيرها من الخطوات المترتبة على الاستقلال.

 
كانت أول خطوة لإقامة دولة مستقلة بإقليم "كردستان" العراق في عام 1920 بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولي وبعدما صاغ الحلفاء الغربيون تصورا لإنشاء دولة كردية ضمن معاهدة "سيفر"، لكن هذه الآمال تحطمت بعد ثلاث سنوات عندما تم توقيع معاهدة لوزان التي رسمت حدود الدولة التركية حتى يومنا هذا، ولم تسمح بوجود دولة كردية.

ليس من المنطق إقامة دولة كردية بين ثنايا الدول الأربع، لأن ذلك سيفتت الدول وسينتج مزيدا من الصراعات والنزاعات المسلحة بوتيرة متسارعة ومتفاقمة ومن ثم سوف يتعرض أمن تلك الدول لمخاطر وتحديات – أكبر مما هي عليه الآن – بحيث لا يمكن التعامل معها.. إذ كيف تسمح تركيا أو العراق مثلا باقتطاع جزء من أراضيهما للأكراد؟ وعلى أي أساس يتم تقسيم الأراضي؟

 

الوضع الحالي للأكراد لا يقبل التغيير خصوصا في هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة
الوضع الحالي للأكراد لا يقبل التغيير خصوصا في هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة
 

ستصبح المشكلة أكثر تعقيدا في تركيا حيث أن هناك تداخل بشري وطيد بين الأكراد والأتراك وخاصة في مدينة إسطنبول التي تبعد جغرافيا عن الجنوب الشرقي التركي الذي يتمركز فيه الأكراد بالقرب من الأكراد في سوريا، الدولة التي تشهد صراعات وحروب لم تشهدها من قبل، لكن لا مجال للحديث عن هذا الأمر الآن، سنخصص له مقالا آخر. لكن ذلك لا ينفي بحث مشكلة الأكراد وإعطاء حقوقهم المشروعة على أساس المساواة في المواطنة وتضمن لهم جميع الحقوق التي تتعلق باللغة والثقافة والعادات والممارسات التي تخصهم، وهكذا.

 

ليس من المنطقي أيضا تفتيت الدول الإسلامية حتى لا تتشرذم وتصبح مطمعا للأعداء، بل إن وضع أسس وأطر قانونية وديمقراطية ضامنة لحقوق الأكراد أو لغيرهم هو الحل الوحيد لتلك المشكلات. لقد رفضت حكومات مختلفة تمثل تيارات مختلفة في الأربع دول على مدى عقود فكرة إقامة دولة مستقلة للأكراد، وهذا يعني أن كل الدول مجمعة على أن إقامة دولة للأكراد لن يأتي بالنفع على كل دولة ومؤسساتها بل سيكون وبالا عليها.

 

الوضع الحالي للأكراد لا يقبل التغيير خصوصا في هذه الظروف التي تعصف بالمنطقة، بيد أنه ليس من المنطقي أيضا محاولة دمج الأكراد في المجتمعات بالقوة وبشكل قسري، وهذا لن يفيد القضية بل سيولد مزيدا من العنف والنزاعات داخل الدولة نفسها. على الأكراد أن يدركوا أنهم لا يستطيعوا محاربة دولة بكل مؤسساتها حتى لو كانوا يمثلون حوالي 20 في المئة من الشعب التركي، فهم مازالوا أقلية وفكرة الانفصال مرفوضة كمبدأ فقهي إسلامي، يدعو إلى التوحد والتلاحم لا التشرذم والتقاتل، وعليهم أيضا أن يفطنوا إلى محاولات الانفصال التي خضعت لها الدول منذ قرن مضى ومن ثم خرجوا من صراعات لينخرطوا في صراعات أخرى أكثر عنفا ودموية ودمارا. لكن يمكن للأكراد في تلك الدول الأربع المطالبة بالحصول على حقوق كاملة بعيدا عن فكرة الانفصال من خلال القنوات التفاوضية والديمقراطية والدبلوماسية وذلك لرأب الصدع، والأكراد مطالبون بوقف إشهار السلاح في وجه مؤسسات الدولة، فالمصلحة لهم وللدولة هي البقاء داخل الجسد الواحد مع ضمان التواصل مع ذويهم في الدول الأخرى المجاورة والتمتع بجميع حقوقهم.

 

كثير من العماء والقادة المسلمين لم يكونوا من العرب لكنهم استوطنوا البلاد العربية وخدموا الإسلام ولم يسعوا إلى تفتيت الأمة بل عملوا على توحيدها وتحصينها ضد العدو، منهم جمال الدين الأفغاني وابن خلدون ويوسف بن تاشفين وسيف الدين قطز ومحمد الفاتح وألب أرسلان وصلاح الدين الأيوبي، وغيرهم، والقائمة تطول.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.