شعار قسم مدونات

الرجاء الرياضي.. حب شغف ومقاومة!

مدونات - الرجاء الرياضي المغرب

لا أعلم حقا كيف بدأت قصتي مع هذا النادي، فبالنظر الى الوراء قليلا، آخر شيء أتذكره هو أحد مباريات الديربي التي يكون الغريم التقليدي الوداد طرفا فيها وما رسخ في ذهني أكثر هو هدف هذا الأخير وتفاعلي معه إذ أذكر انني نهضت من مكاني ولم أكمل المباراة التي انتهت بهزيمة الرجاء بهدف يتيم.

 

(الراجا)، (الخضرا) أو النسور تسميات مختلفة لكنها تصب في نفس الاتجاه، فريق انبثق من رحم درب السلطان وارتبط اسمه بالأحياء الشعبية بالبيضاء، العاصمة الاقتصادية للمملكة، عشرين مارس تسعة وأربعون تسعمائة وألف مقهى الوطن، تم اختيار اسم الرجاء وبدأ صفحة جديدة في تاريخ المستديرة، صفحة من كتاب عنوانه نادي الرجاء الرياضي (حيت كنترجا الله) الأمل، التفاؤل والنضال وشعار نسر لطالما تحدى الصعاب وولد من رحم المعاناة ليحلق عاليا في سماء هذا الوطن.

 

لست (بيضاويا) أي لا أنتمي لمدينة الدار البيضاء ولم أولد فيها لكنني أعشق هذا النادي وأشارك حبه آلاف الشباب، فليس ضروريا أن تكون ابن البيضاء حتى تنتمي لهذا الكيان، فبالحديث عن اليوم فعشاق الرجاء خارج البيضاء أكثر بكثير من داخلها، كما قال أوسكار فيلوني (كل الفرق لها جماهير إلا الرجاء لها شعب) ورغم ذلك متأكد أنني (رجاوي) وبفُرطة حتى وإن وُلدت وترعرت في مدينة بالجنوب الشرقي للمملكة تبعد عن (كازا) مئات الكيلومترات وساعات طوال من الطريق.

 

مرت الأيام والسنين ولازال هذا العشق "للرجاء" يزداد لهيبه يوما بعد يوم إذ لم يعد ذلك الفريق الذي تجمعك به علاقة تسعون دقيقة إلا أنه تخطى ذلك بكثير، فأصبح مزاجك في الأسبوع متعلقا بنتيجة المباراة التي سبقته

حبي لهذا النادي ازداد يوما بعد يوم، وما زادني حبا فيه هو جمهور (الماغانا) المنعرج الجنوبي لمركب محمد الخامس أو (دونور) كما يطلقون عليه، إذ أذكر أنني لم أكن أكف عن مشاهدة فيديوهات تتعلق بهم، في إنتظار أن تتاح لي فرصة التواجد بينهم، لكن بالنظر لصغر سني أنذاك فإنني كنت أرى هذا حلماً ينتظر فرصة ليتحقق.

 

حتى أغاني مجموعات (الماغانا) كنت أحفظها عن ظهر قلب ولأنني كنت مضطرا كل مرة إلى العودة الى الحاسوب حتى أستمع لها وأكتشف ألبومات جديدة غابت عن ناظري بينما كنت أسبح في ذلك العالم الجميل حقا، فإنني كنت أكتب كلمات الأغاني في دفتر حتى أحفظها بسرعة وكنت أملأ المنزل صراخا بها طوال اليوم ليتساءل أفراد عائلتي: أي جنون هذا قاده لهذا النادي؟ لكنني لم أكن أقوم بذلك بجوار أبي فقد استحمل واكتفى بصراخي وأنا رضيع فلن أعيد نفس الأسطوانة وأنا متيم بحب الرجاء حتما سيصرخ في وجهي إن لم أصمت رغم أنه كان لطيفا جدا معي وأتذكر أول قميص اشتراه لي كان قميص المنتخب الوطني، فلتحرزوا أي لون؟ لقد كان اللون الأخضر بلا شك سيكون هذا هو سبب تعلقي بهذا الفريق وبهذا اللون!

  

أذكر أيضا أنني كنت أتخد من أقلامي الملونة وسيلة للتعبير عن هذا الانتماء، إذ كنت أتسلى برسم وكتابة عبارات يتغنى بها (الرجاويون) آنذاك رغم أني كنت سيئا جدا في الرسم إلا أني كنت أري تلك الأشياء لإخوتي ويسألونني تارة عن معنى هذا الرمز أو معنى هذه العبارة وكنت أحس بشيء من الفخر وأنا أشرح لهم ذلك!

 

من هم أكبر سنا مني يؤكدون لي أن رجاء التسعينات كانت متميزة وأكثر متعة وجنونا، وبالحديث عن التميز فقد كنت مميزا بين أصدقائي بتعلقي الشديد بهذا النادي وإلى اليوم لازلت أتسم بهذه الصفة، حتى بين أفراد عائلتي والمقربين، إذ لازلت أذكر هدية من أحد المقربين لي كانت وِشاح أخضر رجاوياً مع قبعة خضراء وبيضاء، لكنني فضلت الوِشاح لشكله الجذاب والعبارة المطرزة فيه وكنت أرتديه كل يوم في صباح الشتاء القارس وإلى اليوم أحتفظ به في خزانة ملابسي رغم أني لم أعد أرتديه إلا أنه سيبقى ذكرى شاهدة على ولادة هذا الحب فِيَ.

 

مرت الأيام والسنين ولازال هذا العشق يزداد لهيبه يوما بعد يوم إذ لم يعد ذلك الفريق الذي تجمعك به علاقة تسعون دقيقة إلا أنه تخطى ذلك بكثير، فأصبح مزاجك في الأسبوع متعلقا بنتيجة المباراة التي سبقته، ومزاجك اليومي متعلق بكواليس ما يطبخ داخل أسوار النادي، إذ تخطت الرجاء حالة انتماء إلى كونها إحساس ومشاعر، وأصبحت تعيش (تاراجاويت) في المنزل، المدرسة، المقهى والشارع.

  undefined

 

(إلتراس إيغلز) هذه الفترة من حياتي تسمى الانتماء الثاني بعد الرجاء لكونهما كيانان غير منفصلان إن لم نقل واحد، فلكي تكون عضوا في التراس عليك أن تكون رجاوي إلترا بل فنّ أن تكون إلترا . في هذه الفترة تعرفت على الرجاء عن قرب وعن المدرج الجنوبي الذي ذكرت في مضى انه كان حلما أن تتواجد فيه، حلم تحقق في أحد أيام الخريف قبل سنوات إذ عشت ولأول مرة أحاسيس كثيرة مختلطة ببعضها يصعب وصفها، بداية بمغادرة المنزل وأنت تُطمئن والدتك أنك ستعود ليلا بعد نهاية المباراة، ثم شعور لقاء الأصدقاء مجددا بعد أسبوع شاق، ثم تلك اللحظات الرائعة بحق، تلك الثواني التي تسبق دخولك للمدرج حين تقترب شيئا فشيئا من المدخل وترى ورائك حشدا كبير ينتظر الدخول ثم تطأ قدمك أرضية المدرج لتتنفس هواء من نوع خاص ممزوج بسمفونية (راجا .. راجا .. راجا).

 

حين يسجل فريقك ستجد نفسك في مكان آخر غير الذي كنت تتواجد فيه، قد تعانق شخصا بالكاد لا تعرفه، هدف فقط، هدف أو فوز قد ينسيك تعب الأسبوع كله، رؤية فريقك قد تنسيك همومك قد تحرق كل تلك الطاقة السلبية التي تثقل كاهلك، كرة القدم قد تجعلك ترى الحياة بعين التفاؤل والأمل بعيدا عن مشاكل وصداع هذا الوطن الجريح. إنها كرة القدم، إنها الرجاء، إنها الجماهير.

 

الجماهير التي تعيش اليوم حالة من الاغتراب داخل ربوع هذا الوطن، مجموعات ألتراس كانت أمس رمزا للإبداع والتشجيع الحضاري واليوم أصبحت ورم يجب استئصاله، أعمال كانت بالأمس القريب لوحة يصفق عليها من يحاربون أصحابها اليوم، أعمال أنجحت تظاهرات رياضية وعرفت بكرة القدم في هذا البلد، وأعادت الحياة لملاعب مهجورة، مجموعات التراس غيرت حياة الكثيرين، ملئت ذلك الفراغ المهول في حياتهم ..مجموعات أصبحوا اليوم يعيبون قلة وعي أعضائها، بالله عليكم أوليس أولئك الشباب الذي تنعتونهم بالمجرمين اليوم كانوا بالبارحة تلامذة في مدارسكم؟ أوليس تعليمكم شوارعكم وثقافتكم وإعلامكم ومدارسكم من أخرج لنا هذه الأجيال؟ هذا إن فكرتم بجعلهم مواطنين وساعدتم عائلاتهم بإدخالهم المدرسة للصفوف الابتدائية على الأقل.

 

لن أقول أن مجموعات الألتراس ملائكة منزلين من السماء وإن مسؤولية حالات الشغب تقع على عاتق الدولة فقط، لكن أوليس من الأجدر أن نجد حلا جدريا لمشكل العنف؟ الفقر، التعليم، الأمية، التهميش والاقصاء؟ ماذا عن الفساد في كل القطاعات؟ الا تستفزهم كل هذه المشاكل والويلات؟ أم أن قطعة ثوب تشكل خطرا على الوطن أكثر من الأمية والفقر؟ أمام هذه التساؤلات وأخرى لا يسعنا إلا أن نأمل بوطن أكثر إشراقا، وطن يحوي كل أفراد المجتمع فقيرهم وغنيهم، وطن يستحق أن تضحي من أجله، ومن أجل ذلك اليوم الذي سنقول فيه: على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.