شعار قسم مدونات

من أجل مصر أم من أجل المصريين؟

مدونات - انتخابات السيسي
مر الحدث "الانتخابي"، أو ما وصف بالمهزلة من قبل العديد من الصحف ووسائل الإعلام العالمية، مر ذلك الحدث وانتهي بنتيجة "تسعينية" توقعها القاصي والداني بناء على جميع المعطيات التي سبقت وتخللت ذلك الحدث الشاذ الذي لا تليق أسفا وحزنا أجوائه المصاحبة أو تنظيمه بجمهورية مصر العربية وتاريخها الديمقراطي القصير ولا حتى بتاريخها الديكتاتوري الطويل فاستحق الحدث بالفعل لقب المهزلة.

 
بدأت "المهزلة" بإقصاء خمس مرشحين محتملين بطرق شتي منها الضغط والحبس والتشويه المعنوي مرورا بمشاهد الرقص التي لا تمت لأي عملية انتخابية في أي بقعة في الكوكب بصلة وطرق الحشد التي تراوحت بين الترغيب تارة والترهيب تارة أخري حتى وصل الأمر إلي التهديد في بعض الأحيان بالفصل من العمل أو حتى بخصم جزء من الراتب الشهري الذي لا يكفي أساسا صاحبه في ظل تسونامي الغلاء الذي تحركه السياسة الاقتصادية للنظام وانتهت المهزلة بفوز المرشح الوحيد فعليا برقم تسعيني، لا تصدقه الصور والفيديوهات المتداولة والتي تظهر اللجان الانتخابية خاوية وتؤكد عكسه دعاوي إرهاب المواطنين في اليوم الأخير للانتخابات عن طريق التلويح بالغرامة وغيره أو بدعاوي الترغيب بإعطاء مبالغ نقدية أو مواد تموينية مما يظهر عدم رضا النظام عن نسبة المشاركة ولو أبدى العكس.
 

وإمعانا في الغباء السياسي اختتم النظام الحفل الهازل بتغريم صحيفة المصري اليوم ماديا ورفع دعوى ضدها بسبب ما نشرته من حقيقة أن الدولة هي التي تحشد للانتخابات بطرق شتى بالإضافة إلي غلق مقر وموقع صحيفة مصر العربية الالكترونية وتغريمها ماديا أيضا وحبس رئيس تحريرها عادل صبري بتهمة الانضمام إلي جماعة محظورة (الإخوان المسلمين) رغم انتماء الأستاذ عادل صبري لحزب الوفد وفقا للمقال الأخير للصحفي علاء عريبي علي ذات الموقع.
 

ماذا إذا حصل المواطن علي تعليم جيد ورعاية صحية كريمة وتمكن من شراء احتياجاته المعيشية بأسعار معقولة أفلا يعطي ذلك صورة جيدة لمصر أمام العالم أكثر من فيديو رقص امام لجنة انتخابية؟

كل ما سبق ذكره ليس إلا سرد لوقائع مأساة واحدة من المآسي التي تعيشها مصر في عصر الاضمحلال الحديث تحت سلطة عبد الفتاح السيسي ولا يوجد ما يمكن تحليله أو تفسيره في كل ذلك فلم يترك لأي عاقل سوي الاتفاق مع الوصف الذي جاءت به الصحف العالمية لما حدث "المهزلة" ولكن ما استوقفني شخصيا هو الخطاب الذي كان يحث المواطنين علي المشاركة في هذا الحدث. فبغض النظر عن الغياب الإعلامي والجماهيري للحملة الانتخابية للمرشح المنافس المؤيد موسي مصطفي فإن غالبية الدعاوي حتى من حملة المشير السيسي أتت لتحث فقط علي المشاركة وليس من أجل التصويت لصالح عبد الفتاح السيسي وكأن نجاحه واستمراره لفترة رئاسية أخرى من عدمه شيء مقدر سلفا ولا يدعو للقلق فالأهم هي الصورة التي تصدر للخارج.
   
وتم ملئ الفراغ الذي تركه غياب برامج انتخابية سياسية واقتصادية جادة وواقعية قد تكون هي المحرك الأساسي للناخب بعبارات خاوية من المنطق علي شاكلة انتخب من أجل مصر وتحمل من أجل مصر وشارك في سبيل صورة جيدة لمصر أمام العالم وصوت من أجل استكمال الانجازات التي لا يراها إلا "المواطنين الشرفاء" حتى ولو أدت تلك الانجازات إلي زيادة الفقر وارتفاع الأسعار فمن واجبك كمواطن أن تشارك وتصوت وتصمت وتتحمل ثم تتحمل من أجل مصر.

 
ولكن ما هي أو من هي مصر؟ هل مصر هي فقط أفراد النظام الحاكم مع دائرة المنتفعين من رجال أعمال وقضاء وشرطة وبرلمان وإعلام زائد المؤسسة العسكرية (مع كامل الاحترام والتقدير للجيش الوطني والشرطة الوطنية) التي تحولت إلي شركة قابضة يمتد نشاطها الاقتصادي إلي مجالات لا علاقة لها بالدفاع أو الأمن القومي مثل صناعة مكيفات الهواء والمنتجعات السياحية وغيرها حتى ابتلع النشاط الاقتصادي للمؤسسة العسكرية ما يقرب من أربعين في المائة من الاقتصاد الوطني في مصر حتى استحقت مصر بسبب ذلك النشاط لقب "جمهورية الضباط" في أخر تقرير لمنظمة الشفافية الدولية؟
 
أم أن مصر هي كل المصريين بشتى طوائفهم ومشاربهم؟ إذا حيا المواطن المصري بكرامة وارتفع دخله أفلن تحييا بذلك مصر معه؟ ماذا إذا حصل المواطن علي تعليم جيد ورعاية صحية كريمة وتمكن من شراء احتياجاته المعيشية بأسعار معقولة أفلا يعطي ذلك صورة جيدة لمصر أمام العالم أكثر من فيديو رقص أمام لجنة انتخابية؟ وهل الهدف الطبيعي لأي نظام سياسي في العالم هو تشييد صروح من الأحجار والرمال وصنع انجازات غير مرئية تفقر المواطن ثم يطالبه بتحمل المزيد مع الوعد بانفراج لن يأتي في الحياة الدنيا أم أن الهدف الطبيعي لذلك النظام لا بد أن يكون بالأحرى بناء مواطن إنسان يتمتع بتعليم وصحة جيدين مع السعي لزيادة دخله حتى يجنبه الحاجة والفاقة؟
 
مصر ليست كائن مستقل بذاته يحيا ويموت بحب ووطنية زائفين علي قاعدة من النفاق والقهر بل مصر هي المصريين وكل المصريين إذا حييو حيت معهم وإذا قهروا وماتوا قهرت وماتت معهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.