شعار قسم مدونات

المتعة بين صعدة ودمشق.. زنا برخصة شرعية

blogs فتاة ليل
يروي شابٌ سوري قصة ذهابه في 2001 إلى منطقة السيدة زينب في ريف دمشق، وهي منطقة تقطنها أعداد كبيرة من شيعة العراق بالطبع. كان الشاب السوري يعمل على دراسة في زواج المسيار لكنه فضّل الذهاب إلى الريف وإلحاق الدراسة بفصل خاص يقارن فيه بين زواج المسيار والمتعة. هناك، في ريف دمشق، قال الشاب إنه تعرّف على شيخ عراقي ساعده في الحصول على المراجع الفقهية في المتعة.

تحدث أن الشيخ في معرض دفاعه عن المتعة كان يختصر الحاجة إليها بعبارته هذه: نحن الشيعة لا مشكلة جنسية لدينا، من يريد أن "يستأنس" يمكنه أن يتزوج متعة. فيما بعد، صرح الشاب برغبته في ممارسة المتعة وأبدى الشيخ حماساً منقطع النظير. وعده الأخير بجلب فتاة لكي يمارس معها المتعة. بعد يومين، يقول الشاب، عرّفه الشيخ بفتاة عراقية في الثلاثين من عمرها. وقف الشاب والفتاة يتفاوضا في التفاصيل المالية وسرعان ما طلبت منه 4 ألف ليرة سورية مقابل التمتع بها لأسبوع، ما يعادل 80 دولاراً في حينه. رأى الشاب أن المبلغ لا يقدر عليه ورفض الأمر كلياً. قالت له الفتاة، بلهجة قريبة إلى السخرية: يوجد مئة واحد ينتظر، مع السلامة. يقول الشاب في ذلك الحين إنه طرح، وهو يغادر المكان، على نفسه سؤالاً: ما الفارق الحقيقي بين الدعارة والمتعة، إذن؟

 

تنصح ساره، في التقرير الذي أعدّه موقع ميدل إيست آي البريطاني قبل أسبوعين عن الدعارة في العاصمة صنعاء، النساء والفتيات بألا يقعن في نفس الفخ الذي وقعت فيه هي. ساره فتاة يمنية تجبرها قسوة الحياة، الفقر والفقد، على العمل في الجنس. في البدء، كما قالت، لم يتبادر إلى ذهنها أن تقع في الوحل: أعطتني صديقتي الموثوقة هدية بالغة الثمن ووعدتني بالعمل في متجر، تقول ساره. في اليوم التالي كانت ساره قد وجدت نفسها مجبورة في فندق لتنام إلى جوار رجل غريب في الليل مقابل القليل من الدولارات. حياتي تحولت إلى "جحيم"، تقول ساره. وبعد مرور تلك الليلة عدت إلى صديقي لتقدم المزيد من الزبائن. ختمت ساره حديثها: حتى لو توقفت عن العمل كبائعة هوى فلا يوجد ما يصلح الأمر.

وحده الحوثي من يحتكر الجريمة، ووحده من يقتل ويفعل كل شيء بحق خصومه، إلى الدرجة التي تجعل المرء يؤمن بأن لا شيء يحدث في صنعاء والحوثيون لا يعلمون به

كفاح، العينة الأخرى في تقرير الموقع، كانت ترغب بالزواج قبل عامين من رجل ثري لمساعدة عائلتها. تعرفت كفاح على رجل غني عن طريق صديق لها ووجدت نفسها، في نهاية المطاف، مخدوعة وقليلة الحيلة. مارس الرجل الغني مارس الجنس مع كفاح ولم يف بوعده بالزواج منها. بالنسبة لكفاح، كما ينقل التقرير عنها، فقد شعرت بأنه لا فرق بين علاقة جنسية واحدة ومئة بعد أن تقع الفتاة بين يدي رجل خائن.

في التقرير، تشير الدراسات التي أجرتها منظمة تابعة للأمم المتحدة إلى وجود 54 ألف "بائعة هوى" في اليمن عام 2016. أضافت الدراسة لليمنيين غمّاً جديداً ورقماً مرعباً مقارنة بالدراسات السابقة التي أجراها باحثين، وفيما يبدو أن أصوات الدعارة في صنعاء تطغى على أصوات الطائرات.

ثمة رواية قديمة، غير دقيقة بالطبع، تقول إن الحرب ذكورية محضة، وفي نفس الرواية تحضر المرأة لكنها تبقى على الهامش. في الخلف من كل شيء يتعلق بالحرب نجد نساء يمنيات يستند عليهن المقاتل في الحرب كجبل، ويفجرهن كبالون. يمكن إعطاء بانوراما لنساء يمنيات كثيرات في الحرب الآن: مصدر للعناية والحب، مربية أطفال، "أرملة"، "عاملة"، معنّسَة، مفقَدة، متسولة، "عارية"، مغيّبة، مقاتلة.

ما الذي يجل الرقم يكبر عما سابقيه من أرقام، وما الذي يجعل نسوة يمنيات "عاريات" بشكل شرعي، أو لنقل: بلا رقابة تذكر؟ يبدو أنه سؤال لا إجابة دقيقة له. لا شيء دقيق ولا دراسة واضحة، كما هي الحرب اليمنية، نفسها، لا واضحة. وفقاً لتقرير ميدل إيست فإن الحرب والفقر والفقد واللاأمن واللارقابة هي كل الأسباب التي جعلت من ساره وكفاح وشبيهات لهن ضحيات العنف الجنسي. وبالنسبة للقليل من الوضوح البنيوي، في تقديري، يمكن إرجاع القصتين بشكل كلي إلى العنف على أساس الجندر في زمن الحرب، وفي نفس الوقت نستطيع تكييفهما كجريمة دعارة. القدر الذي تأخذه البطريركية، كسبب، ليس قدراً هامشياً على كل حال. وتظهر أسبابٌ كالفقر والعازة والدافع البيولوجي، وثمة ما يجعل البعد الديني يشكل فسحة، خاصة ونحن نعلم أن القصتين ونسبة كبيرة من قصص الدعارة تحدث في مدينة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيين.

يعمل الحوثي على السيطرة الكلية على الجريمة في أمكان سيطرته، يربطها بحباله، ويقودها بمفرده. المعلومات الآتية من صنعاء تقول إن الجريمة تكاد تكون معدومة ولا يوجد أحدٌ بمقدوره القيام بشيء يزعج الحوثيين. وحده الحوثي من يحتكر الجريمة، ووحده من يقتل ويفعل كل شيء بحق خصومه، إلى الدرجة التي تجعل المرء يؤمن بأن لا شيء يحدث في صنعاء والحوثيون لا يعلمون به.

يبدو، بين حين وآخر، أن الأمر هو تثبيت لعادة جماعة دينية. يعود مقاتلو مليشيا الحوثي من الجبهات جثث هامدة، تترمّل آلاف من النساء ويصبحن في حالة يرثى لها. لا مناص للحوثي، حتى لو أراد تأخير مواجهة المجتمع وتطبيع زواج المتعة، من القول لتك النسوة إنه لا بد لهن من ممارسة المتعة مع ما تبقى من مقاتلين له أو سائقي الدبابات. تكبر المتعة وتتسع، تصدر دوياً وفي خارج المربع الحوثي ستجد المتعة طريقاً لها في الشوارع على هيئة دعارة يتركها الحوثي بلا رقابة. سرعان ما يتحول الأمر من دعارة مجرّمة في القانون اليمني إلى رخصة دينية، وسرعان، في الخفاء، ما يتحول إلى إبادة جماعية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.