شعار قسم مدونات

الزواجُ كصورةٍ فُضلى للحبِّ!

مدونات - زواج

تتمثلُ الطبيعةُ البشريةُ الأصيلةُ بتنازعها في كافةِ متطلباتها مع غايتها الأسمى (حريتها)، وتطور هذا النزاع والتنازع حتى باتَ له شكلًا بدائيًا وغير واضح المعالمِ في الفهم .فكلُ قيدٍ أو ضابطٍ في تحديد هذه الحريةِ ورسمها بصورة أكثر اتساقًأ واتزانًا، أصبح مرفوضًا من الباب ذاته وهو الحرية أو أريحيةِ الفعلِ والاختيارِ أو التعبيرِ.

 

وفي فكرتَي الحبِّ والزواجِ يتجلى التنازعُ بين ما نريدُ وما يجب بصورةٍ شديدةٍ، حتى اتخذ هذا التنازع بذرةً أولى لجميعِ فصولِ الحبِّ عبرَ تاريخِ الشعورِ الإنساني وصيغ تعبيرهِ .فهذا قيس تغزل بليلى حتى ذاب الشعرُ من شفتيهِ، وانسابَ حتى يومنا هذا، يُتناقل ويُتغنى به فكانَ، اختيار قلبهِ أبديًا لا حيادة عنه، على الرغمِ من رفضِ المجتمعِ والقبيلةِ لهُ، وعدمِ انسجامِ هذا الاختيارِ مع معطياتِ تلكَ الفترةِ. 

 

وتباحثَ السائلون: لو كانَ هناكَ تمامُ للوصلِ أو فسحةٌ لتمامِ هذا الاختيار، هل من الممكنِ أنْ يكونَ النتاجُ الشعري والشعوري ذاته؟ وكيفَ ستكونُ الماهية التي ينطوي عليها بعد هذا الوصل والتمام؟ وفي كثيرٍ من التساؤلاتِ أيضًا كانَ التناحرُ واضحًا بينَ الحبِّ كصيغةٍ شعوريةٍ ومطلبٍ روحي، وبينَ الزواجِ كصيغةٍ تفرضها العاداتُ والضرورةُ الغرائزيةُ البشريةُ، فتشكلتْ الفرقُ في الإجابةِ والقولِ في هذا، فمنهم من قالَ أنَّ الزواجَ قيدٌ يقتلُ الحبَّ ويضفي على الحياةِ الإنسانيةِ هامشًا مقيتًا من الروتينيةِ والملل، وهو صورة لا تلبي إلا غرائزية النفسِ البشريةِ في التكاثر والحفاظ على النسل، ومنهم من ذهبَ بعيدًا للقولِ أنَّ الحبَّ ميتٌ في حديقةِ الزوجيةِ.

 

الحبُّ علةُ الخلقِ وغايتهِ، وأنفاس إنسانيتنا، وهو الشعورُ الذي إنْ وُلدَ لا يمكن وأدهُ، ولا حتى اسكاتهُ، أما الزواجُ فهو الصيغة الفضلى لهذا الحبِّ وهو ابتداؤه لا انتهاؤهُ

وفي الطرف الأخرِ تحدثَ آخرون أنَّ الحبَّ بصورته المكتملة مرفوض خارج قفص الزوجية وخارج حدود العاداتِ المجتمعيةِ ومطلب القبيلة. وفي الحقيقة وعند التعمق في جميع الإجابات، وفي جوهرِ التنازع نرى تطرفًا واضحًا في التوجه، نحو طرفٍ دونَ أخرٍ ونرى أن لأغلب الإجابات ذرائع ومسببات أنتجتها. ولكن جميع المسوغات لا تدعو برأيي لكل هذا الابتعاد عن تقديمِ تزواجٍ حقيقي، ومرغوبٍ، وصحي، بالنسبة للمجتمع بين الحبِّ والزواجِ للوصولِ لمفهومٍ أسمى وأشدِ رقيًا.

 

في الحبِّ: وبما أننا بشرٌ تحكمنا صيغٌ عديدةٌ – دينية ومجتمعية وعقائدية وغيرها- فيكونُ الإطلاق فيهِ -أي الحبِّ- حمالٌ لأذى على المفهوم العميقِ والإنساني، لذا فلا بدَّ من بعضِ المحدداتِ التي تجعل سيرورة هذا الحبِّ يصبُ في عمقِ علاقاتنا ومجتمعاتنا الإنسانية، ليكونَ صيغةً حضاريةً ومعادلةً تدفع للرقي على المستوى الروحي والأخلاقي.

 

أما الزواجُ: فالنظر إليه كقضيةٍ تدفع بها ضرورات الحياة والعادات يعد فشلًا في وعيه ووعي حاجاتنا الإنسانية، وهذا من شأنه أنْ يدفعَ المجتمعات إلى هوة الانحلالِ والخرابِ. ولابدَّ هنا من منطقةٍ مشتركةٍ تجمعُ الحبَّ والزواجَ، لتثمرَ عن صيغٍ أظنها هي الفضلى بينَ الصيغِ المطروحةِ، فالحبُّ علةُ الخلقِ وغايتهِ، وأنفاس إنسانيتنا، وهو الشعورُ الذي إنْ وُلدَ لا يمكن وأدهُ، ولا حتى اسكاتهُ، أما الزواجُ فهو الصيغة الفضلى لهذا الحبِّ وهو ابتداؤه لا انتهاؤهُ.

 

وانطلاقًا من هذه الصورةِ أو الصيغةِ يمكنُ الوصولُ إلى الصورةِ العامةِ دون إهمالٍ للحاجات الفرديةِ على المستوى الشعوري والغرائزي أيضًا، ولا يمكن الابتعادِ عن ضروراتِ المجتمعِ في الحفاظِ على بنائهِ وعدمِ تفككهِ، وبهذا تتضح الصورةُ والمشهدُ بكاملِ تفاصيلهِ وخطوطهِ العريضةِ، وما يبقى النظرُ فيه هو الفقرةُ التي من شأنها تهيئةُ المجتمعِ والفردِ لهكذا صورة، وإعادةِ بناءِ الوعي والمسوغاتِ لخلقِ هذه الصيغة في وعي الفرد الشعوري والعقلي، لتنعكسَ بصورةٍ شاملةٍ على العقلِ الجمعي للمجتمع، وهذا يتطلبُ فسحة أخرى للكتابةِ والتفحيص.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.