لا مكان تغمره المثالية والكمال أكثر من مواقع التواصل الاجتماعي، حيث لا مكان للدناءة والقبح والبشاعة، يتمهل كل فرد في آنتقاء حالاته وعباراته إنتقاءا، يزيد من هنا وينقص من هناك، يتفنن في مدح نفسه وإظهار محاسنه، هنا الجميع يحظى بحياة رائعة، لافرق بين العاقل والجاهل، بين الصالح والطالح، بين العالم والجاهل، كل يجمع لايكاته ويبتهج لها، في رحلة السعي وراء الكمال وبعد كل خطوة يكسب قدرا إضافيا من التزييف، لتكشف لنا هذه المواقع جانبا مخفيا من النفاق والانفصام في شخصياتنا.
إذا كانت مواقع التواصل قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات ومهدت الطريق نحو عالم سريع، إلا أنها تبقى سيفا دو حدين فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها رمزا للخداع والنفاق الاجتماعي |
ولعل أبرز الدوافع وراء خلق هذه الهوة بين حياة الفرد الواقعية والافتراضية، نجد التقليد، فكثرة التزييف والتصنع الذي يراه المرء داخل هذه المواقع كفيل بإدخاله في صراعات نفسية حقيقية، يشعر خلالها بالدونية واحتقار الذات كيف لا وأصدقاءه الافتراضيون ينشرون صورا ومقالات تذل على مدى سعادتهم، وهو الوحيد الذي يشعر بغير ذلك متناسيا بأنها مشاعير إفتراضية ليس إلا وأن الصورة التي نشرت إلتقطت قبلها صور أخرى لم تكن في المستوى، لكن تلك بالضبط من يريد أن يظهرها للمشاهد وأن تلك التدوينة ربما لا تمثله فقط نسخها من مكان آخر ونسبها إلى نفسه. الشيء الذي يدفع الفرد إلى السير مع التيار وآكتساب قيم جديدة تجعله سعيدا على الأقل داخل عالمه الإفتراضي، يتصنع إبتسامة أو ينتقي صورة من الأرشيف ينشرها، أو يحدث حالته الإلكترونية ويكتب "أشعر بالسعادة" هكذا يحقق المثالية ويعلن سعادته.
إذا كانت مواقع التواصل الاجتماعي قد قدمت لنا الكثير من الإيجابيات ومهدت الطريق نحو عالم سريع، إلا أنها تبقى سيفا دو حدين فسلبياتها لم تعد قابلة للتجاهل، كونها رمزا للخداع والنفاق الاجتماعي لم يعد ممكنا أن نميز بين الصادق والكاذب، لم نعد نعرف ما إذا كانت كل تلك المنشورات تمثل أصحابها أم أنها لا تمتهم بصلة. صحيح أن من السهل أن نتصنع وندعي لكن ما لم تكن كل تلك الأقوال والمنشورات تعكس الواقع، فتبقى مجرد أماني، وأول من سينخدع بها هو صاحبها نفسه. والسؤال الذي سيظل مطروحا، وملزما علينا أن نبحث له عن جواب شاف. كيف نحافظ على ذاتنا في ظل كل هذا المحتوى الزائف؟
الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.