شعار قسم مدونات

هكذا أصبحنا كالضفدع المغلى!

BLOGS ضفدع

تجربة الضفدع هل تعرفونها؟ أو بالأحرى حكاية الضفدع في وعاء الماء. على كل حال هذه القصة – التي تحولت إلى مبدأ – تستند إلى تجربة (ربما لم يجربها أحد!) فحواها أن ضفدعا (والأنثى ضفدعة) دفع به (أو دفع نفسه) إلى وعاء مملوء بماء بارد وهو ما سمح له بأن يسبح بكامل الهدوء. إلا أن النار كانت تشتعل تحت الوعاء (وقد يكون قدرا) وبدا الماء يسخن بلطف الى أن أصبح فاترا. ورغم ذلك كان الضفدع يجد متعة تدعوه إلى مواصلة السباحة.

لكن الحرارة بدأت في التصاعد وأصبح الماء في الأخير حارا. بالتأكيد لم يكن الحال مثاليا وفق ما يتمناه الضفدع خصوصا وقد بدأ يشعر بالتعب. ومع ذلك لم يجد الضفدع في الأمر ما يدعو للذعر! بعد ذلك ظهرت الحقيقة وتبين أن الماء أصبح حارا جدا. ولا شك أن الضفدع قد بدأ يكره ذلك لكنه شعر في نفس الوقت بالضعف وهو ما دفعه إلى التحمل والسكون. وفيما كان الضفدع مشدودا إلى أسفل لا يستطيع شيئا كانت حرارة الماء تتصاعد (والقدر تغلي) حتى انتهى الحال إلى موت الضفدع وطبخه دون أن يتمكن من الخروج! ومن الواضح أن نفس الضفدع إذا قدر له أن يدفع مباشرة إلى إناء أو وعاء حار جدا (50 درجة مثلا) كان من الممكن له أن يجد سبيلا للقفز إلى الخارج.

وخلاصة القصة هي أن الضفدع لما ارتمى في بيئة معلومة كالماء البارد كان الأمر على ما يرام وكذلك الحال لما أصبح الماء فاترا لكن لما أصبح الماء في الأخير حارا وبدأ الضفدع يحترق فقد فات الأوان بالفعل. وبسبب ضعف قوته مات الضفدع مغليا في الماء الحار.

هذه التجربة لا شك أنها غنية بالعبر:

* فهي تدل على أن التغيير السلبي (أي في الاتجاه الخطأ) إذا تم بطريقة بطيئة لا يلفت الانتباه ولا يثير في الغالب أي احتجاج أو معارضة أو رد فعل.

* كما يعبر مثال الضفدع (الذي لا يدري أنه يطبخ) عن ظاهرة التعود والسلبية في محيط يشهد تدهورا متدرجا يؤدي حتميا إلى تهديد حياته. فالقصة في مدلولها استعارة يتم استعمالها للتنديد بسلبية الإنسان والتحريض على صحوة الوعي (التوقف عن لعبة الروبوتات!).

هناك الكثير من الاعتداءات المتكررة على الحريات الفردية وكرامة الإنسان وحرمته الجسدية وحياته الخاصة التي أصبحت تتسع بصفة متصاعدة مع تراجع محسوس للتحركات والاحتجاجات المنددة بتلك الانتهاكات

* وفضلا عن ذلك فان القصة تتضمن الإشارة إلى أن الضفدع ربما ينظم بوعي اختبارا انتحاريا في مقاومة الحرارة! فهو يعلم انه بصدد الاحتراق – طالما كان يشهد ارتفاع الحرارة – لكنه لا يتحرك لكي يفر حتى يثبت قدرته على البقاء حيا في نظام يجره الى الموت! وبالتأكيد (ولا نختلف في ذلك) يبدو حالنا شبيها بهذه التجربة إذ نلاحظ أن المجتمع – على الأقل منذ بداية الأحلام الثورية وعلى امتداد السنوات الأخيرة – قد شهد تدهورا مستمرا للقيم والمبادئ والأفعال بصورة لم تعد تلفت الانتباه ولا تثير في أغلب الأوقات احتجاجا أو اعتراضا أو حتى انتقادا بأي وجه. ولا شك أن الكثير يسلم بأن البلاد قد خضعت إلى انحرافات متدرجة تعودنا عليها إلى حد اعتبارها ظواهر طبيعية لا تثير تساؤلا أو انتقادا، من ذلك:

* أشياء كثيرة (وكذلك شخصيات وخطابات وأفكار وتوجهات إلخ…) كانت في بداية الثورة ترعبنا أو تثير حماسنا أو تحبط عزائمنا لكنها أصبحت مع مرور الأيام والسنوات أقل وطأة وأكثر قبولا حتى أنها في أغلب الأحيان لا تثير فضولنا أو تجلب اهتمامنا. ولك أن تتصور ما تريد عن تلك الأشياء أو الخطابات (الإشادة بالتجمع الدستوري الديمقراطي – الأحزاب التجمعية – سب الثورة – ظهور رموز النظام السابق أو الإفراج عنهم – مشاركة وزراء بن علي في الحكم …الخ) أو تلك الشخصيات التي أصبحت معتادة (محمد الغرياني – برهان بسيس – الحبيب عمار – عبد الله القلال – سليم شيبوب – بلحسن الطرابلسي – …الخ).

 

* الاعتداءات المتكررة على الحريات الفردية وكرامة الإنسان وحرمته الجسدية وحياته الخاصة (التجاوزات الأمنية – حالة الطوارئ الدائمة – الإقامة الجبرية – الاعتداء على المعطيات الشخصية – مراقبة التنقل وعدم تسليم جوازات السفر – الإيقافات الجماعية -القيود المسلطة على الجمعيات …إلخ) التي أصبحت تتسع بصفة متصاعدة (بفعل عوامل كثيرة) مع تراجع محسوس للتحركات والاحتجاجات المنددة بتلك الانتهاكات وضعف مستمر لمكونات المجتمع المدني ورقابة الإعلام.

* التحاليل والتحذيرات والتقييمات والإجراءات المتعلقة بالأوضاع الاقتصادية التي لم تعد تثير – لدى غالبية الناس – ردود الأفعال الطبيعية أو تدعوهم إلى اتخاذ التدابير الوقائية اعتقادا منهم بالنهاية الحتمية (البلاد داخلة في حيط!). وإضافة لذلك يبدو أن الحديث المتكرر عن مكافحة الفساد ومقاومة الإرهاب قد أوجد لدى عموم الناس تكيفا مع بعض الخطابات المهترئة والمتناقضة في هذا المضمار!

* التأثيرات الكبيرة لوسائل الإعلام (وبعض الأسماء المؤثرة) التي ساهمت باستمرار في إغراق متابعيها وهرسلتهم بمعلومات موجهة في غياب العمل بصفة جدية على إرساء إعلام متنوع.

لكن في هذا وفي غيره من الظواهر هل أصبحنا فعلا كالضفدع المغلي؟، ألا يوجد أمل للهروب قبل فوات الأوان؟ بعضهم يعتقد أن القصة حقيقية وأن قدرنا مرتبط بحتمية النهاية. الآن البعض الأخر يكذب الرواية أصلا ويصرح بأن قصة الضفدع المغلي هي بلا شك قصة طريفة لكنها خاطئة ومضللة! فنحن إذا دفعنا بالضفدع في ماء مغلي فلن يهرب بل يموت. أما إذا وضعناه في ماء بارد فإنه سيهرب قبل أن تداخله الحرارة. فالضفادع لا تجلس بهدوء تنتظر لأجلك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.