شعار قسم مدونات

عبد الفتاح السيسي.. داهية من دهاة العرب!

مدونات السيسي

من يقرأ الواقع والتاريخ معاً بشكلٍ جيدٍ يدرك أن الرئيس السيسي ليس شخصاً معتوهاً أو غبياً أو ساذجاً أو لديه تشوه في ذاكرته أو ضبابية في بصيرته، وكل ما يقال عن الرئيس بأنه غبي وساذج ومتخلف ولا يفقه سيئاً وغيرها من الكلمات لم يقرأ الواقع ولم يفهم التاريخ، وكل الذين يتهمونه بالغباء وما شابه ذلك هم الأغبياء حقّاً.

 

فليس من المعقول أن يتسلسل السيسي في أجهزة الدولة ويحظى بثقة الرئيس المخلوع حسني مبارك ليصبح مديراً للمخابرات الحربية في عهده ولولا ذكائه ودهائه لما استطاع رغم حداثة سنه أن يصل لهذا المركز ويحصل على هذه الرتبة، وحتّى أولئك الذين يتهمونه بابن أمه يهودية وأنه ينحدر من عائلة أصولها يهودية هم أيضاً لم يقرؤوا الواقع ولم يفهموا التاريخ جيداً، والمشكلة أن النخبة قبل البسطاء هي من تطلق هذه الادعاءات على الرئيس السيسي وتعتبرها مسلمات وتروج لها بذريعة تشويه صورته، وفي الحقيقة هم السفهاء والأغبياء وليس السيسي.

 

السيسي لم يصل لمدير المخابرات الحربية عبثاً فبعض المناصب والمراكز إذا لم تكن داهية لا يمكنك بلوغها أو حتّى الوقوف عند عتبة بابها، ومن يستطيع أن يتفرد بالجيش ويضعه تحت إمرته ليس رجلاً عادياً إطلاقاً

وما فعله السيسي في عهد الرئيس محمد مرسي إبان توليه حقيبة وزارة الدفاع في حكومة الدكتور هشام قنديل يدلُّ بما لا يدع مجالاً للشكِ ولو للحظة بأنه يمتلك عقلية فذة ونظرة عميقة ويقرأ الواقع بشكلٍ دقيق، ويفهم التاريخ جيداً، وأن كل ما يفعله ويقوله نابعٌ عن دراسة عميقة وليس عشوائية أو ارتجالية، ولو كان غبياً أو سفيهاً كما يزعمون لما استطاع أن يستمر وزيراً للدفاع طيلة حكم الرئيس محمد مرسي وجماعته وكانوا مطمئنين له بشكلٍ كبير وواضعين ثقتهم فيه.

 
لقد خدع السيسي بدهائه الرئيس محمد مرسي وجماعة الإخوان عندما كان يُمثل دور الرجل المسلم الصالح الملتزم المناسب لتولي وزارة الدفاع دون أن يشعروا بأنه يخطط للانقلاب عليهم ويزجُّ بهم في السجون، لقد كان يقف وقفة الذليل والمنكسر أمام الرئيس محمد مرسي مما جعل الرئيس والإخوان تزداد ثقتهم به، وعندما انقلب على الرئيس مرسي لم ينقلب فجأة وبدون مقدمات، لقد استطاع أن يُوهم الشارع خلال حكم مرسي بأن الإخوان ذاهبين بمصر إلى نفقٍ مظلم حتى وصل به المطاف ليوعز للإعلام أن على الرئيس أن يعلن عن إجراء انتخابات مبكرة وإلا سيتم الإطاحة به للحفاظ على مصلحة العباد والبلاد وقد كان مُجيش الشارع سلفاً من خلال الإعلام بأن البلد انتهت.
   
انقلب السيسي بكل أريحية على الإخوان والتجربة الديمقراطية والرئيس المنتخب وزجّ بكل من عارضوا انقلابه في السجون وقتل منهم الألوف بحجة أنهم ينتمون لجماعة إرهابية، وأقسم السيسي بالله عز وجل ثلاثاً بأنه ليس له أي طمع في السلطة وأن الانتخابات ستجرى في موعدها وأنه لن يترشح لهذا الموقع إطلاقاً، ثم خلع بدلته العسكرية وعمل مسرحية درامية وبدأ يعمل بذكائه المعهود فقرّر خوض الانتخابات واكتسحها بقوةٍ واستطاع أن يُوجه رسالة لأنصار منافسه المرشح حمدين صباحي بأن مرشحكم كومبارس وحرق ورقته في أوساط الجماهير التي كانت ترى فيه بصيص أملاً وأنه رجلاً ثورياً.

 

undefined

 

ولم يقف الأمر هنا فحسب فالرجل تخطى بذكائه الفنان الكبير عادل الإمام بالفكاهة الدرامية التي يقدمها للجماهير فقد استطاع أن يصرف أنظار الشعب والأمة والعالم عن ما يقوم به من تدمير وتفتيت لمصر وبيعها ممتلكاتها من خلال الكوميديا السّاخرة التي يتعمد إلى إظهارها في كل خطاباته السياسية، فلم يسبق للسيسي أن خطب خطاباً دون أن يتخلله موقف كوميديا، فمرة يقسم بالله العظيم أن ثلاجته ليس بها ماء منذ عشر سنوات، وأخرى يتحدث عن المرأة ودورها، وثالثة ورابعة وخامسة وأخيراً وليس آخراً عندما قال إنه عندما كان صغيراً كان يدعو الله لإعطائه مئة مليار دولار ليوزعها على المصريين لكن ليس معه شيء ليعطيهم دولارات.

 

فهو بهذه المواقف استطاع أن يجعل النخبة من الشعب قبل العامة والبسطاء بأن يفسحوا المجال أمامه لتدمير مصر وعدم تسليط الضوء على ما يقوم به من أعمال تدميرية بشكلٍ كافٍ، وأن تلتهي النخبة ومعها عامة الشعب بتصريحات الرئيس المثيرة للضحك ولفت الأنظار من خلال وصفه بالساذج والمعتوه وغيرها من الأوصاف، ولكن لا يمكن بأي حالٍ من الأحوال اتهام السيسي بالغباء والسذاجة، فمن يستطيع أن يُزيح من أمام وجهه جميع خصومه السياسيين الكارهين للإخوان الذين ساندوه ووقفوا معه في شرعنة الانقلاب وتخلوا الساحة له وفوق هذا كله يزج بهم في السجون بكل أريحية، لا يمكن وصفه بالغبي، بل هو المتغابي والمتغابي لا يكون إلا داهية وفطناً. 

 
فالسيسي لم يصل لمدير المخابرات الحربية عبثاً، فبعض المناصب والمراكز إذا لم تكن داهية لا يمكنك بلوغها أو حتّى الوقوف عند عتبة بابها، ومن يستطيع أن يتفرد بالجيش ويضعه تحت إمرته ليس رجلاً عادياً إطلاقاً، ومن يستطيع أن يأخذ من الخليج مليارات الدولارات، وإذا فكّر الخليج بقطع الإمداد والأرز، فإنه مباشرة يتجه صوب طهران كورقة ابتزاز لجلب مزيدٍ من الأموال من دول الخليج، من يستطيع أن يفعل ذلك بلا شكٍ أنه داهية. شئنا أم أبينا اتفقنا أو اختلفنا مع السيسي فمن السذاجة أن نصفه بالغبي أو السفيه، فمن يفعل ذلك يستحيل وصفه بالغباء، بل هو ماكر وداهية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.