شعار قسم مدونات

دليلك لخطوبة مثمرة.. في ست خطوات

مدونات - خطوبة
هدف الشارع الحكيم من مشروعية " الخطبة باعتبارها فرصةً أمام طرفي الزواج ليتعرف كلاهما علي الآخر قبل إتمام عقد الزواج باعتبار أن عقد الزواج في الإسلام قائمٌ علي الديمومة والإستمرارية وباعتبار قضية اختيار " شريك الحياة " أهم القضايا علي الإطلاق لاسيما مع ما يوليه الإسلام من عنايةٍ قصوي لأمر الأسرة وكل ما يتعلق بشؤونها ، ولم لا وصف الله تعالي هذا العقد بالميثاق الغليظ ولم تتناول آيات القرءان الزواج ومقدماته إلا بأنبل العبارات وأرقها إيقاناً بأنّ اختيار الرفيق يتطلب تريثاً وتؤدة ، فتارة يقول الله – تعالي – " هنّ لباسٌ لكم وأنتم لباسٌ لهنّ " وأخري يقول "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً" وقال – صلي الله عليه وسلم " الدنيا متاع ، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " .
    
إلاّ أنّه مع – طغيان المادة وسوادها ومع انسحاب الأسرة عن الاضطلاع بدورها في تهيئة النشء وإعداده فضلاً عن حالة " إنسحاق المفاهيم " التي لازمت جيلنا – باتت مرحلة الخطوبة مرحلةً عسيرةً متأرجحةً بين الإفراط والتفريط وباتت " عبئاً " بدلاً من أن تكون "متنفساً " لجيلٍ يكابد ويصارع مشاق يومية بحثاً عن حقوقه فضلاً عن آماله وبعيداً عن معايير الدين والأخلاق والنسب – باعتبارها مما هو معلوم من الخطوبة بالضرورة – فثمّة قواعد حياتية ينبغي مراعاتها حتي تظفر بخطوبةٍ مثمرةٍ تؤدي غرضها وتفي بالمطلوب منها.
    

الواقعية في معايير الاختيار
فالمقصود بالواقعية هنا أي " الوسطية " في عملية الإختيار بلا إفراط ولا تفريط ، حيث أنّ الكثيرين من المقدمين علي الخطوبة يرهق نفسه في البحث أملاً في الظفر بالأكمل ديناً وخلقاً ونسباً دون إدراكٍ أنّ ذلك من دروب المستحيل حيث يكفي أن يمتلك الشخص حظاً مناسباً من الدين والأخلاق وحسن النسب فضلاً عن حدٍ من القواسم المشتركة ممّا يمكن معه تدشين علاقةٍ سوية وممّا يجدرُ ذكرهُ في هذا المقام هو التفرقة بين ما هو ثابت ممّا لا يمكن التنازل فيه وما هو متغير ممّا يمكن فيه الرهان علي دورة الأيام ، فغاية الأمر هو البحث عن الأنسب لا الأكمل.
  
يجب أن يفهم الطرفان أن علاقتهما أسمي من أن تكون حديثا تلوكه الألسنة، وأنه يكفي أن تتحول الهفوة إلى كارثة باستدعاء أكبر عدد من الدخلاء

وقد أوجز – صلي الله عليه وسلم – الأمر قائلاً " إذا أتاكم من ترضون دينهُ وخلقهُ فزوجوه ، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " وقال أيضاً " تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك "  وإنما ألحّ – صلي الله عليه وسلم – علي بُعد " الدين " في أمر الزواج لأنّ ما سواه زائل ، فالجمال يخبو والمال ظلٌ زائل بينما " الدين وحسن التربية " هو ما ينفع ويمكث في الأرض.
   

وجود المرجعية
ففترة الخطوبة في فترة " تحدياتٍ " بامتياز ، وحداثة الخبرة من كلا الطرفين تفرض وجود " مرجعية " يرتكن إليها الطرفان حال تأزم الأمور ممّن نتوسم فيه الثقة والتجرد والحكمة ، وهذه المرجعية ربما تتجسد في مسؤولٍ أو صديقٍ مشتركٍ أو غير ذلك ممن يلقي قبولاً وارتياحاً من الطرفين فأهمية المرجعية تكمنُ في كونه مبصّراُ بالأمور ومستشرفاً لآفاق العلاقة وصوتاً للعقل في وقتٍ تجيش فيه العاطفة وقادراً علي أن يُسمع الطرفين مالا يريدان سماعه فضلاً عن مصداقيته التي توجب علي الطرفين الإذعان والقبول.

   

تحييد كافة الأطراف الغير فاعلة
فمرحلة الخطوبة هي مرحلة " خصوصية " يحتاج فيها الطرفان إلي الهدوء والإنكفاء علي تلمس طباعهما دون تدخلٍ من هنا أو تطفلٍ من هناك لاسيما وأنّ كثيراً من "المتداخلين" تنقصهم " الحكمة " وإن لم يخلوا من " إخلاص " ، فكلا الطرفين يجب أن يكونا علي درجةٍ من الفهم يوقنا معه أنّ علاقتهما أسمي من أن تكون حديثاً تلوكه الألسنة وأنّه يكفي أن تتحول " الهفوة " إلي " كارثة " باستدعاء أكبر عددٍ من الدخلاء ، أمّا الشوري وتداول الآراء فلا بأس في هذا.

    

تجنب السيطرة وفرض الشخصية
وهذا الأمر أظهرُ ما يكون في الرجل حيث يعتبر ذلك من دعائم الشخصية ودلائل الإستقلالية دون ثمّة اعتبار للطرف الآخر ودون فهمٍ أنّ الرجولة الحقّة تتطلب حواراً وتداولاً واحتواءاً والإذعان للحق حال ظهوره وإن خالف الهوي وأنّ ضعف المرأة وذوبا شخصيتها دليلً علي " رجولةٍ خائرة " وأنّ التطابق التام هو " موتً إكلينيكي " للعلاقة وأنّ التسلط ربما يصلح في " العسكرية " لكن لا يصلح في " فقه النفوس " .

    

البُعد عن التنميط والمقارنة
المكتسب الأهم من فترة الخطوبة هو تعلم إدارة الخلافات، والطرف المتغافل ليس بالضرورة الطرف الأضعف، بل ربما الأبقي والأحرص على العلاقة
المكتسب الأهم من فترة الخطوبة هو تعلم إدارة الخلافات، والطرف المتغافل ليس بالضرورة الطرف الأضعف، بل ربما الأبقي والأحرص على العلاقة
    
فكلا الطرفين يدخا العلاقة مستدعياً ما عداها من تجارب أخري دون إدراكٍ أن العلاقات وإن تماثلت في بعض جوانبها لكنها لا تخلُ من خصوصية وأنّ المقارنات – في غالبها – بحثً عن النقص وطلبً للمفقود وأنّ الإبتسامات الظاهرة لا تنبئ بالضرورة عن سعادةٍ حقيقية فلتؤمن بأنك صاحب تجربتك وصانعها علي عينك وأنّ المقارنة ما هي إلاّ استدعاء للجحيم إلي عتبة العلاقة  أمّا إن كانت المقارنة بقصد التعرف علي الأخطاء والسعي لعلاجها والعمل علي توفير بيئة " آمنة " للعلاقة فهذا من ضرورات الأمر ولوازمه .

    

التغافل
فمن أهم مهددات أية علاقة إنسانية – لاسيما الخطوبة والزواج – هو ترصد الأخطاء وتتبع الهفوات وإعمال " المنظور الملائكي " علي تصرفات الآخر دون ثمّة إدراك أنّ التدافع دليلُ علي صحة العلاقة وأنّ المكتسب الأهم من فترة الخطوبة هو تعلم " إدارة الخلافات " وأنّ الطرف المتغافل ليس بالضرورة الطرف الأضعف بل ربما الأبقي والأحرص علي العلاقة وأنّ الإيمان بمشروعكما المشترك يتطلب بذلاً وتغافلاً وغضاً للطرف كلمّا أمكن ذلك 

  
تقدّم – المغيرة بن شعبة – لخطبة فتاة من أفضل قومها حسباً وجمالاً ونافسهُ فيها شاب قريب من سنها وجمالها ، فلمّا تبين للمغيرة أنًها ترجح الشاب الوسيم عليه بادر الشاب بالسؤال – وهي تسمعهم – قائلاً : ما شأنك في بيتك يا ابن أخي ؟ فقال الشاب " لا تسقط من كفي خردلة " أي لا يفوت أمراً هينا أو عظيماً ، فابتسم المغيرة وقال : أمّا أنا فإني أبتدر البدرة في البيت لا أعلم عنها حتي يسألوني غيرها " فكانت الفتاة من نصيب المغيرة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.