شعار قسم مدونات

حكومة إنقاذ وطني.. حاجة أم مزحة؟

مدونات - الأردن

أمام التوتر الإقليمي والعربي في المنطقة تبرز أهمية وجود لحمة متجانسة، وهذه اللحمة تعزز بوجود تشكيل يسمى الإنقاذ الوطني (National Salvation) هو تعبير يدل على تعبئة كل موارد وطاقات وجهود الأمة من أجل إنقاذ المصلحة المشتركة خلال أزمة ما، ولقد استعمل هذا التعبير لأول مرة زمن الثورة الفرنسية عندما هوجمت فرنسا من جهات عديدة حيث تم تشكيل ما يعرف بلجنة الإنقاذ الوطني وبالتالي فهو مصطلح يدل على تشكيل حكومة أو قيادة معينة لإنقاذ الوطن من خطر محدق.

 

وعيار نجاح هذه الحكومة أولا بمدى قدرتها على تحقيق إنجازات خطة العمل الموضوعة لها ضمن فترة محددة مرتبطة بمجموعة الخدمات ومجموعة المشاريع التي تم تنفيذها والتي لم تنجز بعد ناهيك عن خطط الإصلاح والتنمية والتطوير الاقتصادي، هذا كله يسير جنبا إلى جنب بمساعدة اللجنة العسكرية المشكلة بشكل طارئ والتي يعتبر إعادة المنظومة الأمنية والتي كانت الحروب أو الاضطرابات الأمنية السبب الرئيس في وجودها.
 

القانون الذي يحكمه المواطن هو قانون المصلحة المتبادلة أو ما يسمى بقانون المنفعة المتبادلة والتي تعنى بتبادل المصالح مهما تعددت أوجهها من اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية أو حتى سياسية

إن معيار نجاح هكذا حكومة يمكن تقديره بمدى قدرتها على إدارة البلاد في هذه المرحلة الخطيرة والحساسة رغم كل ما قد تواجهه من بيئة ديناميكية سلبية بكل ما تحمله من صعوبات داخلية أو خارجية ستواجهها بشكل حتمي والتي قد تلزمها باتخاذ إجراءات مغايرة لما تريده أو اتباع سياسات قد تخالف أيدولوجيتها وهذا كله يصبُّ في معايير نجاحها من عدمه لإدارة المرحلة.
 
الأوضاع الأمنية هي التي تفرض وجود مثل هذه الحكومة من عدمه وهذا يمكن أن ينطبق على سوريا أو اليمن أو ليبيا أو العراق أو حتى إقليم كردستان على سبيل المثال لا الحصر.
 

لكن هل الوضع في الأردن يتطلب وجود هذه الحكومة؟

من الغريب أن تعلو المطالبات من قبل الخبراء وأصحاب القرار في الأردن بحكومة إنقاذ وطني رغم أن هذه المطالبات لم تكن أيام تنظيم الدولة الإرهابي أو ما يسمى بد اعش وما ارتبط فيه من حاجة لتأمين الحدود الخارجية والداخلية في ظل المعمعة الأمنية التي خضعت لها المنطقة في الشرق الأوسط. إذ أن هذه الحكومة ترتبط ارتباطا وثيقا بالأمن الداخلي والخارجي ولم يكن الوضع الاقتصادي ضمن خياراتها الملحة.

 

فهل الوضع في الأردن ملحٌّ لوجدها، وإن كان الأمر كذلك فما الذي ستقوم به ومن هم رجالات المرحلة وآلية اختيارهم؟ هل ستخضع لمنظومة تقيمية محددة ودقيقة؟ وأين المواطن من هذا كله؟

 

الوضع الاقتصادي لا خلاف عليه بأنه من سيء إلى أسوأ وذلك لأنه يخضع لعقلية يقع المواطن ضمن حلولها ولعله الحل الفريد من نوعه وهو الأسهل. إن اللجوء لهذه الحكومة لا يعد أمرا طارئا في الأردن لأنها ستزيد الطين بلة وستسير إلى طريق مسدود مع المنظومة العسكرية والتي تدخلها في هذه الفترة بالذات سيرتب أمورا كثيرة أهمها فرض السيطرة لتعارض المصالح وسيبعدها تماما عن مهمتها الأساسية في تأمين الحدود متشاركة مع جميع المنظومات الأمنية الداخلية التي تعنى بفرض الأمن.

 

المواطن الأردني رغم معاندة كل الإحداثيات له وسيره عكس التيار إلا أنه مازال مسيطرا على سلوكياته وعقلانيته ولن يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أولوياته
المواطن الأردني رغم معاندة كل الإحداثيات له وسيره عكس التيار إلا أنه مازال مسيطرا على سلوكياته وعقلانيته ولن يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أولوياته
 

إن تعارض المصالح بحد ذاته يحتاج إلى حكومة إنقاذ، يبقى أن الغرض من وراء هذه المطالبات العمياء غير واضح وربما أيضا له أغراض غير واضحة قد ينساق صاحب القرار وراءها وبطرحها المعسول رغم عدم عقلانيته. المفهوم العام لحكومة إنقاذ وطني هو إنقاذ المواطن، ولكن إن كان المواطن بحد ذاته يطرح مفهوم التعاون واهتمام بمصلحة البلاد ويعرض قدراته من أجل هدف نبيل وهو النهوض بالمنظومة الاقتصادية للوطن سواء بمشاريعه الحيوية البسيطة أو استغلاله للمورود الطبيعي ضمن إمكانياته وتقف مطالباته فقط عند تخفيف العبء الضريبي أو تخفيض التعرفة الخدمية أو قوانين تسهيل الاستثمار.

مجرد طرح هذا المفهوم يعني شيئا واحدا لا يعني مصلحة الوطن بشيء، الاقتران هو عملية رياضية ضرورية وهي لا ترتبط بالعمليات الرياضية فقط بل ترتبط بالعلاقات المتشابكة بين الحكومات والأنظمة والمواطنين وجميع الأنظمة المتداخلة والتي لا يمكن فصلها عن بعضها البعض من هذا المنطلق عملية اتخاذ القرار لا يمكن اتخاذها وفق أهواء تيار ما أو وجهات نظر غير مدروسة أو سطحية لأن أي قرار يتم اتخاذه يؤثر في المنظومة ككل.

 
القانون الذي يحكمه المواطن هو قانون المصلحة المتبادلة أو ما يسمى بقانون المنفعة المتبادلة والتي تعنى بتبادل المصالح مهما تعددت أوجهها من اجتماعية أو اقتصادية أو أمنية أو حتى سياسية وهمّ المواطن متعلق بتحقيق الحد الأعلى منها. والمواطن الأردني رغم معاندة كل الإحداثيات له وسيره عكس التيار إلا أنه مازال مسيطرا على سلوكياته وعقلانيته التي تعتمد على حماية المنظومة الأمنية ولن يكون تشكيل حكومة إنقاذ وطني من أولوياته.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.