شعار قسم مدونات

الطفولة الضائعة.. إرحم يا رب!

blogs - kid
في طريق عودتي إلى المنزل استوقفتني رؤية مجموعة أطفال لا تكاد أعمارهم تتجاوز العاشرة إن لم أخطىء التقدير،يلعبون بمرح ملفت للنظر بإحدى المساحات الخضراء المجاورة لمقر ولاية طنجة…مشهد يدخل بعض السرور على النفس المثقلة المتعبة.توقفت أراقبهم قليلا ثم جلست بعدها في إحدى الكراسي المقابلة لهم أستمتع بأصوات ضحكاتهم البريئة تارة ،وأراقب بعض المواقف التي يتشاكسون فيها تارة أخرى…همست في نفسي ما أجمل الطفولة وما أروع البراءة وخلو البال من مشاكل ومنغصات هذه الحياة.
    
غير بعيد مني،لمحت أحد الصبية يجلس وحيدا وأصابع يديه متشابكة بعضها ببعض،نظرات عينيه منكسرة و مصوبة نحو الأسفل،استغربت انعزاله عن باقي الأطفال وأخذني فضول هو ليس من عادتي لأعرف سر نظراته الكسيرة الحزينة، فٱقتربت منه و مسحت على رأسه ثم بدأت ألاعبه …استجاب بسرعة ثم نسجنا تعارفا سريعا أنا وهو.سألته عن إسمه فأجاب: ريان ..
   
قلت أنه اسم جميل ثم سألته إن كان يعرف معناه فأجاب بلا ،حينها أخبرته أن الريان إسم باب من أبواب الجنة يدخله الصائمون،ثم ما لبث أن سألني بدوره عن ٱسمي ،أجبت سارة …قال :و ما معناه؟حاولت تبسيط وتقريب المعنى له فقلت: معناه السرور والفرح! قال ببراءة : و هل أنت سعيدة؟  قلت ضاحكة : نعم ولم لا أكون! قال: ولكنني أراك حزينة …هل أنت يتيمة مثلي؟ قلت: إن كنت حزينة فلأنّه ليس لدي طفلا رائعا مثلك يا ريان!
    
مَن آباؤهم على قيد الحياة ولا يستطيعون ضمهم أو شم رائحتهم، يعيشون يُتما من نوع آخر، يبكون بعادهم على وسائد النوم، ويمنون النفس بيوم اللقاء

ابتسم ريان ابتسامة خجولة أحسست من خلالها أنه وبالرغم من صغر سنه قد فهم ما أعنيه وأقصده أو ربما هكذا خيل إلي. ثم تماديت في سؤاله : أيتيم الأب أم الأم أنت يا ريان؟  قال : يتيم الأم ثم أردف: أنا لا أعرف أمي ولا كيف شكلها ولكنني بالرغم من ذلك أحبها و أخبرها بذلك كلما نظرت إلى السماء،فالموتى يعيشون في السماء أليس كذلك ؟ قلت: لا ،بل الموتى يعيشون هنا في قلوبنا وأشرت بسبابتي إلى موضع قلبه ثم أخذته إلى صدري وضممته ضمة حب صادقة وددت لو أنها طالت أكثر ما يمكن لولا أن قاطعها صوت امرأة تنادي ريان ومعها بعض النسوة،رمقتني المرأة بنظرة عدم ارتياح …تقدم ريان نحوها سحبته من يده و غادروا جميعهم المكان.

    
راقبت رحيلهم و أنا واقفة مكاني،استدار ريان بعد بضع خطوات و ودعني ملوحا بيده الصغيرة،بادلته تحية الوداع ثم مضيت بعدها في طريقي و عقلي و فكري شاردان مني.آلمني يتم ريان و في نفس الوقت عز على قلبي يتم من آبائهم أحياء،لم أعرف كيف أشرح له أنّ اليتم ليس فقط بموت الوالدين ولكن أيضا بفقدانهم وهم أحياء.لا أمل لريان ومن يعيشون مرارة اليتم مثله في رؤية من غيبه الموت عنهم فقد دفنوا أحبتهم تحت التراب وليسوا في انتظار غائب قد يعود وقد لا يعود،غير أن من آبائهم على قيد الحياة و لا يستطيعون ضمهم أو شم رائحتهم حتى،يعيشون يتما من نوع آخر يبكون بعادهم على وسائد النوم، و يمنون النفس بيوم اللقاء فما أصبرهم على مشاعر الإنتظار!
    
ثم تذكرت من آبائهم حاضرو الجسد غائبو الروح، لا مشاعر حنو و لا عطف و لا اهتمام و لا أدنى شعور بالمسؤولية…أوليس هذا اليتم بأم عينه؟ أكملت طريق و كل تفكيري في محاولة فهم اليتم ،يتم الموت و يتم الحياة،تذكرت الأموات فترحمت عليهم و تذكرت الأحياء البعاد فبكيتهم ،بكيتهم بحرقة حتى كادت العبرة أن تخنقني…آه منك يا وجع الروح و يا ألم القلب الذابح! كيف لك أن تهدأ؟ فلا حضن أم يضم و لا ذراع أب يطوق! لا أنا لامست عنان السماء السابعة بدعاء و لا ألنت الأرض التي أمشي عليها بأنهار دموع البكاء، جارت الأيام بخطوبها حتى صرخ لسان الروح صادحا صادقا إرحم يا رب!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.