شعار قسم مدونات

أزمة حب

blogs الحب

قبل أن تفكر في الكتابة في أي موضوع، تتصارع الأفكار في دماغك وتتقافز الكلمات من حول هذه الأفكار لتنتصر الفكرة التي تكون أقرب للواقع أو على الأقل أقرب إلى القلب وتتحول من فكرة بسيطة إلى كلمات مسطرة هنا أو هناك، وقد تهرب بعض هذه الأفكار عن طريق لسانك لمن حولك من الناس كنوع من تداول الأفكار، ومنذ فترة وإني أفكر أن أكتُبَ عن الحب وقد تفاجأت بأن كل من يعرف بهذا العنوان تظهر على وجهه ابتسامه غريبة يحاول أن يخفيها وكأن الموضوع قد فتح غرفة مقفلة في بيت الذكريات وتتبع تلك الابتسامة اعتراض على موضوع على الفكرة فمنهم من يحذرني من رأي الناس في الموضوع ومنهم من يعتقد بأنه موضوع غريب ولا يتناسب مع الوضع الحالي ومنهم من خاف أن يكون الموضوع سببا في المشاكل  ومنهم من خاف من أصاب أنا وزوجتي بالعين لأني أكتب عن الحب!

 

ولكني لم أفهم ما المشكلة إذا كتبت عن الحب لماذا يخاف الناس هكذا من الحب ومن منا لا يحب ومن منا لم يكتوي بنار الحب في يوم من الأيام ومن باب التماس العذر لأخيك سبعون مرة فقد عذرت من نصحني وأغلب الظن أن يكون قد تبادر إلى ذهن من حدثته عن فكرتي بأنها مرتبطة بمجموعة الأغاني التي ملئت الدنيا حول الحب أو فيديو مصور لمجموعة من الصبايا يتراقصن طربا بالحب أو اثنين من العاشقين منزوين في ركن من أركان الجامعة أو قصة أو علاقة لا تقترب من مشاعر الحب أكثر من اقترابها من تمثيلية ركيكة.

 

الحب الذي أقصده هو الحب النقي من المصالح أو الرغبات المشبوهة، حب يرتبط بالنقاء والصفاء في القلب والعقل والجسد، حب يثبت عند الشدائد والمحن، واضح المعالم ومضمون المستقبل، لا يحتوي على المتاهات والدهاليز يرفع من أصحابه إلى عنان السماء يغير من طبيعتهم البشرية إلى طبيعة ملائكية ومن نظرة بسيطة لما نراه اليوم من حولنا من حب ومتحابين نرى أزمة متفاقمة في الحب. نعم إنها أزمة في الحب فسدت فيه بضاعة الحب وشحت مشاعره حتى وصلت إلى العدم وما موجود ليس سوى بضاعة مقلدة تباع لمستهلكين همهم الامتلاك لا المشاعر.

 

أزمة حب منتشرة ضربت هذه الدنيا فحولتها إلى غابة ولا علاج لها إلا بعودة الحب والمحبة، فحريٌ بِنَا أن نبحث عن الحب في داخلنا قبل أن نبحث عن النفط في داخل الأرض

فكيف تسقط الأوطان وتسلب مواردها ويعترشها من لا يستحق لولا أن لدينا أزمة في حب الوطن، فحب الوطن علاقة متبادلة بين الوطن ومواطنيه يعطيهم ويرعاهم يحفظ كرامتهم يرتقي بأبنائه حتى يشتد عودهم ويتعلموا قيمة الوطن وكيف يحفظوه ويساهموا في رفعته ورقيه. وكم تتفرق جماعات وتتقاتل الشعوب فيما بينها سوى أنها فقدت الحب وأصبحت الغيرة والحقد والحسد بديلا للحب والأخوة والغبطة فتعود الجماعات إلى عصورها المظلمة وتمارس العصبية المقيتة المرتبطة بالقبيلة والمدينة والعشيرة والعائلة ويصبح ما كان من شأنه أن يكون مقوما للأفعال داعما للخير جالبا للشر مقترنا بالانحراف.

 

كيف تسمع أن أبا هجر عائلته وأما قتلت أطفالها وأبناء عقوا والديهم لولا أن لدينا أزمة في الحب ذلك الحب الذي يجمع الأسرة حول مدفأة في شتاء بارد فيجعلهم كصورة متناسقة ألوانها تتزين بضحكات الأطفال ودفء المشاعر. كيف يهجر العاشقين من أحبوا بكل سهولة وتضيع الأحلام الوردية بين وديان الهجر والجفاء وتتحول قصة إلى كابوس يصارع من فيه للاستيقاظ قبل الأخر. كيف يمكن أن يتغنى ويرقص طربا ذلك القاتل على جثث الضحايا مفتخرا بالعدد والمنظر لولا أن قلبه قد مات وتيبست أراضي الحب فيه حتى أصبحت صحراء قاحلة لا تنبت إلا شوكا يؤذي من حوله.

أزمة حب منتشرة ضربت هذه الدنيا فحولتها إلى غابة ولا علاج لها إلا بعودة الحب والمحبة، فحريٌ بِنَا أن نبحث عن الحب في داخلنا قبل أن نبحث عن النفط في داخل الأرض، حريٌ بِنَا ان نزرع بذور المحبة في أطفالنا قبل أن نزرع فيهم حب المال والسلطة، فالحب شرط من شروط الإيمان فمن لا يحب لأخيه ما يحب لنفسه ذهب إيمانه، الحب خليط مبارك من المشاعر بدايته شرارة ونهايته إن صدق المُحب جنة خالدة في الأرض والسماء، الحب بلسم شافي لأمراض العصر في هذه الأيام ومخلص لما نحن فيه من ضياع ودمار. فهنيئا للمحبين أسروا حبهم أم أعلنوه.. هنيئا لكل أم وكل أب غمروا بيتهم محبة وحنان.. هنيئا لكل راعي أحب رعيته وأصبح جل همه ألا يكون لديهم اَي هم.. هنيئا لمن من أحب نفسه فأحب الناس ونشر الحب لمن حوله كشمس لا يخبو شعاعها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.