شعار قسم مدونات

حقوق الصهيونية في فلسطين

blogs - اليهود

عندما يجتمع الجهل مع الغرض في المرء فليس من الغريب أن يأتي بالعجب العجاب، وهكذا ساق الغرض الجهلة من مرتزقة الأنظمة التي أبدت تفريطا بالقضية الفلسطينية إلى هذا القول العجاب: "علينا أن نعترف وندرك أن القدس رمز ديني لليهود، وهو مقدس كقداسة مكة والمدينة للمسلمين".. أهذه كلمات تجري على لسان عربي مسلم؟! ولنا أن نتساءل ماذا أجراها وهي تنضح بالجهل والتسطيح غير التزلف للأنظمة المنبطحة والغرض الذي يرتدي ثوب الإنصاف على حساب الضمير والدين والتاريخ. وإليك كلمة التاريخ في الصهيونية لنرى الحقيقة ساطعة جلية للنظر الصحيح المعافى من آفة الجهل والهوى.

1- الصهيونية نزعة سياسية وليست عقيدة دينية

يغلب على وهم الكثيرين أن الصهيونية حركة دينية قديمة، وأنها مرتبطة بالوعود للخليل إبراهيم علية السلام، يقول المفكر عباس العقاد مفنداً هذا الوهم (والواقع أنها ليست بالحركة الدينية وليست بالحركة القديمة في بني إسرائيل أنفسهم، بل هي حركة سياسية تابعة لقيام الدولة وسقوطها في بيت داود. فغاية ما بلغة ابراهيم علية السلام تحت قمة صهيون أنه اشترى هناك قبراً بالمال كما جاء في الإصحاح الثالث والعشرين من سفر التكوين في العهد القديم. ومضت القرون بعد إبراهيم إلى موسى عليهما السلام، ثم مضت القرون بعد موسى والحال على ما كانت عليه، وبقيت مدينة القدس في أيدي اليبوسيين، وجاء في سفر القضاة من العهد القديم أن بني بنيامين كانوا يسكنون مع اليبوسيين، ولا يدعون معهم حقاً في المدينة).

تعاونت عدة من العوامل في بعث الصهيونية الحديثة، وجملة بواعثها ثلاثة؛ وهي الاضطهاد وظهور فكرة القومية ومطامع الاستعمار

ثم أغار بنو يهودا عليها فدمروها وأحرقوها، ولم يخطر لهم أن يقيموا فيها مقاماً ذا قداسة عندهم أو غير ذي قداسة وعاد إليها اليبوسيين فجددوها وأقاموا فيها إلى أن تولاها داود، وخلفة سليمان فبنى فيها الهيكل المشهور، ولم يتفق اليهود أنفسهم على قداستها بعد إقامة الهيكل فيها، فإن الملك يهواش ملك إسرائيل أغار عليها واستباح هيكلها، وغنم ما فيه من التحف والآنية ثم قفل إلى السامرة، وجاء في العهد القديم خبر وفاته على الصيغة المرضية، فقيل عنة أنه اضطجع مع آبائه، أي قضى على الأقل غير مغضوب عليه..

 

كذلك كان شأن صهيون قبل سبي بابل، فلما حمل اليهود إلى الأسر أصبح الحنين إلى صهيون رمزاً إلى الحنين إلى عودة المملكة الغابرة وتحولت الوعود الإلهية تحولا جديداً مع مصالح السياسة، فانحصرت في ذرية داود عليه ليخرج منها غير ذي الذرية من اليهود. وليس هذا بالتحول الأول عندهم في هذه الوعود على حسب المصالح السياسية، فقد كان الوعد لإبراهيم فحولوه إلى إسحاق ليخرجوا منه ذرية إسماعيل، ثم حولوه إلى يعقوب ليحصروه في سلالة إسرائيل، ثم حولوه إلى ذرية داود ليحصروه في مملكة الجنوب دون مملكة الشمال.

2- الصهيونية نزعة سياسية حديثة ظهرت بين اليهود في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر

رغم أن الحنين إلى عودة المملكة الغابرة بدأ بعد السبي البابلي غير أنه سرعان ما انقطعت العلاقة بين الصهيونية ومعناها الجغرافي بعد ذهاب الأمل في نجاحها السياسي واستحالت مملكة سماوية لا ترتبط بمكان معين ولا تتطلب العودة إلى فلسطين، وإلى هذا يشير صاحب الرسالة إلى العبرانيين من الإنجيل (إنكم لم تأتوا إلى جبل ملموس مضطرم بالنار، بل أتيتم إلى جبل صهيون، وإلى مدينة الله الحي أورشليم السماوية، وكنيسة أبكار مكتوبين في السماوات وإلى الله ديان الجميع) ثم ما لبثت الصهيونية أن تلاشت من الوجود إلى أواخر القرن التاسع عشر، وفي هذا دليل أوضح من الشمس في رابعة السماء أن الصهيونية لم تلازم اليهود عبر تاريخهم كما يروج الصهاينة.

ما تبثه الدعاية الصهيونية من أن قيامها يقضي على علة اضطهاد اليهود عبر التاريخ ويمنع تكراره وتجديده ليس أكثر من دعاية لا تمت إلى الموضوعية بصلة
ما تبثه الدعاية الصهيونية من أن قيامها يقضي على علة اضطهاد اليهود عبر التاريخ ويمنع تكراره وتجديده ليس أكثر من دعاية لا تمت إلى الموضوعية بصلة
 
3- بواعث الصهيونية الحديثة

تعاونت عدة من العوامل في بعث الصهيونية الحديثة، وجملة بواعثها ثلاثة؛ وهي الاضطهاد وظهور فكرة القومية ومطامع الاستعمار، ومن اللافت للنظر أن من فعل هذه البواعث ليس يهوديا خالصاً. ألا وهو الإمبريالية الغربية ومطامع الاستعمار، ومن هنا ذهب المفكر عبد الوهاب المسيري إلى (أن الصهيونية إشكالية كامنة داخل الحضارة الغربية، ولا يمكن فهمها بمعزل عن سياق هذه الحضارة) وهو يشرح هذه العلاقة قائلاً: (وقد وجدت الإمبريالية الغربية في أعضاء الجماعات اليهودية ضالتها باعتبارهم مادة استيطانية تسبب مشاكل أمنية إن بقيت داخل العالم الغربي، ولكنها تستطيع أن تزيد نفوذه إن نقلت خارجه وتحولت إلى مادة قتالية تحول لحساب الغرب داخل نطاق الدولة الوظيفية. ووجدت القيادات الصهيونية بدورها أن ثمة إمكانية لوضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ من خلال تقبل الوظيفة القتالية المطروحة).

 

أما ما تبثه الدعاية الصهيونية من أن الاضطهاد الذي لحق باليهود عبر تاريخهم هو علة العلل للصهيونية وأن قيامها يقضي على هذه العلة ويمنع تجديدها فليس أكثر من دعاية لا تمت إلى الموضوعية بصلة لأنها تفترض الخلل في الأمم قاطبةً فتلقي عليها التبعة وتعفي اليهود من أن يُسألوا كيف جروا الاضطهاد على أنفسهم، أليسوا هم من ينظرون إلى الأمم نظرة العداء عندما قسموا العالم منذ قديم الزمن إلى قسمين: قسم إسرائيل وهم صفوة الخلق وأصحاب الحظوة عند الله لغير سبب إلا أنهم أبناء إسرائيل، وقسم آخر يسمونه قسم الأمم أو(الجوييم) ويشملون به جميع الناس من جميع الأقوام والأجناس؟ 

وقد صدق حيث كتب قائلاً عن دعوى الاضطهاد إنها: (تدين المضطهَدين قبل أن تدين المضطهِدين، وتبرئ العالم كله من أثم الصهيونية لأنها لو وجدت في عالم من الملائكة لما كان لها فيه نصيب أكرم من هذا النصيب، بل لعلها كانت في عالم الملائكة لا تنال من الرغد والنجاح ما تناله بالرشوة وخدمة الشهوات في ميادين السياسة الدولية كما ابتلي بها العالم الآن).

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.