شعار قسم مدونات

نُزهة بعلمٍ فلسطينيّ.. ورُصاصة من بندقيةِ المحُتل!

A wounded Palestinian is evacuated during clashes with Israeli troops during a tent city protest along the Israel border with Gaza, demanding the right to return to their homeland, east of Gaza City March 30, 2018. REUTERS/Mohammed Salem

في ذكرى يوم الأرض، اتخذ الشعب الفلسطيني قرارًا بالخروجِ، في مظاهرات سلمية، على حدود قطاع غزة، للمطالبة بحق العودة، المكفول دوليًا من قبل القرارات التي خرجت بها الأمم المتحدة، لحماية الشعب الفلسطيني، وحقه في تقرير المصير. قام الشعب الفلسطيني ببدء التظاهرات السلمية، من خلال نصب الخِيم، وكتابة أسماء القُرى، والمُدن التي هُجّروا منها، وحمل الأعلام الفلسطينية، دونًا عن أعلام الأحزاب الفلسطينية، كون يوم الأرض هو يومٌ فلسطيني بحت، والقضية الفلسطينية تخلو من ألوان الأحزابِ، وشعاراتهم، لذلك اتفقت الأيدي، على حملِ العلم، والمطالبة بكل أمل وألم، بكُل اشتياق ولوعة، للعودة لفلسطين، فلسطين التي عرفوها من الآباء والأجداد، من صُور المجازرِ والحروب، من حكاياتِ الجدّات العتيقة، ورائحةِ أثوابهم المُطرّزة، وصورة الجنيه الفلسطيني، الذي لطالما حلموا بأن يشتروا بهِ، حمامةً تطيرُ فوقَ أسقف منازلهم بحُريةٍ تامّة، لا تهابُ حاجزًا، أو اعتقالًا، رصاصَةً، أو صاروخًا.

 

يومُ الجُمعة، هو اليومُ الموعود، منذ السادسة صباحًا بدأ الشُبّان والشابات، النساء والأطفال، والشيوخ، وأصحاب الهِمم، بالخروجِ من منازلهم، صوب حدود عام 1967 الفلسطينية-الإسرائيلية، لتجهيز الفطُور، والغذاء للمتظاهرين، وإقامَة صلاة الظُهر، أمام الله، ومطالبته أولًا بجائزةِ صبرهم على مدار قُرابة السبعين عامًا، ثمّ مُطالبة المجتمع الدولي بالتدخل، لحلّ مشكلة اللاجئين، وإعادة أراضيهم، والنظر للاحتلال، نظرة المُجرم، الذي لا يحترم معاهداتها، بنودها، قوانينها، أو حتى الاتفاقيات التي دخلت بها دولة الاحتلال، والتي حتى اللحظة تُنفّذ من قِبل جانبٍ واحد، ألا وهو الجانب الضعيف -من ناحية عسكرية- لذلك تُمارس دولة الاحتلال عنجهيتها دون أي اهتمام، لشعب الدولة الخاضعة تحت سيطرتها، أو حتى الدول التي تقع في نطاقها.

 

الشعب سئِم الحلول السياسية، وسئِم القرارات العسكرية، وتوجّه للمظاهرات السلمية، التي كفلها القانون الدولي، وفرض حماية عليها، واعتبرها مصونة بالقانون الدولي العام

وليس هنالك رادعٌ فعليّ من قِبل المُجتمع الدولي، ولا حتّى من الدُول القوية على الساحة الدولية، كالولايات المتحدة الأمريكية، التُي تعتبر الحاضن والممول للدولة الصهيونية، وروسيا التي لا ترى في وجود إسرائيل، مُشكلة، كونها لا تؤثر سلبًا على سياستها، وغيرها كالصين وبريطانيا وفرنسا، وهلُم جرًّا. وهُنا تحرّك الشعب، حتّى يلفت نظر الدول أجمع، صوبَ فِلسطين، وقضيتها من جديد، كونها القضية، التي ما زالت عالقة منذ تأسيس الأمم المتحدة.

أكثر من عشرين ألف مواطنٍ، خرجُوا، الطالب، والعامل، والدكتُور، والقائد، والعاطل عن العمل،، والبائع، والفنّان، والعديد من ممثلي المنظمات الدولية، التي تنادي بحقوق الإنسان، جُلهم باسم فِلسطين خرجوا من قطاع غزة، غزّة التي عانَت من آثار الانقسام لمدة تزيد عن العشر سنوات، خرجت غزة حاملة فِلسطين على كتفها، ونسَت أن يديها، وقدميها تنزفان وجعًا، لما يحدُث بها، وهذه إحدى الشعائر التي يقوم بها الغزيّين، في حال اعتقد الجميع أنّهم نسَوا أرضهم، ووطنهم، وقضيتهم، وشهدائهم، وأسراهم، "عائدون، عائدون" كلمةٌ تظنُّ بأنّ قائليها قد انتصروا بمعركةٍ ضروس، نتيجتها عودة لمكانٍ ما، ولكن هذه الكلمات كانت تُقال، كتهديدٍ لدولة الاحتلال، بأنّنا سوف نعود، ليس اليوم رُبّما، وليسَ غدًا، ولكن كما يقولونها بالعاميّة: "وراكم وراكم والزمن طويل".

 

غزة، المدينة التي تنتقم من دولة الاحتلال، بتقديم أبناءها شهداء في سبيل هذه الأرض، كنوع من الانتقام، هُنا في فلسطين، الجسد هو من يقتل الرصاصة، والتضحية لا بدّ منها، لتحرير الوطن، والعودة إلى أرض الآباء والأجداد؛ لذلك ترى في هويّاتهم، بجانب اسمهم، وبشكلٍ ضمنّي، الاسم: -المقاوم-نضال، -الأسير-فارس، -الشهيد-مُحمّد، هكذا هُم، نبكيهم، ونُصفّق لهم، فنحن "نُصفّقُ لغزة، لكننا لا نحب سؤالها عن الحياة. غزة قربان حياتنا المقدس، وسير ضميرنا المطمئن في حياته اليومية". كما كتب محمّد الشيخ يوسف، في تدوينة لهُ، على فيسبوك.

 

الشعب سئِم الحلول السياسية، وسئِم القرارات العسكرية، وتوجّه للمظاهرات السلمية، التي كفلها القانون الدولي، وفرض حماية عليها، واعتبرها مصونة بالقانون الدولي العام، وخاصةً القانون الدولي لحقوق الإنسان، وقمع المظاهرات السلمية، يعتبر جريمة دولية، تستوجب المحاكمة. وأبرز ما ورد في حق التظاهر، هو الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الصادر عن الأمم المتحدة عام 1948م، فالمادة الثامنة عشر نصّت على: "لكل شخص حق في حرية الفكر، والوجدان والدين"، والمادة التاسعة عشر نصّت على: "لكل شخص حق التمتع بحرية الرأي والتعبير، ويشمل هذا الحق حريته في اعتناق الآراء دون مضايقة، وفى التماس الأنباء والأفكار وتلقيها، ونقلها إلى الآخرين، بأية وسيلة ودونما اعتبار للحدود".

  undefined

 

كما نصّ ذات الإعلان، على حق كل مواطن، في الاشتراك، في أيٍّ من الجمعيات، وحقه في التحدث، ومناقشة الأمور العامة، التي تهم مجتمعه، وذلك في المادة العشرين منه، التي نصّت على: "1. لكل شخص حق في حرية الاشتراك، في الاجتماعات، والجمعيات السلمية، 2. لا يجوز إرغام أحد على الانتماء إلى جمعيةٍ ما"، والمادة الواحد وعشرين منه، نصّت على: "لكل شخص حق المشاركة، في إدارة الشؤون العامة لبلده، إما مباشرةً، وإما بواسطة ممثلين". وغيرها الكثير من الاتفاقيات، والوثائق، والإعلانات الدولية، التي حمت حريّة التعبير، والمظاهرات السلمية، وإخضاع قامعيها بصورةٍ مُفرطة، وبقوةٍ لا تستجوِب تدخّل عسكري، لمحاكمةٍ دولية، كونهم ارتكبوا جريمَة حرب.

 
لم تكُن دولة الاحتلال، غائبة عن المشهد، هي كانت تنتظُر رحلة العودة، ببنادِقها، وقذائفها، وقنّاصيها، تمركزوا، وبدأت حفلة القمع، تارةً يرمون قنابل الغاز، وتارةً يقصفون المتظاهرين، وتارةً يقنصوهم، إمّا بالرأس، بالصدر، بالكتف، باليد، بالرقبة، فترَى الشُبّان يتساقطون، وردةً تلوَ الأخرى، شبّان لا يطالبون سِوى بالعودةِ، لقصّة الجدة الجميلة، وبستان الورد، وبِئر الماء، التي التقت عليه بجدهم، ووقعت في حبّهِ، علّهم يلتقُون بحبيبتهم الأبدية، غير فلسطين، شُبّان لم يحملُوا حتّى الحِجارة، فقط علم الدولة، التي لطالما حلِموا بها، ولكنّهم سقطوا، سقطُوا قبلَ أن يتحقق حلمهم، أو جزءٌ منه. سقط 16 شهيدًا، وقرابة 1300 إصابة، ما بين الطفيفة، المتوسطة، والخطِرة، وهذا كان في اليوم الأول من المظاهرة السلمية، استُقبِلت بالرصاص من قِبل جيش الاحتلال، وأُعلن يوم السبت، حِدادًا عامًا في جميع أنحاء فلسطين، على أرواح الشهداء، تكريمًا لهم ولوقفتهم السلمية، في وجهِ جيشٍ من الأسلحة.

 

في هذا المشهد، والأوّل من نوعهِ، يُسجّل في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، مظاهرةٌ سلميّة، جمعت الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، بأحزابه وأطيافه، تحت علمٍ واحد، تناسوا لوهلةٍ، الانقسام الفلسطيني، ورفعوا بيدٍ واحدة، اسم عنوان قضيتهم، والظلم الذي يعيشونه في ظلّ الحصار الواقع عليهم، ليقولوا للمجتمع الدولي، لا للظلم، لا للاستبداد، نعم للحياة، نعم لحق تقرير المصير، نعم للعودة، فهل سيصل صدى صوتهِم، لأصحاب القرارات، ليقولوا لا في وجه الاحتلال الإسرائيلي؟ أم ستبقى السيطرة الإسرائيلية بالمِطرقة موجّهة ضد الشعب الأعزل؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.