شعار قسم مدونات

أسس التراحم والمصالحة بين طوائف المسلمين

blogs المسلمين

أمة الإسلام هي خير أمة أُخرجت للناس فلا بد من التآلف والتراحم فيما بينها ومن أهم الأسس الشرعية التي قال بها الفقهاء والتي تحقق المصالحة فيما بين طوائف المسلمين هذه الأسس:

الأساس الأول

المسلم هو كل من قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله مقرا بها منقادا لها وأبلغ تعريف للمسلم هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله فلا تخفروا الله في ذمته" أخرجه البخاري. وفي هذا المسلم قال صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ المُسْلم عَلَى المُسْلم حَرَامٌ دَمُهُ ومَالُهُ وعرْضُهُ" أخرجه مسلم.

الأساس الثاني

مـن تشهـد بالشهادتين حُكـم لـه بالإسـلام الظاهـر والله يتـولى السرائـر لما أخرجه مسلم عن المقداد رضي الله عنه أنه قال: "يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلاً من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ منى بشجرة فلمّا أهويت لأقتله قال لا إله إلاّ الله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال"، أخرجه مسلم. وصورة الحديث تدل يقيناً على أنّ هذا الرجل ما قال لا إله إلا الله إلاّ تقية وهرباً من القتل ومع ذلك جعله النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً معصوم الدم.

الأساس الثالث

العــذر بالتأويـل مانــع مـن تكفيــر المسلــم المتلبــس بالكفــر بشرط أن يكون منشأه من القصور في فهم الأدلة دون تعمد المخالفة الشرعية

من مات على الإسلام استوجب وعد الله تعالى الجنة وإن دخل النار عُذّب فيها بقدر ذنوبه إلاّ أنه لا يخلد فيها خلود الجاحدين ومآله إلى الجنة برحمة الله تعالى ووعده إنه لا يخلف الميعاد لما جاء في حديث الشفاعة: "فأقول يا رب إئذن لي فيمن قال لا إله إلاّ الله فيقول وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلاّ الله" متفق عليه.

الأساس الرابع

خطـورة تكفـير المسلـم ووجوب الاحتياط عند الحكـم عليـه وترجيـح جانب حسـن الظـن به وحمل المحتمـلات قـدر المستطـاع لصالحـه إذ التكفير حكم شرعي خطير لا يكفي فيه مجرد الشبهة والظن وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التعجل في إطلاق أحكام التكفير بقوله: "أيما امرئ قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" متفق عليه.

الأساس الخامس

لا يجــوز تكفيــر المسلــم بالأمــور المحتملــة للكفــر وغيــره، والأمـور المحتملة للكفـر وغيـره هي تلك الأقوال والأفعال التي لا تدل على الكفر صراحة ولكنها تحتمل الكفر وغيره ومثال ذلك السجود فإنه قد يكون بقصد العبادة لمن يُعتقد فيه صفات الربوبية والإلهية وهذا صرفه لله وحده عبادة وتوحيد وصرفه لغير الله كفر وشرك أكبر وقد يكون السجود بقصد التكريم والتعظيم كالسجود للأنبياء والملوك والعلماء وقد سجدت الملائكة لآدم عليه السلام سجود تكريم وكان هذا جائزاً في شرع من قبلنا ثم حُرّم في شرعنا فمن أتى به فقد أتى بمعصية ولم يأت بما هو كفر أكبر مخرج من الملة وهذه الأمور المحتملة لا يجوز تكفير فاعلها حتى يتبين القاضي الشرعي قصد فاعلها.

الأساس السادس

العذر بالجهل يمنع مـن تكفيــر المسلــم المتلبــس بالكفر والدليل على عذره قوله تعالى: "وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا" والمعنى أن من خالف الرسول من بعد المعرفة والبيان يصيبه العذاب ولا فرق في العذر بالجهل بين أصول وفروع فكل مسلم لم تبلغه الحُجة الرسالية في أمر ما فتلبس بالكفر فيه فلا يوصف بالكفر الأكبر حتى تُقام عليه الحجة بالعلم وإن ثبت تقصيره في طلب العلم فإنه يأثم ويُعّذر.

الأساس السابع

العــذر بالتأويـل مانــع مـن تكفيــر المسلــم المتلبــس بالكفــر بشرط أن يكون منشأه من القصور في فهم الأدلة دون تعمد المخالفة الشرعية وبشرط أن يكون القصد منه موافقة الشريعة وبشرط أن يكون له وجه مستساغ وإن كان فهمه خطأ فهذا يُعذر صاحبه بالتأويل وإن تلبس بالكفر فلا يكفر حتى تُقام عليه الحُجة التي يكفر تاركها ومثاله غالب الفرق الضالة الداخلة في إطار أمة الإسلام دون الغلاة وقد تضافرت الأدلة على عذر المتأول ومن ذلك قوله تعالى: "وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ" وقوله تعالى وهو يأمر المؤمنين بهذا الدعاء: "رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا" وجاء في صحيح مسلم في تفسير الآية أن الله تعالى قال قد فعلت فهذه الرحمة تتناول إن شاء الله تعالى أهل التأويل لأنهم داخلون في الخطأ وعدم تعمد المخالفة.

عند الاختلاف وتعارض الأدلة على تكفير المسلم يُرجح الجانب الذي فيه صالح المسلم لما فيه من السلامة والاحتياط والبعد عن خطر التكفير
عند الاختلاف وتعارض الأدلة على تكفير المسلم يُرجح الجانب الذي فيه صالح المسلم لما فيه من السلامة والاحتياط والبعد عن خطر التكفير


الأساس الثامن

لا يجوز التكفير بلازم المذهب فلا يحكم على أصحاب المذاهب بالكفر بناء على ما يلزم عن كلامهم ويترتب عليه لا سيما إن كانوا ينفونه فلا يجوز تكفير المجسمة لأنهم عبدوا جسماً على أنهم عابدون لغير الله ومن عبد غير الله كفر ولا يجوز تكفير المعتزلة لأنهم وإن اعترفوا بأحكام الصفات فقد أنكروا الصفات ويلزم من إنكار الصفات إنكار أحكامها ومن أنكر أحكامها فهو كافر فإننا لو عاملنا كل مبتدع بلازم قوله كفّرنا كل مبتدع وفي هذا من الغلو ما فيه والصحابة رضي الله عنهم لم يكفروا الخوارج الذين قتلوا المسلمين وانتهكوا محارمهم مع أن لازم قولهم استحلال قتل المسلمين ومن استحل المحرمات كفر.

الأساس التاسع

المسلــم المتلبــس بالكفــر الأكبــر لا يكفـر حتى تقـوم عليه الحُجـة الشرعيـة ولأهل العلم في ضبط هذه القاعدة ثلاث ضوابط لا يسع جهلها وإلاّ آل الأمر إلى التعجل في تكفير أهل القبلة وهذه الضوابط الثلاث تتمثل في:

الضابط الأول الحُجة لا تكون معتبرة شرعاً حتى تستوفي كافة شروطها من ثلاث جهات هي جهة صفة الحُجة وجهة صفة من يُقيم الحُجة وجهة صفة إقامة الحُجة فالحُجة نفسها التي تصلح لأن تكون حُجة لتكفير المسلم إما أن تكون قرآناً صريحاً أو تكون سنّة متواترة صريحة أو إجماع أهل العلم أمّا غير ذلك فأدلة محتملة لا تصلح لتكفير مسلم علمنا إسلامه بيقين وأمّا صفة من يُقيم الحُجة فلا تقوم الحُجة الشرعية إلاّ بمسلم عالم عدل معروف بالعلم والعدالة وأما صفة إقامة الحُجة فيشترط فيها أن تصل إلى المُخاطب بلغته التي يفهمها وأن تكون مفصلة مبينة ترد على شبهات المخاطب حتى ينقطع أمامها فلا يجد حُجة تدحضها.

لا يجوز تكفير أهل البدع والفرق الضالة من أهل القبلة بإطلاق وإنما تطبق عليهم قواعد التكفير التي قـال بهـا علماء أهل السنّة والجماعة بعمـوم كل مسلـم

والضابط الثاني لا يكفر المسلم حتى تتوفر شروط تكفيره وتنتفي موانعه وشروط تكفيره تتناول شروط في الفاعل نفسه وهي أن يكون بالغاً عاقلاً عالماً بأن فعله مكفر متعمداً قاصداً لفعله مختاراً له بإرادته وشروط في الفعل نفسه الذي هو سبب الكفر بأن يكون هذا الفعل مكفراً الكفر الأكبر بلا شبهة وشروط في إثبات الكفر على صاحبه فلا يُحكم على مسلم بالكفر حتى يقوم الدليل الشرعي المكتمل على تكفيره أمّا موانع تكفيره التي يُشترط انتفاؤها للحكم على معين بالكفر الأكبر تتمثل في الصغر والجنون والخطأ والجهل والتأويل والإكراه فلا يُحكم عليه بالكفر الاكبر حتى تنتفي تلك الموانع.

والضابط الثالث عند الاختلاف وتعارض الأدلة على تكفير المسلم يُرجح الجانب الذي فيه صالح المسلم لما فيه من السلامة والاحتياط والبعد عن خطر التكفير وأهل العلم الراسخ لا يكفرون أحداً من أهل القبلة إلاّ من ثبت على تكفيره دليل صريح صحيح لا معارض له فإن اختلفت فيه الأقوال فالأولى عدم تكفيره لان الخطأ في ترك ألف كافر في الحياة خير من الخطأ في سفك دم مسلم واحد.

الأساس العاشر

لا يجوز تكفير أهل البدع والفرق الضالة من أهل القبلة بإطلاق وإنما تطبق عليهم قواعد التكفير التي قـال بهـا علماء أهل السنّة والجماعة بعمـوم كل مسلـم ولا علاقة للبدعة بالكفر الأكبر وليس معنى ما جاء في حديث الافتراق كلها في النار إلا واحدة أن نحكم عليها بأنها في النار ولكن معناه أنها لبدعتها وضلالها تستحق الوعيد بالنار كما أن مرتكب الكبائر يستحق الوعيد بالنار وهو مسلم له اسم الإسلام وحكمه وهذه الفرق الضالة فرق مسلمة ضلت الطريق في بعض جوانب الدين فاستحقت لذلك الوعيد بالنار وهي إلى مشيئة الله إن شاء غفر وإن شاء عذب ولكن مآلها جميعها إلى رحمة الله وجنته لما أتت به وحافظت عليه من شهادة التوحيد والإيمان المجمل بالإسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.