شعار قسم مدونات

استعادة الخلافة الإسلامية.. إمكانية النموذج أم الحلم الوهم؟!

blogs الخلافة

قامت ثلاث من الحركات الإسلامية في القرن العشرين (جماعة الإخوان المسلمين، وحزب التحرير، والجماعات السلفية الجهادية) على فكرة استعادة دول الخلافة الإسلامية أو الدولة الإسلامية كما سمتها جماعة الإخوان مع فكرة أستاذية العالم، فيما أقامت جماعة الدعوة والتبليغ والدعوة الصوفية منهجها على مفهوم الخلاص الفردي في عملها وانفردت الجماعات السلفية بالإقرار والتحالف مع حكم الأنظمة العربية الغير ديمقراطية محاولة إكساء حكم هذه الأنظمة لباس الحكم الشرعي وإظهاره منسجما مع الدين من خلال استرجاع أراء فقهية تؤيد هذا النوع من الحكم الغير ديمقراطي وتشرعن له. هذا المقال لا ينتقص من دور بعض الجماعات الإسلامية وما قدمته لمشروع التحرر العربي ولا ينتقص من دورها في نشر التدين والأخلاق والحفاظ على هوية الأمة بقدر ما يناقش مسالة تتعلق بالحكم والنظرة إليه.

 

الخلافة الحلم

لا شك بأن جماعة الإخوان هي الجماعة الأم التي تناسلت منها كل الحركات الإسلامية التي تؤمن بإقامة واسترجاع دولة الخلافة ففي عام 1953 انشق القاضي تقي الدين النبهاني في فلسطين عن جماعة الإخوان وأسس حزب التحرير الذي حدد هدفه في استرجاع وإعادة نموذج حكم الخلافة الإسلامية وإن كان شارك في البرلمان الأردني لكنه شارك من أجل نشر فكر استعادة الخلافة فهو لا يؤمن بالانتخابات كأساس لإقامة الخلافة الإسلامية.

قدمت الحركات الإسلامية جميعها خلال قرن من الزمان تقريبا من عملها على استعادة الخلافة جهود كبيرة ومئات الآلاف من الكوادر التي ناضلت من أجل استعادة ذلك النموذج الحلم

كما تنسلت الجماعات التكفيرية من عباءة جماعة الإخوان في ستينيات القرن الماضي متأثرة بما كتبه سيد قطب رحمه الله في كتابه معالم في الطريق والذي أصبح مرجع مقدس عند تلك الجماعات التي تؤمن بان المجتمعات مجتمعات جاهلية يجب إعادتها إلى الإسلام وحكم الإسلام استرجاع حكم الخلافة الإسلامية.

أما جماعة الإخوان بقيت تتجاذبها مدرستان فكريتان داخل صفوفها مدرسة حسن البنا المؤسس الذي يؤمن بالتدرج وإصلاح المجتمعات وبين مدرسة سيد قطب وما ثار حولها من جدليات كبيرة واستطاعت أن تسيطر على دعوة الإخوان منذ استشهاد سيد إلى مطلع القرن الحادي والعشرون.

هل الخلافة نموذج خلاص أم حلم الوهم؟

قدمت تلك الحركات الإسلامية جميعها خلال قرن من الزمان تقريبا من عملها على استعادة الخلافة جهود كبيرة ومئات الآلاف من الكوادر التي ناضلت من أجل استعادة ذلك النموذج الحلم وبعض تلك الحركات قدمت أرواح منتسبيها في سبيل استعادة ذلك النموذج، جميع تلك الحركات الإسلامية عملت بإيمان مطلق من أجل استرجاع نموذج الخلافة الإسلامية فكرة كان لها سحر وقدرة كبير على جذب كوادر وشباب تلك الحركات وكان لها سيطرة استثنائية يرجعها البعض لعدة أسباب:

* التأصيل لإقامة الخلافة على أنها جزء من الدين لا يقوم إلا بها وربط مسالة الحكم وإدخالها في باب العقيدة الإسلامية فأصبح الحكم وطريقة الحكم جزء من العقيدة لا مسالة فقهية يمكن الاختلاف حولها في فكر تلك الجماعات.

* الأفكار السياسية تكون أكثر قدرة على الانتشار إذا ما وجدت النموذج في تجارب قائمة ناجحة أو حتى تجارب سابقة إذ كان يتم استحضار عصور الازدهار الإسلامي سياسيا وعسكريا وثقافيا على أنها نتيجة طبيعية لوجود الدولة أو نموذج الخلافة الإسلامية وعادة ما يتم استحضار مثالية نموذج حكم الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الترويج لنموذج الخلافة الإسلامية المنشود.

* استحضار فكرة الحروب الصليبية في مرحلة الانتداب بعد الحرب العالمية وتصوير الانتداب نوع من الحرب الصليبية التي لا يمكن مقاومتها إلا باسترجاع نموذج الخلافة الإسلامية.

* إقامة فكرة الخلافة على مبدأ الوحدة الدينية وما يشكله ذلك من تنوع جغرافي وديموغرافي عرقي وبالتالي تنوع في الإمكانيات والقدرات لإقامة إمبراطورية قادرة على أن تحكم العالم بأسره.

لكن هل فعليا إقامة الخلافة الإسلامية يمكن أن يكون؟

حركات الإسلام السياسي وخصوصا جماعة الإخوان بذلوا جهودا كبيرة بسبيل تحقيق ما يؤمنون به إلا أن تلك الجهود ذهبت بالاتجاه الخطأ
حركات الإسلام السياسي وخصوصا جماعة الإخوان بذلوا جهودا كبيرة بسبيل تحقيق ما يؤمنون به إلا أن تلك الجهود ذهبت بالاتجاه الخطأ
 

الواقع يقول أن العمل من أجل استعادة دولة الخلافة النموذج الإسلامي في الحكم هو نوع من الوهم الجميل والحلم الذي لا يمكن تحقيقه لعدة أسباب:

* اختلاف شكل الدول الحديثة وتحولها من الرعاية الدينية إلى الرعاية الوطنية فالمعيار أصبح معيار البقعة الجغرافية لا الانتماء الديني في تشكيل الدول نتيجة لانتشار الأديان فتنوعت جميع مكونات المجتمعات في جميع دول العالم.

* كما أن محاولة استرجاع الإمبراطوريات الدينية أصبح نوع من الوهم فجميع الإمبراطوريات الدينية لم تعد موجودة بما فيها الإسلامية وأصبحت العلاقات الدولية والتكتلات السياسية تقوم على مبدأ المصالح المادية لا على أساس الارتباطات الدينية.

* غزارة التنوع الديني والطائفي بمنطقة الشرق والمنطقة العربية على وجه الخصوص نتيجة لظهور الطوائف الإسلامية التي تولدت نتيجة خلافات سياسية في العصور الإسلامية القديمة مما يجعل أي فكرة إقامة لدولة خلافة إسلامية كفتيل إشعال لحروب طائفية في المنطقة لا تبقي ولا تذر.

* إضافة إلى عدم وضوح لمفهوم الدولة أو الخلافة الإسلامية المنشودة إذ تتنازعها التعريفات فمن يراها دولة جهاد وحرب وفتوحات ومن يراها دولة إقامة حدود وتطبيق عقوبات ومن يراها دولة حرية سياسية وضبط لحرية الأشخاص فالحركات الإسلامية تنادي بالدولة لكنها لا تعلم على وجه التحديد تفاصيل وشكل تلك الدولة التي تريد.

إعادة إنتاج الذات
العلوم الإنسانية وخصوصا السياسية كما هي العلوم العلمية لا يمكن أن تنتهي عند نموذج أو شكل من أشكال الدولة أو نظرية من نظريات الحكم

لا شك بأن حركات الإسلام السياسي وخصوصا جماعة الإخوان وحزب التحرير والجماعات الجهادية بذلوا جهودا كبيرة في سبيل تحقيق ما يؤمنون به إلا أن تلك الجهود وتلك الأعمال ذهبت في الاتجاه الخطأ فكانت النتائج البائسة التي رأيناها في السنوات الأخيرة ففشلت محاولات الشعوب بالتحرر وعاد الاستبداد ليحكم سيطرته على المنطقة من جديد.

لا شك بأن الـ 80 سنة التي بذلتها الحركات الإسلامية في سبيل استعادة الخلافة الحلم الموهوم كانت نتيجتها على المنطقة كارثية إذ تم تقديم تلك الحقبة الزمنية كهدية مجانية ونفخة روح في سرة الاستبداد العربي ليعيش أطول إذ استفاد من تلك الدعوات في إقناع الغرب بان البديل عن استبداده ودكتاتوريته حالة من الدول الدينية تنتظر الشرق، دول دينية يراها الغرب باب للشر والويلات والتي ذاقها من هذا النوع من الدول قبل الثورة الفرنسية.

قد يبدو الرهان على جماعة الإخوان المسلمين التنظيم الأكبر والمؤثر من بين الجماعات الإسلامية في محاولة إعادة إنتاج ذاتها وخلع ثوبها الفكري القديم والتخلي عن الحلم الوهم باسترجاع الخلافة الإسلامية بنموذجها القديم والاستفادة من المنتج الغربي في الفكر والعلوم السياسية وتحويل نضالها السياسي إلى النضال من أجل إقامة الدول المدنية الحديثة الدولة الوطنية التي يسودها مبدأ المواطنة والحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان كما عليها أن تصل إلى قناعة بأن العلوم الإنسانية وخصوصا السياسية كما هي العلوم العلمية لا يمكن أن تنتهي عند نموذج أو شكل من أشكال الدولة أو نظرية من نظريات الحكم.

 

أما حزب التحرير فمهدد بالتلاشي عمليا وأما الجماعات الجهادية فما قدمته داعش من سلوك عملي كفيل بأن يطمس هذا الفكر ويدفنه إلى قعر التاريخ، أما السلفية الرسمية فلا يمكن التعويل عليها في إحداث تغيير فكري متقدم في الجانب السياسي يمكن أن يساهم في تسريع جالة التحول نحو الديمقراطية فهي تتكيف دينينا من خلال موروثها الفقهي القديم بحسب الحالة السياسية القائمة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.