شعار قسم مدونات

لماذا لا أحب الفاشونيستا؟ المحجبات منهن تحديدا؟

blogs حجاب
 
لا أتابع صفحات الموضة والأزياء عادة وبالتالي فإني نادرًا ما أصادف أي صفحة لأي فاشونيستا خاصة على إنستغرام.. ولكن بضغطة زر خاطئة على زر المستكشف في إنستغرام انفتح على عالم جديد لم أعرفه من قبل، عالم الفاشونيستا..
 

عشرات الصفحات المملؤة بصور سيدات محجبات، بمهن مختلفة، ورغم اختلافهن إلا أن الشبه بينهن كبير، وكأن القالب المصبوب واحد، ولربما اختلط على الشكل لفتاتين مختلفين وظننتهما فتاة واحد، فطريقة تطبيق المكياج متشابهة بشكل مزعج.. شعرت بالضيق، لماذا على النساء أن يوحدن من شكل شفاههن، أو يقلبن رموشهن لأعلى حتى تكون أشبه بالفراشي؟

 

وقتها كرهت الفاشونيستا وقيمها وعالمها، عالمها الذي لا يحترمني.. فالفاشونيستا هي الخضوع لقيمة الترويج للجسد، والهوس به، الخضوع لمحددات عولمية فيما يتعلق بمقاييس الجسد، وطريقة ارتداء الملابس وطريقة وضع المكياج، بالنسبة لي تشبه الفاشونيستات بعضهن البعض بشكل مدهش،"باربي، باربي، باربي"، الفاشونيستا ليست حرة في اختيار أي توجه فكري أو سياسي – إن وجد يعني- يمكن للشركات الضخمة أن تأكلها إن قررت أن تعلن رأيها في قضية لا يحبذها رأس المال
هل تستطيع أن تكون الفاشونيستا ممثلة حقيقية عن أبناء وطنها؟ ومن تنتمي لهم؟ أم أنها ستكون ممثلة للقضايا الهامشية، التي لا تثير غضب أحد -وبالتالي لا تحدث أي تغيير حقيقي-؟ حقوق المرأة مثلاً اختيار جميل، أو حقوق الإنسان هذا أجمل وأجمل، أي شيء دارج ولطيف ويمكن لأي شخص قبوله بدون نقاش..

 

سترتدي الفاشونيستا ملابسها المهداة إليها من شركات الملابس وتتحدث بكلام شديدة الركاكة عن الحجاب وكيف تقوم بمعاونة الشركة بتحويله لصيغة عالمية – هل يحتاج الحجاب حقًا لشركة تفعل به هذا؟

الفاشونيستا مثلها مثل أي عارضة أزياء في أي دار من دوّرِها، هل يمكن لعارضة الأزياء أن تخرج عما تقرره الدار من طريقة مكياج؟ أو ملابس؟ هل رأيتم فاشونيستا سمينة؟ أو بمقاسات تزيد عن الثلاثينات؟ هل صادفتكم فاشونيستا تشبهكم أنتم؟ تشبه أخواتكم أو أمهاتكم؟ لا يمكن.. لإنها إن شابهتكم فهذا يعني أنها لن تصلح لهذا الدور، دور التشويق والإثارة والدعوة لأن تعيشوا حياة رائعة مثل حياتها، هنا- يحل دورنا كمشاهدين- في تناقصٍ مذهل عن رضانا بأنفسنا وأشكالنا وعيوبنا، سخط دائم وهوس بالتحول الذي لن نناله أبدًا..

 

الفاشونيستا يجب أن تكون مبهرة وفوق الجميع، جميلة -بشكل معين كما أسلفنا-، أنيقة-حسب الموضة السائدة-، بعلاقات- زواج أو خطبة- باهرة، الفاشونيستا إن كان لها أطفال- وهذا نادر لأن أدوار الأمومة لا تليق بهن- فهي لا تغير لهم الحفاضات، أو تمخط أنوفهم بالمناديل، أولاد الفاشونيستا لا يفعلونها مثل أولادكم.. حياة أشبه بالنعيم الذي لن تحصلوا عليه أبدًا -يا بؤساء يا مساكين-..

 

الفاشونيستا تعني الصورة، ومشكلة الصورة إنها جزء مقتطع من السياق، كلمات خارج النص الأصلي و تشكيل جديد لحياة الناس وثقافتهم و طريقة تفكيرهم اتجاه أنفسهم و اتجاه أجسادهم و زينتهم و علاقاتهم، بل و حتى الطريقة التي يشعرون بالسعادة بها، صورة تخاطب الناس وتقدم لهم الوعود التسويقية و التي أعدت بعناية تحت أعين المتخصصين التسويقيين، صورة تقول لهم ضمنًا، اشتري ملابسك من المحل الفلاني لتكوني أنيقة، و زوري الصالون العلاني لتصبحي جميلة، وأما إكسسوراتك فلا يمكنك أن ترتديها إلا من المكان الترتاني، و أجازتك هنا مضمونة حيث قضتها الفاشونيستا المشهورة، أكمِل -أيها الجمهور- صورتك لتنال الوعد الذي تقدمه لك الشركات.. السعادة والنجاح والاحترام..

 

وعود كاذبة لا يمكنكِ كمشاهدة تحقيقها لأنك لن تحصلي على ألف ثوب جديد كهدية من شركة ملابس المحجبات، ولا يمكنك أن تنفقي أقساط مدرسة أولادك على فسحة في المالديف، أو تطلبي من زوجك أن يمدك بحقيبة جديدة من جوتشي بألف وخمسمئة دولار فقط، حتى إن أمكنك تحقيق وعد أو اثنين أو عشرة فقدرتك على "التحقق" محدودة وسط سيل عاصف من الصور وعشرات "الفاشونيستات المحجبات الرائعات الباهرات"، وسط موضات تظهر كل يوم وتناديك تعال، حققي نفسك بي..

 

لا أحب الفاشونيستا لأنها لا تشبهني، لا تشبه أمي ولا أختي ولا قريباتي، الفاشونيستا دائمًا هي تقمص لعالم آخر، العالم الذي يدمرني ويفسد في بلادي ويقصفني ولا يبالي لي، هي الانتماء المكسور غير المجبور
لا أحب الفاشونيستا لأنها لا تشبهني، لا تشبه أمي ولا أختي ولا قريباتي، الفاشونيستا دائمًا هي تقمص لعالم آخر، العالم الذي يدمرني ويفسد في بلادي ويقصفني ولا يبالي لي، هي الانتماء المكسور غير المجبور
 

الفاشونيستا هي لوحة الإعلانات الجديدة (bill-board)، لوحة يلصق عليها منشورات الدعاية لمطاعم الهامبورجر وأماكن صالونات التجميل، والفنادق، تصبح (Brand Embassdor) لماركة أو أكثر، قريبًا ربما نشهد غياب لوحات إعلانات الشوارع فالفاشونيستا والبابليك فيجر موجودين دائمًا للقيام بهذه المهمة..
 
سترتدي الفاشونيستا ملابسها المهداة إليها من شركات الملابس وتتحدث بكلام شديدة الركاكة عن الحجاب وكيف تقوم بمعاونة الشركة بتحويله لصيغة عالمية – هل يحتاج الحجاب حقًا لشركة تفعل به هذا؟ – هل حقًا هذا كله لأجل الحجاب؟ أم لأجل الشركات؟ ورؤوس أموالها؟ ومكاسبها؟ لماذا نهتم أصلًا بانتشارنا وسط الغرب الذي لا يهتم إلا بقتلنا؟ ولماذا نلوي ذراع الأشياء لتكتسب قيمة غير حقيقية؟
 
أستطيع أن أفهم وأدرك انتشار منظومة الفاشونيستا في الغرب، حيث تغول حقيقي من رؤوس الأموال على أجساد النساء وتشكيلها وقولبتها حسبما تقرر الرؤوس، حيث كل شيء سائل، بلا قيم ولا مرجعية اللهم اللامرجعية.. لكن هنا؟ هنا حيث تنهد البيوت فوق رؤوس أطفالنا؟ هنا حيث يهجر لملايين من بيوتهم لأراض أخرى ويصبحون رقمًا على الهامش لا يعبأ به أي أحد؟ هنا حيث يأكل أعمارنا وأجسادنا هذا الاستبداد والفقر والقتل والسجن؟
 
سيقول البعض ولكن هؤلاء الفاشونيستا لسن غافلات عن الأنشطة الخيرية، نعم صحيح، ولكن هذه الأنشطة الخيرية في إطار الصورة الأكبر هي مقارنة بين عالمين، هي لافتة مهذبة تعلن أنا لست من هذا العالم البائس، أنا من العالم الجميل الذي لا ينتمي إليه هؤلاء الفقراء، المرضى، البائسين، أنا من العالم المنمق ذي الثياب الفاخرة، الفاشونيستا قبل أن تأخذ صورتها وسط الأطفال البائسين الحفاة لن تفكر في الاطلاع على دليل التصوير في المناطق المنكوبة، لن تكون الصورة الملتقطة هي "التفتوا لمعاناة المساكين" بل ستكون "انظروا لي كم أنا عطوفة على هؤلاء المشردين المنكوبين"، مثلها مثل أي "منقذ أبيض" أو "مستشرق" يزور أفريقيا غريبًا عنها، ليمد يديه للجهلة والمتخلفين والجائعين.. الفاشونيستا ستقول دائمًا "أنا منكم" ولكن هذا القول سيأتي دائما في إطار التأكيد على حقيقة قاطعة "أنا منكم تواضعًا" وليس "أنا منكم حقيقة"..

 

الفاشونيستا لن تقدم أي مجهود حقيقي، لن تقدم أي فائدة حقيقة صلبة يمكن مناقشتها وتطويرها فيما ينفع الناس، الفاشونيستا هي الموضوع، ابتسامتها، رحلاتها، زياراتها "الخيرية طبعًا"، زواجها-أو طلاقها- كل شيء وردي جدًا، يمكن أن تسرد بعض المعوقات والصعوبات، ليس باعتبارها تجربة شخصية مفيدة، بل باعتبارها الإنسان الأسطورة الكامل، هازمة الآلام والأحزان، الآن الإنسان الكامل في صورته الجديدة..

   undefined

 

الفاشونيستا لن تتحدث عن زواجها باعتباره زواج، بل باعتباره "مشروع/شركة تجارية"، ربما تحول الزواج إلى شركة فعلًا، سيتم التبرؤ من الزواج والالتزام به، لن يتم ذكر كلمة زوجي، ستتغير اللغة "لحبيبي، أو رفيقي، أو شريكي" أما زوجي فتحمل رائحة غير محببة، لن نستخدمها، لأننا لسنا عاديين، نحن غير الناس حتى لو تزوجنا فإننا نعيش حياة غير عادية..

 

الفاشونيستا لن تتحدث العربية، أو على الأقل لن تكتفي بها، لابد من لغة أخرى تعطي مصداقية، الإنجليزية إذن، هل رأيت فاشونيستا تتحدث العربية الفصحى مثلًا؟ أو تكتفي بها؟ لا يمكن لأنها ليست من هنا بل من هناك من العالم البعيد الذي لا يشبهنا تحدثنا نحن نعم ولكن عيونها ترنو للعالم الآخر..
 
لا يهم إن كانت الفاشونيستا واعية أم لا لهذا الكلام، لأن هذا ليس المهم، بل المهم هو التأثير الذي تصنعه، العقليات التي تتغير انصياعًا ورضوخًا وطلباً لمثل هذا النموذج الذي لن يكون هو الأصل أبدًا..
 
لا أحب الفاشونيستا لأنها لا تشبهني، لا تشبه أمي ولا أختي ولا قريباتي، الفاشونيستا دائمًا هي تقمص لعالم آخر، العالم الذي يدمرني ويفسد في بلادي ويقصفني ولا يبالي لي، هي الانتماء المكسور غير المجبور، هي القفز فوق المشاكل، والتعامي عن المصائب، هي المواقف بين بين، هي الكذب في ثوب الصدق، هي ما لا أحب ولا أشتهي..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.