شعار قسم مدونات

تحالفات الصومال.. هل تكفي لعودته كقوة فاعلة في أفريقيا؟

مدونات - علم الصومال

لا شك أننا سنعود قريبا بإذن الله وإنني أكثر تفاؤلا، فقلبي يخبرني بأن الصومال سوف تمثل قوة في المسقبل بمنطقة القرن الأفريقي؛ بأفريقيا عامة، وإذا نجحت؛ فإنها لا محالة ستؤثر على العالم كله شريطة أن نعيد استقرارنا من جديد.

الشيء الذي يجعلني أتفاءل إلى هذه الدرجة هو أن الشباب الصومالي الذين يمثلون النسبة الأكبر في التعداد السكاني للبلاد -حيث تشكل 75 %، وأعمارهم تتراوح ما بين 18 إلى 35 عاما- قد أفاقوا من نومهم العميق وأدركوا أن مستقبل الوطن بين أيديهم، فبدأوا يقومون بتأسيس جمعيات شبابية، فمنهم من يقوم بمساعدة المحتاجين ومنهم من يقوم بتحسين الطرق من حيث النظافة والتجميل، ومنهم من يحارب الجهل ويشجع على القراءة والكتابة بإنشاء مكتبات لذلك، ومنهم من دخل مجلس النواب لتشكيل نسبة ملموسة داخل البرلمان الحالي، فأثروا في سياسة البلد واتجاه السياسيين.

 

كان للشباب الصومالي تأثيرا كبيرا في الانتخابات التي جرت خلال العام الماضي؛ والتي انتهت بفوز فرماجو الذي وجد تأييدا قويا من قبل المجتمع والشباب، فهُم الذين يقودون هذا التأييد الشعبي، وقد جمعوا بين الحماسة والقوة في آن واحد، وكل يطمح إلى أن يعيد الأمن الذي ضاع منا قبل عقدين من الزمن.

نجحت تركيا في كسب قلوب شعب الصومال؛ مما أثار غيرة بعض الدول العربية التي خفت سطوعها في هذا الجانب، مثل الإمارات التي أصبحت تتنافس مع تركيا هي الأخرى، ولكنها فشلت في كسب قلوب الشعب

البلد الذي يمتلك ثاني أطول ساحل في أفريقيا ولديه ثروة حيوانية هائلة، وكل أراضيه صالحة للزراعة في كل الأوقات، وله خبراؤه المتخصصون في علوم الثروات المعدنية يشيرون إلى أن كميات هائلة من البترول مخزونة في أرضه، ويمتلك كذلك ممرات هامة لكل العالم؛ إنه الصومال الذي منحه اللّه تعالى بفضل من عنده هذه الخيرات الجمة، ولكن أهله لم يستفيدوا من تلك الخيرات؛ بل أصبح هذا البلد طعاما تتنافس القوى العظمى لأكله.

حينما كانت تتلاعب القوى العظمى في ساحة الصومال لكسب السياسيين إلى صفهم، كان الشعب منشغلا بنفسه ويحارب بعضه البعض -للأسف الشديد-، واقتصر دور العرب على المساعدات الإنسانية ولم يتجاوز ذلك الحد، وأدرك الصوماليون أن أوروبا وأميركا لا يخدمون مصلحة البلد؛ بل أعطوا ملفه لدول الجوار مثل إثيوبيا وكينيا، ثم جاء دور تركيا لتدخل ساحة المنافسة عملا بمصلحة البلدين، وحرصا على التعاون في كافة المجالات، بينما كانت الصومال لا تزال تئن من مجاعة شديدة خلفت العديد من الضحايا.

 

ولم تأتِ تركيا لتفقد الأحوال وحسب؛ بل كذلك جاء رئيس وزرائها -آنذاك- رجب طيب أرودغان -أول مسؤول رفيع المستوي يصل إلى الصومال منذ الحرب الأهلية- فتجددت العلاقة بين الأتراك والصوماليين بعد أن انقطعت إثر سقوط الدولة العثمانية، وبدأت تركيا من وقتها تنفيذ مشاريعها داخل الصومال، فبنوا المساجد والمستشفيات والمدارس، وفتحوا أبواب بلادهم للطلاب الصوماليين ودعموا المحتاجين، وفتحوا أكبر سفارة لكل العالم في الصومال وجعلوا الصومال بوابتهم إلى أفريقيا، وأخيرا أسسوا أكبر قاعدة عسكرية لتدريب الجند وما زالت المشاريع تتوالى.

 undefined

وبعد كل هذ الجهد نجحت تركيا في كسب قلوب شعب الصومال؛ مما أثار غيرة بعض الدول العربية التي خفت سطوعها في هذا الجانب؛ مثل الإمارات التي أصبحت تتنافس مع تركيا هي الأخرى، ولكنها فشلت في كسب قلوب الشعب.

 

ولكي يسترجع الصومال قوّته وقيادته بالمنطقة؛ فعليه أولا إعادة الأمن إلى البلاد، فإذا تم استتباب الأمن؛ فمن السهل تحيق كافة المتطلبات الأخرى تلقائيا. وبالفعل هناك أيادٍ كثيرة تعمل من أجل إعادة الأمن والاستقرار، ولكنْ قلّ من يؤدي واجبة بجدية وعن جدارة. ويمكن إنجاح هذه المهمة عن طريق بناء جيش صومالي قوي يستطيع أن يواجه المعضلة الأمنية، فبناء الجيش-من دون- يحتاج إلى جهد جهيد وتكلفة باهضة؛ ولكن يمكن تجاوز هذه العقبات في ظل وجود رغبة ملحة وجدية في العمل. وأكثر من يعمل على إعادة الجيش الصومالي إلى قوته من جديد؛ هي تركيا، حيث فتحت أكبر قاعداة عسكرية لها خارج بلدها في الصومال لتدريب الجنود، ولكنها -في المقابل- تلقت اتهامات شديدة على ذلك من قبل بعض السياسيين.

وليس عهد زياد برى ببعيد عنا اليوم.. العهد الذي كان فيه الصومال مستقرا، وكان قوة فاعلة في منطقة القرن الأفريقي وقيادة مؤثرة، فإذا عاد الصومال لاستقراره مرة أخرى؛ فإن لديه كل مقومات النجاح في أن يقود زمام المنطقة ويؤثر في العالم من موقعه الإستراتيجي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.