شعار قسم مدونات

بعد غصن الزيتون.. هل ستقبل سوريا على مرحلة جديدة؟

مدونات - عفرين
مر شهر على انطلاق عملية غصن الزيتون التي بدأها الجيش التركي بهدف حماية حدوده من التنظيمات الإرهابية الكردية على حد تعبيره (حزب العمال الكردستاني، وحدات حماية الشعب الكردي، قوات سورية الديمقراطية). وقد أتت العملية بالتشارك مع الجيش السوري الحر، وخلاله وصلت العلاقات الأميركية التركية إلى أوج توترها. حيث ترى تركيا أن دعم الإدارة الأميركية للقوات الكردية في سوريا بهدف محاربة تنظيم داعش الإرهابي أو غيره يقلل من هيبة الدولة التركية، وأنه من المفترض أن تقوم الإدارة الأميركية بالتعاون مع الجيش التركي كحليف قوي لها في المنطقة بدلا من دعمها لميليشيات تعتبر تركيا وجودها قرب حدودها الجغرافية خطرا يهدد أمنها القومي.
يجب القول هنا إن هذا التوتر في العلاقات هذه، ليس بحديث وإنما كان يطول لمدة لجأت تركيا خلالها للتعاون والتنسيق مع روسيا وإيران في الملف السوري على الصعيد العسكري والسياسي خلال مباحثات أستانا، وعقد مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي الروسية، والذي لم يلق ترحيبا أمميا، ويمكن القول إن تأثيره على العملية السياسية لم يكن بشكل يُرضي منظميه.
  

غصن الزيتون بين عفرين وإدلب
رغم مرور أكثر من شهر على عملية غصن الزيتون، إلا أن المعالم ما زالت غير واضحة للمراقبين، فبحسب ما قالت تركيا، إن العملية ستطال مدينة عفرين كاملة وإن الهدف التالي هو مدينة منبج

في منتصف يناير/كانون الثاني بدأت القوات التركية بقصف مواقع القوات الكردية على الشريط الحدودي، تمهيدا لدخول بري كانت قد بدأت به قوات الجيش السوري الحر بداية العملية، وتبعها الجيش التركي فبدأ بإرسال قواته البرية بعد 20 يناير/كانون الثاني، وشكل تقدما ملحوظا على كامل الحدود السورية التركية تقريبا من طرف عفرين، وقد أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخرا عن المساحة التي أحكمت قوات عملية غصن الزيتون السيطرة عليها، والتي هي بحدود 300كم2.

 
اعتبرت تركيا أن دخول قواتها في سوريا قانوني، واستندت بذلك إلى اتفاقية أضنا عام 1998م والتي عقدتها سوريا في ظل حكم حافظ الأسد مع تركيا، وتُعد هذه الاتفاقية تغيرا استراتيجيا في العلاقات السورية التركية التي توترت بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وأدت تداعياتها لعقد اتفاق بين فرنسا كدولة انتداب على سوريا وتركيا بترسيم الحدود السورية التركية، نتج عنه منح تركيا جزءا من الأراضي السورية، ومن تلك الحقبة وحتى تسعينيات القرن الماضي، إلى أن حسّنت اتفاقية أضنا من هذه العلاقات، وقد كان البند الثالث من الاتفاقية ينص على التالي: إعطاء تركيا حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر، ويُقصد هنا بالإرهابيين، قوات حزب العمال الكردستاني التي أخرجت سوريا زعيمه عبد الله أوجلان من أراضيها حسب الاتفاقية أيضا.
 
رغم مرور أكثر من شهر على عملية غصن الزيتون، إلا أن المعالم ما زالت غير واضحة للمراقبين، فبحسب ما قالت تركيا، إن العملية ستطال مدينة عفرين كاملة وإن الهدف التالي هو مدينة منبج ذات الغالبية العظمى العربية، والقابعة تحت سيطرة القوات الكردية، وتستمر العملية حتى حدود العراق، أي إنهاء الوجود الكردي في شمال سوريا تماما، ولكن هذا يبدو غير واقعي نوعا ما، وهو أمر مجهد ومكلف ولن تستطيع تركيا في الوقت الحالي الخوض بهذا الشكل في سوريا، وهذا ليس لأنها قوة ضعيفة، على العكس الجيش التركي من أقوى جيوش العالم..
 
لكنها لن تميل إلى تحقيق رغبتها هذه في هذا الوقت بالتحديد، والذي تقترب فيه تركيا من الانتخابات الرئاسية، وقد رأت ما تملكه القوات الكردية من أسلحة من الممكن أن تعرض حياة الكثير من المدنيين الأتراك للخطر، فضلا عن وجود 2 مليون كردي جنوب تركيا، مما يرفع أيضا من نسبة خلق اقتتال داخل الأراضي التركية أو نشوب حالات عنف هي في غنى عنها في الوقت الحالي، ويرجح بعض المراقبين أن تتحول العملية إلى تشكيل منطقة آمنة على طول الحدود السورية التركية، تمتد بين 15 و30كم مربع، تضمن خلالها تركيا أمنها القومي الذي بدأت تخشى عليه بعد تواجد القوات الكردية على أكثر من 65 بالمئة من الحدود السورية التركية.
 
هل من الممكن أن يكون لمحافظة إدلب شأن ما في هذه العملية؟


قافلة عسكرية تركية توجهت لريف إدلب ضمن مهمة مراقبة وقف النار (الأناضول)
قافلة عسكرية تركية توجهت لريف إدلب ضمن مهمة مراقبة وقف النار (الأناضول)
 
نشرت تركيا مؤخرا ستة نقاط مراقبة في مدينة إدلب وريف حلب الجنوبي لمراقبة خفض التصعيد المتفق عليه، وقد أصبحت مدينة إدلب تحت رعاية تركيا بنسبة كبيرة جدا، ناهيك عن الخزان البشري المتواجد في المدينة، وكما أن المناطق القابعة تحت سيطرة المعارضة السورية تكون في هذه الحالة منفصلة تماما، أي مدينة إدلب وريف حلب الجنوبي منفصلين تماما عن منطقة درع الفرات ويصعب الانتقال بينهما داخل الأراضي السورية، إذ إن القوات الكردية تقطع الطريق من خلال سيطرتها على بعض بلدات الريف الشمالي وصولا لمدينة منبج، تليها تباعا قوات النظام السوري في بلدتي نبل والزهراء والأجزاء الشرقية من حلب وريفها، ومن المحتمل جدا أن تنتج عملية غصن الزيتون طريقا يصل بين منطقة درع الفرات والمنطقة الغربية لريف حلب ومنها لمحافظة إدلب، وإطباق شبه حصار على مدينة عفرين، ومن المحتمل أن يتم عمل مباحثات بشأن المدينة لاحتوائها على عدد ليس بقليل من المدنيين الكُرد والعرب، والعملية العسكرية فيها ستكون صعبة و مكلفة جدا للأرواح .
 

الملف الإيراني المقلق
لعل الملف الإيراني هو الأخطر في سوريا أو المنطقة، إن لم نكن نبالغ. اليوم يجب على المعارضة السياسية والعسكرية أن تدرك مدى خطورة الوجود الإيراني في سوريا، والتنسيق مع الدول الإقليمية الفاعلة في الثورة السورية بشأن التدخل الإيراني، فقد يكون هو مربط الفرس الحقيقي وليس الحرب على الإرهاب التي روّجت لها إدارة أوباما، والتي انتهت عمليا على الساحة السورية، ورغم ذلك يُصر جميع من يريد تحقيق أهداف استراتيجية له في سوريا أو يمد جذور مصالحه في الأراضي السورية، أن يخرج علينا بحجة الحرب على الإرهاب "أتساءل حقيقةً عن قوة هذا الإرهاب الذي لا تستطيع أقوى جيوش العالم إنهاءه!".
 
لقد كانت حركة إسقاط الطائرة الإسرائيلية بنيران إيرانية من الأراضي السورية مؤشرا كبيرا على دخول الوجود الإيراني في سوريا مرحلة حرجة، "وبدأت إيران ترى أن الحرب القادمة هي عليها إن لم يخب الظن" فهي الإرهاب الجديد من وجهة نظر أميركية إسرائيلية، وإسقاط الطائرة ليس عملا بطوليا ضد قوة احتلال كما قاموا بالترويج له، وإنما عمل من الممكن أن نسميه "غير مدروس"، هدفه خلق زعزعة في المنطقة محاولين خلاله إظهار أنفسهم والنظام في صورة أبطال المقاومة.
 

إسرائيل من جهتها قلقة من الوجود الإيراني في الجنوب السوري وستفعل كل ما بوسعها لإبعاد الميليشيات الإيرانية، وكانت تنسّق في الآونة الأخيرة مع الروس لكن من الواضح أنهم لم يتوصلوا لنتيجة مُرضية
إسرائيل من جهتها قلقة من الوجود الإيراني في الجنوب السوري وستفعل كل ما بوسعها لإبعاد الميليشيات الإيرانية، وكانت تنسّق في الآونة الأخيرة مع الروس لكن من الواضح أنهم لم يتوصلوا لنتيجة مُرضية
  

تعتبر إيران وجودها في سوريا وجودا استراتيجيا يتجاوز الوجود العسكري، لا يمكن التخلي عنه وحاجتها لدمشق كحاجة الأسد لطهران، وفي الواقع، قد أحكمت إيران السيطرة البرية على سوريا عن طريق ميليشياتها التي دعمت بها حزب الله اللبناني والتي استقدمتها من أفغانستان والعراق، والمشروع الإيراني في سوريا خبيث تحاول إيران المضي به قدما قبل فوات الأوان.

 
إسرائيل من جهتها قلقة من الوجود الإيراني في الجنوب السوري وستفعل كل ما بوسعها لإبعاد الميليشيات الإيرانية، وقد كانت تنسّق في الآونة الأخيرة مع الروس لكن من الواضح أنهم لم يتوصلوا لنتيجة مُرضية، لذا فستلجأ إسرائيل لحليفها الأكبر. إدارة ترمب وعلى عكس إدارة أوباما تتطلع للحد من نفوذ إيران في المنطقة أو قطعه، والأيام القادمة ستظهر لنا حقيقةً هذا الأمر، ربما عبر توافقات دولية جديدة ستلعب فيها الولايات المتحدة الأميركية الدور الأكبر.
  

ما الذي ينتظر السوريين؟
لقد بدا واضحا أن سوريا مقبلة على مرحلة جديدة وقد تكون الأصعب بين المراحل التي سبقتها، من المرجح أن نرى في الفترة المقبلة تحركا من الإدارة الأميركية اتجاه سوريا يكسر فيه التغلغل الإيراني الذي باتت الحرب ضده واضحة، كما أن إدارة ترمب بدأت تريد حلا قد يتم عبر تعاقدات جديدة مع تركيا تُنتظر نتائجها الإيجابية، فقد حمل وزير الخارجية الأميركي مطالب الدولة التركية، مشيرا إلى أن الدولتين في حاجة للاتفاق وبالأخص في الملف السوري الذي قد ربط حلّه بتفاهم الدولتين، الطرف الروسي قد لا يكون صعبا إقناعه بالتعقُّل، وخاصة بعد الحديث عن الصفقات التي أبرمها مع حكومة بشار الأسد في قطاع الغاز التي لم تتبين تفاصيلها بعد، وقد تكون جزءا من فاتورة الخوض في هذه الحرب.
 
في الحقيقة، ما ينتظر السوريين قد لا يكون واضحا بشكل كبير، ومن السهل جدا أن تتغير كل هذا التأويلات، فالأمر يتعلق بمصالح دولية متشابكة ومصارع إقليمية متدهورة، ولكن الذي يُنتظر من السوريين واضح أشد الوضوح، إن النهوض بسوريا وجعلها الدولة التي يحلمون بها لن يكون إلا بجهد أبنائها الوطنيين وكوادرها الأكاديمية التي تملك الرؤية الحقيقية للجمهورية السورية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.