شعار قسم مدونات

مقعد أنهض أمة..

مدونات - أحمد ياسين

اخترت لهذه المقالة هذا العنوان قاصدا أن أركز على عامل الإعاقة باعتبارها ميزة طبعت شخصية وحياة شيخ المجاهدين الإمام الشهيد أحمد ياسين رحمه الله، وكانت المنحة المجسدة في طي المحنة، والعطاء المتجسد في الابتلاء.

  

في ضل ظرفية سياسية وعسكرية تميزت بهيمنة الاستكبار العالمي وسطوته على المستضعفين في شتى أصقاع المعمورة وفي بلاد المسلمين على وجه الخصوص، وفي أوج قوة الآلة العسكرية الصهيونية وبطشها وجبروتها المدعم من الشرق والغرب بل وحتى من حكام المسلمين المتواطئين على القضية الفلسطينية المتآمرين عليها، في ضل كل هذه الظروف المحبطة وغيرها، برزت للساحة الفلسطينية شخصية قيادية فذة لم يمنعها وهن الجسد وسقمه وإعاقة الحركة من تأسيس واحدة من كبريات حركات المقاومة المسلحة في فلسطين: حركة حماس.

 

استطاعت الحركة الإسلامية تحت قيادة الشيخ المقعد أن تعيد ترتيب الأوراق وخلخلة المسلمات التي كانت سائدة حينها والقاضية بنظرية الجيش الذي لا يقهر، استطاع الإمام الشهيد رحمه الله أن يربي أجيالا على بذل الأرواح في سبيل الله وعلى التحزب لله عز وجل نصرة للمستضعفين وذودا عن الأرض والعرض.

 

لم تنل ظروف الشيخ الصحية الصعبة ولا ظروف الاعتقال المتوالي والمحاولات الاغتيال المتكررة من عزيمة الرجل بل زادته ثباتا ويقينا في وعد الله

أعاد الإمام القائد أحمد ياسين ومن على كرسيه المتحرك القضية الفلسطينية إلى سكتها الصحيحة، وكان أهم خطوة خطاها في هذا الاتجاه أن جدد في منطلقات وبواعث الكفاح المسلح من كفاح أرضي يحصر الصراع الفلسطيني الصهيوني من صراع على رقعة جغرافية إلى صراع عقدي مستند على حقائق الإيمان ووعد الله في كتابه الكريم المبشر بالنصر والتمكين لجند الله في الأرض بعد علو اليهود وبغيهم في الأرض.

  
كان للشيخ الجليل الأثر الكبير والأول في تطور المنظومة العسكرية للمقاومة الفلسطينية وأثمرت تربيته واستراتيجياته العسكرية المسددة بعناية ربانية خاصة أثمرت عن عمليات عسكرية نوعية هزت عمق الدولة الصهيونية وزعزعت كيانها وكبدت جيش العدو خسائر فادحة.

 

لم تنل ظروف الشيخ الصحية الصعبة ولا ظروف الاعتقال المتوالي والمحاولات الاغتيال المتكررة من عزيمة الرجل بل زادته ثباتا ويقينا في وعد الله، لم يكن الشيخ متابعا للقضية من وراء شاشات الفضائيات وفي المكاتب المكيفة بل كان من أول يوم من مسيرته الجهادية وإلى آخر يوم في حياته في الساحة مساندا لإخوانه في ساحات الوغى، وكان صوته الخافت الضعيف بركانا هدارا ألهم أتباعه وأبناء شعبه وقض مضجع أعدائه.

 

من كان يتصور ويظن أن جيشا كجيش كيان العدو الصهيوني بمخابراته وجواسيسه وعسكره الذين ألحقوا بالجيوش العربية مجتمعة شرّ الهزائم في حرب الـ " 56 " و الـ " 67 " وغيرها، من كان يتصور أن هذا الجيش سيقف عاجزا خانعا تحت ضربات رجل مقعد مشلول لا يمكن أن يتحرك إلا على كرسي خاص؟ لقد غيّر شيخ المجاهدين أحمد ياسين رضي الله عنه كل النظريات التي تختزل النصر في قوة الجسد وسلامته وكثرة العدة وتطورها وأعطى بجهاده وصبر ونصرته لدين الله برهان الصدق على أن الله عز وجل يبتعث للأمر الجلل العظيم الرجل الذي يراه الغير ضعيفا هزيل.

 

 أحمد ياسين ( الأوروبية)
 أحمد ياسين ( الأوروبية)

  
أحمد ياسين المقعد أدخل الرعب في أقوى جيش في المنطقة، أحمد ياسين المقعد أعاد توازن الرعب من جديد إلى الصراع بين المقاومة والعدو الغاشم، أحمد ياسين المعاق والمشلول وما شئت من تسميات صنع الرجال الذين وقفوا كشوكة في حلق الأعداء، أحمد ياسين أحيا بجهاده أمة وهو فوق كرسي متحرك فماذا فعلتم معشر الأسوياء؟

 
وإن كان من سر وراء هذا الظهور والنصر والقبول الذي كان للإمام أحمد ياسين فهي تلك الربانية العالية التي كانت ميزة الرجل وذلك اليقين والتوكل على الله عز وجل ونذر البدن والمال والوقت والروح نصرة لدين الله وإعزازا لأمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

  
ارتقى الشيخ أحمد ياسين شهيدا عند ربه بعد أن صلى الفجر، وترتقي بإذن الله الحنان المنان أجيالا تقتبس من وجهه الصبوح معاني البذل والجهاد تأهبا لتحرير المسجد الأقصى من نجس الصهاينة لتحرير الأمة من ربقة الاستبداد والظلم تطلعا لغد الإسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.