شعار قسم مدونات

ثورة المعلومات.. الخنجر الذي أصابنا

مدونات - التكنولوجيا - لابتوب

النهضة الصناعية في القرن الماضي غيرت شكل العالم آنذاك، وبالرغم من التغيير الإيجابي الذي أحدثته تلك الثورة إلا أنها في نفس الوقت زادت من سرعة صناعة الأسلحة؛ وقد ظهر ذلك جليا في حربين عالميتين كانتا نتاج تلك الثورة ومسرحها كما هو متوقع الدول الصناعية نفسها.ومع بداية القرن الحالي ظهرت ثورة جديدة، وهي بشكل أساسي في المعلومات ويليها بشكل أقل في وسائل النقل، وهذه الثورة كالعادة جلبت معها مستوى عالي من الرفاهية. ولكن في المقابل هل أثرت سلبا كسابقتها؟

 

ساهمت ثورة المعلومات وانتشارها الكثيف والسريع في تكوين وصناعة حركة جديدة للتاريخ، فسرعة الأحداث نتاج فعلي لسرعة وصول المعلومة؛ والوقت الذي كانت يحتاجه خبر ما قد يسبب في انتشار العنف تقلص من عدة أسابيع وشهور إلى لحظات قصيرة، وأصبح منشور في تويتر كفيل بصنع أزمة دبلوماسية في كبرى الدول.

 

يحكى في تاريخ السودان في نهاية الحكم التركي أن حصار غردون باشا من قبل قوات المهدية والذي استمر لما يقارب العشرة أشهر وانتهى في أوائل العام ١٨٨٥م قد نجح في إسقاط الدولة آنذاك ومقتل غردون، والسبب الأساسي في تقديري هو تأخر وصول المعلومة؛ فالمراسلات بين السودان وبريطانيا وتحليل المعلومات في لندن ومناقشتها على مستوى الحكومة واتخاذ قرار بتجهيز حملة عسكرية وزحف تلك الحملة نحو الخرطوم بوسائل النقل المتاحة آنذاك؛ كل ذلك التأخير لم يمهل غردون كثيرا حتى سقطت حامياته ودخل الأنصار قصره وأردوه قتيلا.

 

في بداية الثورة المعلوماتية، توقع الكثيرون لها بأنها ستمحو الفوارق القومية وستعزز من الفضاء الإنساني، وتوقع أكثر المتفائلين بذوبان الحدود الجغرافية، ولكن ما حدث فعلا خلاف ذلك

أما الآن فقد أصبح الخراب أسرع في التنفيذ من ذي قبل، فالإنسان الذي ساهم في ثورة المعلومات ووسائل النقل، ساهم أيضا في ثورة السلاح وسرعة الدمار؛ وما ظنه الإنسان خيرا عاد عليه بالشر الذي يوازي أو يزيد عن ذلك الخير.

 

استغرق هولاكو زمنا طويلا وسنين عددا -تقارب الثلاث سنين- ليلحق الخراب بالعراق والشام؛ واحتاج سكان تلك المنطقة سنينا مثلها لإعادة الإعمار. واليوم ٤٠ يوما فقط كانت كافية لتدمير العراق في ٢٠٠٣م، وما زالت إعادة الإعمار لم تنته حتى اليوم. في نفس الوقت، فإن توحش الدول الكبيرة على الصغيرة والضعيفة لم يعد بدون عواقب كما كان من قبل، فثورة النقل نفسها ساهمت في ردود الفعل داخل الدول الكبيرة؛ فالتفجيرات والعمليات الإرهابية وحوادث الدهس والطعن في كثير من دول الغرب ليست إلا ترجمة حقيقية لقانون نيوتن الأول "لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومعاكس له في الاتجاه"، وربما لا ينقض ذلك القانون سوى المساواة في المقدار.

 

يبدو أن الوقت الذي تصنع فيه حربا خارج أرضك وتنام قرير العين قد ولى إلى غير رجعة. فليست أحداث ١١ سبتمبر إلا ترجمة فعلية لتدخل الولايات المتحدة الأمريكية في شؤون المنطقة العربية وفقا لمصالحها وكالعادة ضد رغبات شعوب تلك المنطقة. والأمثلة على انتشار الردود العنيفة أقل من أن يحويه هذا المقال. العالم يسير نحو العنف بشدة، وخطاب الكراهية يمضي بسرعة؛ وقد ساهم في ذلك سرعة تداول المعلومات- خاصة أخبار العنف والتمييز- ولا يبدو أن ذلك الأمر سينتهي قريبا. فما دامت المصالح لا تلتقي وما دامت الطائفية والعرقية الشعبوية في ازدياد فلا حل يبدو في الأفق.

 

في بداية الثورة المعلوماتية، توقع الكثيرون لها بأنها ستمحو الفوارق القومية وستعزز من الفضاء الإنساني، وتوقع أكثر المتفائلين بذوبان الحدود الجغرافية. ولكن ما حدث فعلا؛ خلاف ذلك، فالهرولة نحو الموارد المحدودة ازداد عنفا، والأزمات الاقتصادية أصبحت أكثر أثرا من ذي قبل وبلا حدود، والسيف الذي صنعه الإنسان ليحمي به نفسه ارتد عليه، والفضاء الواسع للمعلومة ثار مرتعا للكراهية والتمييز العنصري.

 

وهنا نلخص الحكاية: فالعلم رغم قدرته على صنع الرفاهية يظل سلاحا ذو حدين وبقدر التمدن الذي يجلبه يجلب معه الموت والدمار. وصدق المثل العربي القديم: "يداك أوكتا وفوك نفخ".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.