شعار قسم مدونات

الأمن السياسي في مصر بين النجاح التكتيكي والفشل الاستراتيجي

blogs الأمن الوطني

(تلعب النجاحات التكتيكية لأجهزة الأمن دورا كبيرا في منعها من رؤية وإدراك الفشل الاستراتيجي الذي تحققه)

في ظل الأحداث المتلاحقة التي تمر بها مصر، ونهاية الفترة الرئاسية الأولى للسيسي، وبدء الانتخابات الشكلية للرئاسة، ومرور قرابة خمس سنوات على الانقلاب العسكري، فمن المهم إجراء تقييم موضوعي لأداء جهاز الأمن السياسي المصري منذ الانقلاب حتى اليوم.

 

فترة ما قبل الانقلاب

يُعتبر جهاز أمن الدولة من أهم أجهزة وزارة الداخلية خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، إذ مثل الركيزة الأساسية التي اعتمد عليها النظام لإحكام قبضته على الأوضاع الداخلية للبلاد، فلم يقتصر دور الجهاز على أداء المهام الرسمية المطلوبة منه، مثل جمع المعلومات، والتعاون مع مؤسسات الدولة المعنية لحماية الجبهة الداخلية، وفقا لأحكام الدستور والقانون، إنما تعدى ذلك إلى تأميم الحياة السياسية عبر تلفيق القضايا للمعارضين، والإشراف على تزوير الانتخابات، والتحكم بقرارات تعيين وترقية الموظفين بالمؤسسات الحكومية، فضلا عن دوره الرئيسي المتمثل في مكافحة التيارات الإسلامية وتحجيم أنشطتها.

 

رغم كل ما سبق حدثت المفاجأة أثناء ثورة يناير عام 2011 وما تلاها، إذ تعرض الجهاز لأكبر تحدي واجهه منذ نشأته قبل قرن من الزمان، عقب اقتحام الثوار للعديد من مقراته، بما فيها مقره الرئيسي بمدينة نصر. ثم إثر تنحي مبارك تم تغيير اسم الجهاز إلى قطاع الأمن الوطني بالتوازي مع إحالة العديد من قياداته للمعاش، ونقل العديد من كوادره لقطاعات أخرى بوزارة الداخلية.

 

النجاحات التكتيكية بعد الانقلاب

استعمال سياسة الضرب في سويداء القلب، وتجفيف المنابع، ساهم في سفر معظم الجهاديين المصريين إلى أفغانستان واليمن واندماجهم لاحقا مع تنظيم القاعدة، مما أنتج ظاهرة التيارات الجهادية الدولية

استعاد جهاز الأمن الوطني عقب الانقلاب العسكري منتصف عام 2013 تماسكه، فعادت معظم كوادره القديمة المستبعدة للعمل به، كما تلقى الجهاز دفعة قوية بتعيين أحد قياداته اللواء "مجدي عبد الغفار" وزيرا للداخلية في مارس 2015، والذي سرعان ما أحاط نفسه بعشرات المساعدين ممن عملوا سابقا بجهاز أمن الدولة، ليمتد نفوذ الجهاز مجددا في كافة قطاعات الوزارة.

 

كما نجح الجهاز في:
* تفعيل شبكة المرشدين والجواسيس الضخمة التي تمكن من بنائها عبر العقود السابقة.
* استخدام وسائل التعذيب القاسية لاستخلاص المعلومات من الموقوفين.
* القبض على عشرات الآلاف من المعارضين وزجهم في السجون.
* التحكم بالتنسيق مع أجهزة المخابرات في المحتوى الذي تطرحه الصحف ووسائل الإعلام المرئية والمكتوبة.
* السيطرة على المساجد بالتنسيق مع وزارة الأوقاف، والإشراف على الجمعيات الخيرية بالتنسيق مع وزارة الشئون الاجتماعية.

 

هذه المحاور السابقة وغيرها ساعدت الجهاز أيضا على مواجهة التنظيمات المسلحة والمجموعات التي ظهرت بعد الانقلاب، ومثلت له إزعاجا مثل:
* تنظيم أجناد مصر الذي نفذ قرابة 47 عملية في القاهرة الكبرى خلال الفترة من نهاية عام 2013 إلى منتصف عام 2015.
* تنظيم أنصار الشريعة الذي نفذ ما يزيد عن عشرين عملية خلال فترة قصيرة بلغت شهر ونصف من نهاية يناير 2014 إلى منتصف مارس 2014.
* خلايا جماعة أنصار بيت المقدس بالوادي "خارج سيناء" والتي نفذت العديد من العمليات الضخمة بعدة محافظات خلال الفترة من يوليو 2013 إلى سبتمبر 2014.
* عشرات الخلايا التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وفرعها المسمى بولاية مصر، والتي نفذت عمليات بمعظم المحافظات خلال الفترة الممتدة من نوفمبر 2014 حتى الآن.
* مئات المجموعات الشبابية مثل "العقاب الثوري" التي شنت ما يُسمى بالعمليات النوعية، واستهدفت خلالها أبراج نقل الكهرباء والمرافق العامة وأقسام الشرطة خلال الفترة الممتدة منذ الانقلاب حتى منتصف عام 2015.
* العديد من الخلايا التابعة لحركة حسم، والتي نفذت قرابة 30 عملية خلال الفترة الممتدة من منتصف عام 2016 حتى الآن.

 

تلك النجاحات السابقة لجهاز الأمن الوطني تُعد نجاحات تكتيكية، ولا يمكن بحال اعتبارها نجاحات استراتيجية طوية الأمد، للأسباب التي سأناقشها في الفقرة التالية.

 

الفشل الاستراتيجي

تعاني أجهزة الأمن السياسي في مصر عبر تاريخها من فشل استراتيجي، لأنها تعتمد القمع كأسلوب أساسي لتحقيق هدفها المتمثل في حماية النظام الحاكم المستبد. كما تلعب نجاحات الأمن التكتيكية دورا كبيرا في منعه من رؤية وإدراك الفشل الاستراتيجي الذي يحققه.

 

فإعدام سيد قطب ساهم في انتشار أفكاره وسط أجيال كاملة من الإسلاميين في مصر وخارجها، واستعمال سياسة الضرب في سويداء القلب، وتجفيف المنابع، ساهم في سفر معظم الجهاديين المصريين إلى أفغانستان واليمن واندماجهم لاحقا مع تنظيم القاعدة، مما أنتج ظاهرة التيارات الجهادية الدولية. أما تأميم العمل السياسي في نهاية عهد مبارك، وتزوير الانتخابات، وانتشار التعذيب مثلما حدث في حالة الشابين خالد سعيد وسيد بلال، فساهم في تفجر ثورة يناير التي أطاحت بمبارك وزلزلت أركان حكمه.

 

 كما أدى البطش الأمني بأهالي سيناء، واعتقال قرابة 3 آلاف منهم عقب تفجيرات طابا 2004 وشرم الشيخ 2005، إلى ايجاد حاضنة شعبية للأفكار الجهادية في سيناء، وساهم في تحول تنظيم "التوحيد والجهاد " من تنظيم محدود ناشئ لا يتجاوز عناصره 100 فرد، إلى جماعة محترفة تضم المئات وربما أكثر، أطلقت على نفسها اسم جماعة أنصار بيت المقدس، والتي تعرف قادتها على رفاقهم من المحافظات الأخرى أثناء اعتقالهم في سجون مبارك قبل الثورة.

 

إعلان السيسي عن شن العملية الشاملة بسيناء والعديد من المحافظات هو بحقيقته إعلان بالفشل، يدل على عدم تمكنه منذ الانقلاب حتى اليوم
إعلان السيسي عن شن العملية الشاملة بسيناء والعديد من المحافظات هو بحقيقته إعلان بالفشل، يدل على عدم تمكنه منذ الانقلاب حتى اليوم
 

ثم تحولت لاحقا إلى فرع تابع لتنظيم الدولة تحت اسم "ولاية سيناء". كما ساهمت المجازر التي ارتكبتها الشرطة رفقة قوات الجيش بميدان رابعة العدوية وغيره فضلا عن التصفيات الجسدية للشباب المعارض للحكم العسكري إلى انتهاج بعض القطاعات المحسوبة سابقا على جماعة الإخوان للعمل المسلح رغم رفض قيادة الجماعة لهذا التوجه.

 

الخلاصة

إن النجاحات التكتيكية لجهاز الأمن الوطني والمتمثلة في تفكيك العديد من التنظيمات المسلحة لم تؤد إلى توقف العنف، فبينما انخفض عدد العمليات زاد تطورها وتعقيدها، فالعام الماضي فقط ومطلع العام الحالي شهد حوادث خطيرة مثل حادثة الواحات التي أبيدت خلالها حملة أمنية كاملة بالقرب من العاصمة، فضلا عن حوادث تفجير الكنائس واستهداف الأقباط بالقاهرة والاسكندرية وطنطا والمنيا وحلوان، بالإضافة إلى حادثة تدمير طائرة وزيري الدفاع والداخلية في مطار العريش بصاروخ موجه.

 

فالشاهد أنه كلما نجح الأمن في تفكيك تنظيم ظهر آخر غيره، وكلما صفى بعض العناصر، اتجه غيرهم لنفس المسار، فالقمع سلاح ذو حدين قد يدفع البعض للاستسلام، كما يدفع آخرين للمواجهة.

 

 إن إعلان السيسي مؤخرا عن شن ما سماها بالعملية الشاملة في سيناء والعديد من المحافظات بمشاركة 35 ألف عنصر من الجيش والشرطة هو في حقيقته إعلان بالفشل، يدل على عدم تمكنه منذ الانقلاب حتى اليوم من جلب الاستقرار لمصر، بل على العكس زادت أفعاله من مستوى التوتر في المشهد العام.  وإن الاستراتيجيات الأمنية الناجحة عمادها تحقيق العدالة والحفاظ على كرامة البشر، وحماية المواطنين من المخاطر، أما عندما تكون أجهزة الأمن أول من ينتهك القانون، فتقتل وتعذب وتخفي قسريا الأبرياء والمشتبه فيهم، فلا يمكن لها أن تحقق نجاحا معتبرا على المدى الطويل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصادر

* أحمد مولانا- جماعة أنصار بيت المقدس : الفكر والحركة– ط. المعهد المصري للدراسات.

* أحمد مولانا – من التوحيد والجهاد إلى أنصار بيت المقدس– ط. المعهد المصري للدراسات.

* أحمد مولانا – أجناد مصر: التطورات والاستراتيجيات – ط. المعهد المصري للدراسات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.