شعار قسم مدونات

جمهورية ديبي الرابعة

مدونات - ديبي

شخصيا لا أعرف على أي أساس تم إعلان الجمهورية الرابعة، وليس مهما عدد الجمهوريات التي تعاقبت، تعدد الرؤساء ولا اختلاف في الأهداف، بل اتفقوا في إذلال المواطن واستنزاف خيرات الوطن وعدم القدرة على قيادة البلاد بصورة تحفظ للإنسان كرامته.

 

لا ندري ماذا تحمل في طياتها الجمهورية الرابعة التي جاءت بعد ثلاثة عقود من الفشل وسوء الإدارة؟ هل فعلا الرئيس ديبي قادر على هيكلة مؤسسات الدولة للخروج من عمق الزجاجة التي تم حشرنا فيها؟ وهل نحن بحاجة إلى كتابة دستور جديد، سيما أن فرنسا لها صلاحية تعديله رغم أنف الرئيس، كما صرح به ديبي قبل سنة؟ أم أن الملتقى الشامل لإصلاح المؤسسات تم الإعداد له في قصر الإليزيه ولا تملك السلطات التشادية سوى التنفيذ؟ هذه التساؤلات وغيرها تطرح نفسها عشية انطلاق أعمال الملتقى.

 

بعد ثمان وعشرين سنة يطل علينا الرئيس ديبي ويبشرنا بانطلاقة الجمهورية الرابعة في ملتقى أطلق عليه الملتقى الوطني الشامل لإصلاح مؤسسات الدولة.. فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟ بعد خمس وعشرين سنة من انعقاد المؤتمر الوطني المستقل عام 1993 الذي احتضن مختلف الفرقاء والطبقات الاجتماعية والسياسية التي انهكتها سنون الحرب العجاف التي أكلت اليابس والأخضر فيجيئ الملتقى الوطني الشامل اليوم، وما أشبه اللية بالبارحة، وكأن التاريخ يعيد نفسه فها هي الأوضاع الاجتماعية تغلي والأزمات الاقتصادية تخنق والفقر والمرض والجهل يقتل، والحكومة عاجزة وغارقة حتى أذنيها في وحل الفشل والفساد والرشوة وتبديد الموارد واضرابات وعصيان مدني وشلل شبه كامل في المناسبات العامة لا سيما التعليمية والصحية، وشد وجذب بين النقابات العمالية والحكومة.

 

لأول مرة أرى أن ديبي يوفي بوعد انتخابي، ذلك أنه ذكر إذا فاز في ولايته الحالية سيقوم بتعديل الدستور وتطبيق النظام الفيدرالي وتقليص عدد الولايات ودمج بعض مؤسسات الجمهورية الكبرى

إذا كان المؤتمر الوطني المستقل جاء لوضع عصر جديد على أنغام الحرية التي جاءت بها الحركة الوطنية للإنقاذ عقب الاستيلاء على الحكم بعد فرار الرئيس هبري، فإن الملتقى الوطني الشامل يأتي في وقت فيها البلاد أحوج ما تكون إلى عمل جاد يضع حدا للفساد المستشري في كافة أوصال الدولة، وليس فقط عقد اللقاءات التي لا تضيف إلى الواقع سوى تبذير المال العام وتضييع الوقت والانشغال عن العمل والبحث عن الحلول الناجعة للخروج من الأزمة المالية المفتعلة التي تسببت في أزمة اجتماعية غير مسبوقة في البلاد.

  
المؤتمر الوطني المستقل تمخضر عنه نتائج توافقية وآراء لحصيلة مناقشات جادة شاركت في نضجها وطبخها كافة المكونات الوطنية التي وضعت اللبنات الأولى للتعددية الحزبية والديمقراطية التي سمحت للجميع تأسيس أحزابه وتكوين مؤسساته الاجتماعية، وولادة دستور وطني توافقي فإن الملتقى الوطني الشامل يجيئ لتفصيل الدستور على مقاس الحاكم ليعطيه صكا على بياض وعربونا للخلود على السلطة في مسرحية هزلية فاشلة في الإعداد والإخراج والتمثيل، إن الدستور المرقع الذي سيتمخض عنه الملتقى سيكرس لعملية احتكار الحكم واستمرارية الحزب الحاكم والرئيس ديبي لمدى الحياة.

  

إذا كانت قبة القصر الخامس عشر من يناير عام 1993 قد احتضنت المؤتمرين في المؤتمر الوطني المستقل في جو يسوده النقاش الجاد والحوار الواعي على أرضية صلبة سمحت للجميع الجلوس عليها والعمل الجماعي فإن الملتقى الوطني الشامل قد قاطعته أهم المكونات الوطنية والمعارضة السياسية التي تعتبر أن نتائج الملتقى محددة سلفا ومطبوخة في القصر الوردي، وأنها تكرس لاستمرار المشاكل وتضمن بقاء الرئيس ديبي على كرسي الحكم.

  

ولكن لأول مرة أرى أن ديبي يوفي بوعد انتخابي، ذلك أنه ذكر إذا فاز في ولايته الحالية سيقوم بتعديل الدستور وتطبيق النظام الفيدرالي وتقليص عدد الولايات ودمج بعض مؤسسات الجمهورية الكبرى وسيقوم بتحديد عدد العهود الرئاسية لتكون اثنتين فقط على أن تكون لمدة سبع سنوات، ومن المعجزات أن الدستور الجديد يجب ما قبله من ولايات وبالتالي في حال أراد الترشح من جديد !من المفارقات المرة فإن الملتقى الوطني الشامل قد أقصى وهمش اللغة العربية في أعماله، اللغة التي قد أخذت دستوريتها عقب المؤتمر الوطني المستقل الذي دعى لاستفتاء شعبي على الدستور آن ذاك..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.