شعار قسم مدونات

التنظيمات الفلسطينية وحدها في المواجهة..

مدونات - فلسطين
 
لقد تشكلت التنظيمات الفلسطينية بفعل استجابة طبيعية لرغبة الشعب الفلسطيني في الدفاع عن قضيته، بعد أن تخلت عنه الأنظمة العربية التي لم تكن راغبة في الدخول في مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع الكيان الصهيوني .ولقد سعت حثيثا إلى خدمة القضية الفلسطينية بكل ما أوتيت من دعم، واستثمروا في بذل الدم والعقيدة، وهجنوا الوسائل والنماذج، وكدسوا القوة حجرا حجرا؛ للحفاظ على المكتسبات القائمة أو انتزاع الحقوق الإنسانية المسلوبة أو لصد عدوان متجدد من آلة الحرب الإسرائيلية. ولعبت أدوارا مهمة في النضال ضد الاحتلال الإسرائيلي وكافحت في سبيل خلق دولة فلسطينية. وحققت نجاحا نسبيا في الحفاظ على هوية الشعب ولونه وعززت روح الانتماء والمبادرة، وأبقت جذوة الصراع مشتعلة إلى حد ما، وغيرت في التركيبة النفسية للجيل الذي ما زال يُصنع!
 

كل هذا وهي لا تمتلك أي سيادة حقيقية فهي بلا أرض أو نظام سياسي وتعاني من جفاف الموارد! ولأن تكوينها قائم على الرمزية، والتنمية عندها متوقفة على حجم الدعم الخارجي، وأبجديات التخطيط فيها غير متوفرة لتذبذب الموارد، كان من السهل جدا أن يتم اختراقها أو التأثير عليها أو حصارها فكريا أو عزلها سياسيا .فجاءهم من بين أيديهم ومن خلفهم، دول عربية شقيقة تريد الاستثمار في القضية الفلسطينية بعد أن تخلوا عنها. فكان اختطاف القضية وتحولت من قضية الفلسطينيين إلى قضية العرب وبالتالي لم تمتلك التنظيمات تقديم أي حل دون موافقة المجموع العربي!
  

كان من المؤذي جدا أن تظهر فتح وحماس وهما يتنازعان على المواقع وشبه الدولة وهما لا يمتلكان أي ذرة سيادة فلا معبر بري أو بحري أو جوي، ناهيك عن ارتباط اقتصادي تام بالمحتل

وظن كل قائد عربي أن الحل بيديه لكنه قبل ذلك يجب توريط الفلسطينيين في معاركه الخاصة، فتارة كان الطريق للقدس يمر عبر بيروت فكانت المأساة ومشاركة السلاح الفلسطيني في الحرب الأهلية، ومرة كان الطريق يمر عبر عمان.. وأخرى سلكوها عبر الكويت فكان التهجير من دول الخليج وبعد سقوط الأنظمة العربية الثورية! ظهر على السطح لاعبون جدد يريدون سلاح المقاومة في كل المعارك عدا معركة فلسطين فدخل النظام الإيراني مقامراً يشتري الولاءات والذمم، لتكون ورقة المقاومة الفلسطينية على طاولة المفاوضات حين يقع في المشاكل الكُبرى مع الإدارة الأمريكية ! وهنا تكون "حركة حماس" جديرة بالثقة إلى حد ما، فلم تتورط في معارك النظام السوري بعد أن كانت ضيفة عنده يمدها بالمال والسلاح والتدريب.
 
وبذلك جعلت من قضية فلسطين فلسطينية ومدعومة من أحرار العالم أكثر من كونها قضية العرب، لكن العالم اليوم لم يعد يُقيم وزناً لأخلاق المواجهة فالحرب السورية لم يكفيها نزيف شلال الدماء وقودا أو الصبر على الهدم والجوع وسيلة فلقد انتهى زمن الرهان الكامل على دماء الأحرار وعقيدتهم، إلى الرهان على الأموال والوسائل. لم يعد لقيم الشجاعة و"الرجولة" دور حقيقي في الحروب وخسارة أرواح المدنيين ستستمر كلما طالت الحرب واتسعت ولن ينفعنا حينها دعاية أو تسويق للإنجازات الميدانية، لذلك وجب على التنظيمات الفلسطينية أن تسعى حثيثا للبحث عن مظلة إقليمية لنشاطاتها السياسية والعسكرية دون دفع ضريبة من شأنها أن تضر بالقضية الفلسطينية وهذا في الأفق القريب يعتبر أمراً مستحيلاً!
 
مؤخراً أكدت السعودية بعد زيارة ترمب للرياض أن زمام القضية الفلسطينية بيدها لا بيد الفلسطينيين، وأنهم لو طبّعوا سيطبع كل العرب والمسلمين بعدهم، هنا نقرأ معالم الصفقة الجديدة، ونحذر مأساة جديدة لأن الطريق إلى القدس لن يمر عبر الأنظمة الهجينة التي تفرق ولا تجمع، وتخون ولا تختلف ..والصفقة مصطلح يدل على "تبادل المصالح" أكثر من كونه استردادا للحق أو حلا للنزاع أو إنهاء للمعاناة. والتنظيمات الفلسطينية في "لعبة المصالح" نجدها منزوعة القوة، مجردة من أسباب امتلاكها أصلا، فهي لن تمتلك أدوات التأثير أو التعطيل لأي صفقة قادمة، ناهيك عن حشود من الجياع تقف بباب بيوتهم، وأطنان مواد الغذاء التي تمر عبر معابر الاحتلال فقط …

  undefined

 
لذلك يجب على التنظيمات الفلسطينية:
– أن تتبنى سياسية الانفتاح وتركز على التضامن العالمي، في شوارع المدن الكبرى، وأورقة صناعة القرار، وأعمدة الصحف المؤثرة، وتتخلى عن التضامن مع الأنظمة التي تتبدل وتتحول فلا أخطر من التضامن مع أنظمة ارتكبت في حق شعوبها جرائم تفوق ما ترتكبه إسرائيل في حق الفلسطينيين.

 

– أن تواصل جهود توحيد الصف فإن الاستثمار السياسي لكل قطرة دم مرهونا بوحدة الصف، فلقد كان من المؤذي جدا أن تظهر فتح وحماس وهما يتنازعان على المواقع وشبه الدولة وهما لا يمتلكان أي ذرة سيادة فلا معبر بري أو بحري أو جوي، ناهيك عن ارتباط اقتصادي تام بالمحتل، ولعل الخطأ التاريخي الذي يستوجب سخرية كل عاقل حر كان "إقامة مؤسسات السلطة الجائعة تحت ظل الاحتلال". فالطريق للقدس يمرُ عبر أنفسنا أولاً ثم تكاتف الأحرار.

 

– أن تعيد قراءة خارطة الإقليم، وتفهم دوافع الدول ونشاطاتها ثم تجد لنفسها ممرا "سياسيا" صغيرا تعبره بلا أن تصاب بالبلل ودون المساس بخطوط المصالح المتقاطعة.

 

– أن تخلق بيئة صالحة تزدهر فيها شجرة المقاومة، ثم تعيد رسم الرموز والكيانات المعنوية في نفوس الفلسطينيين، وتطور مفهوم "المقاومة" ليستوعب الفن والقلم، والزراعة والعمارة، والدراما والرياضة وتجتهد في اقتحام الأكواد التكنولوجية وما طريق السايبر عنهم بالشاق البعيد..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.