شعار قسم مدونات

الصمت القاتل والحوار المجهول

مدونات - الصمت

كثير من الأحيان إن لم يكن معظمها يلوء الإنسان للصمت، ويكتفي فقط بمتابعة الأحداث عن بعد. ودون النبس بحرف واحد أو تعبير عن ردة فعل تذكر أو تسجيل ملاحظة. غالبا ما تجبرنا الظروف وتسارع الأحداث على الجلوس في مقعد المتفرج والاكتفاء بحديث داخلي بين النفس والنفس، وأحيانا أخرى بين النفس والضمير وذلك في حوار شيق وصادق ليس له مثيل. نجادل النفس ونناقشها دون خوف أو خطوط حمراء، ونؤنب الضمير على كل شيء وأي شيء وفي كل وقت وحين. يكون الصراع حادا ولكن قد لا نصل للقرار الصائب، ومع ذلك لا نخاف أن تفتن علينا ولا نخجل من التعبير لها ولا نخشى لومه ولا عتابه. هو حوار لا يشترط مكانا محددا ولا زمانا، و قد يجوز اعتباره انه حوار بلا حدود.

 

الصمت الظاهر لا يعني الموافقة أو الرضى التام على ما يمكن سماعه من ترهات وحقارة، من بؤس فكري ونذالة وما إلى ذلك مما تلتقطه أذنك ويخطف نظرك أينما وليت وجهك. ساعتها نبحث عن ملاذنا الآمن الذي لا نخاف البوح له بأفكارنا وآراءنا وننعزل عن مجتمع يبدو أنه أكثر إصرارا على الخوض في نقاشات رديئة لا تنفعنا وفي أعراض الناس عوض الانشغال بمآربهم الخاصة. وسط ملوث بأفكار سلبية يستمدها من وسائل التواصل الاجتماعي التي تعكس بشكل حقير وجها ذابلا وألما على مستوى رواده. وتفاعلهم مع أحداث لا تستحق وكل مرة يستمرون بترويج الرداءة والتفاهة أكثر فأكثر.

 

الانخراط في حوار مع النفس هو الحل الفعال في هذه الظروف التي تحيط بهذا الوسط، حيث يكون للحوار أكثر نجاعة في ضخ المزيد من الأفكار وترك الحرية للمخيلة للإبداع والتعبير عن كل فكرة

اختيار المحيط هو واحد من أهم الأشياء التي تعبر بك من الأسفل الذي يعج بالأوغاد ومصادر السلبية المحطمة والفارغين بكل ما تحمله الكلمة من معنى إلى الأعلى حيث الأفكار المستنيرة والنقاشات المفيدة التي تخرجك من العزلة الإجبارية والصمت المطبق. الذي تختاره لتجنب أضرار الحوار مع الرجعيين والميؤوسين والبؤساء فكريا وعقليا.

 

إن هذا الوسط الموبوء يجبرك على الصمت وعدم التعبير، خوفا من الإصابة بداء السفاهة وتبلغك عدوى أمراضه المزمنة من تيئيس وخذلان وأنانية ونفاق أطلقوا عليه وصف الدبلوماسية حتى يكون أكثر أناقة من صدق أصبح رمزا من رموز التخلف العقلي. الصمت قاتل والحوار مع النفس أكثر واستدعاء الضمير جحيم لا يطاق، لكن أقل فتكا من وسط مازال يهتم في الحديث عن أعراض الناس والتشهير بها والخوض في قاع النذالة والدخول في حملات إشهارية مجانية، تستغل في نشر أفكار نكرات لا ولن تكلف نفسها التفكير في ما تنشره من سموم ورداءة لا مثيل لها على كل وسائل التواصل الاجتماعي. وبذلك تجدب عدد لا يستهان به من المتلصصين على الأخبار المتخلفة ولعب دور النشر.

 

فرق عظيم بين أن تعيش في وسط يشجعك على طرح أفكار مستنيرة وحديثة تشجعك على الإيمان بأحلامك وطموحك للرقي بالمجتمع وإخراجه من الضحالة التي تجذبه يوما بعد يوم نحو الأسفل الذي يعج بالمنافقين والأنانيين والتافهين ورواد الفكر البئيس الذي لا يشجع الا على النقاشات السطحية وتكريرها في كل فرصة. فعوض تبادل الأفكار وطرح الآراء حول مواضيع مهمة وآنية تتمحور على تنمية القيمة الفكرية للشخص وتطور طريقة رؤيته للأمور، يتكلف الآخرون بنشر أمراضهم الفكرية ومحاولة إدخالك في دائرتهم الضيقة الأفق والتي لا يتجاوز مداها أنوفهم.

 

إن الانخراط في حوار مع النفس هو الحل الفعال في هذه الظروف التي تحيط بهذا الوسط، حيث يكون للحوار أكثر نجاعة في ضخ المزيد من الأفكار وترك الحرية للمخيلة للإبداع والتعبير عن كل فكرة وأي فكرة بكل تجرد من إيديولوجية معينة أو أفكار أو أحكام مسبقة أو موجهة من حثالة دورها الوحيد هو نشر البؤس و"الأفكار" الفارغة المحتوى والسطحية والمستمدة من وسائل التواصل الاجتماعي التي تطبع مع النذالة والتفاهة والتلوث العقول الضعيفة التي تنقاد وراء السراب والأدهى من ذلك إعطاءها أهمية قصوى وجعلها مواضيع الساعة من خلال رسائل تخبرك ضمنيا انه لا مجال لتطوير أو تقدم فكري في هذه الوسط الذي يسحبك الى أسفل السافلين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.