شعار قسم مدونات

غصن الزيتون بعيون سورية

مدونات - عفرين

تشتعل جنبات المنطقة بحروب عديدة، حتى صارت الحروب والنزاعات علَماً على منطقة الشرق الأوسط، أو على المنطقة العربية بالتحديد. فما الذي يعطي لهذه المعركة في عفرين خاصيتها؟ وما الذي يميزها عما جرى من تحرير للرقة مثلاً من داعش؟ أو تحرير الموصل من داعش؟ لماذا كنا لا نجد سريراً فارغاً في فنادق مناطق نائية لقربها من حدود تركيا من عفرين وكنا نتعثر في جنوب تركيا بالمصورين والصحفيين في المطارات والشوارع طيلة المعركة؟

 

هل كل هذا لأن العدوّ فيها من عرق الأكراد؟ الذين يلعب بهم الغرب والشرق، فيضربونهم كل مرة بجارٍ لهم عزيزٍ كان يحتضنهم ويودّهم؛ فيضربونهم مع العراقيين مرةً ومع الأتراك مرةً ثانيةً ومع السوريين مرةً أخرى، وما زالوا في كل ذلك يمنّون أنفسهم والمخدوعين من بني عرقهم أن الآن أوان الدولة التي يحلمون بها، ولا يفيقون إلا وما رسموه تسفوه الرياح، فيرجعون للرسم على رمال الأماني بريشة الموساد والأمريكان والألمان دولتهم المزعومة في بقعة أخرى!! أم لأن المحارِب من أحفاد العثمانيين في تركيا؟ وهؤلاء يُحجر عليهم أن يقاتلوا من أنفسهم ولدوافعهمم الخاصة؛ لأنهم برابرة، فإن قووا وتمددوا عادوا (فاتحين) قد يأخذون ما تحت أيدينا مما سرقناه منهم يوم مرضوا وتداعينا عليهم من كل أمم الكفر في حينها!! وما للسوريين في هذه المعركة؟ هل هو أن عفرين جزء من أرض الجمهورية العربية السورية؟ أم لأن الجيش السوري الحرّ يشارك في العملية؟ قد شارك في تحرير مناطق وحواجز ومدن كثيرة عبر سبع سنوات فما الذي يميز هذه المشاركة عن غيرها؟

 

إنهم بنو عثمان.. شاركوا على قَدْر صلتهم بالمشكلة "عفرين"، فأساس المشكلة ليس عندهم، بل عند السوريين؛ فالأرض التي اغتصبها تنظيم كرديّ متطرف ودعا إليها زبانية الشرق والغرب هي أرض سورية

إن معركة عفرين لها من التفاصيل ما يغرق الكتاب والمحلّلون فيه، لذا أنظر فيها بعين السوريين الذين فرحوا لفتح عفرين وتحريرها. من ذلك كلام لمقاتلين التقيناهم من عناصر الجيش الحر الذي شارك في العملية إلى جانب الجيش التركي؛ ومن أكثر ما كرّره غيرُ واحد من القادة والأفراد: ما أجمل الطيران الحربي!! نحن ما عرفنا من الطيران إلا الأسدي والروسي الذي يدكّ بيوتنا ومنشآتنا ويحرق أرضنا ويغتال شبابنا وأطفالنا، لكنه غير ذلك هنا؛ فطيران الإف16 كان يرافقنا، ويصيب الهدف كأنه قناصة، ولو شاء لأصاب الرجل في الغرفة يجلس فيها دون كل العمارة، كان يظلّلنا كأنه رحمة من رحمات الله، فإن بدا لنا هدف أشرنا عبر المترجمين فأزاحوه عن طريقنا خلال دقائق دون الخمس وصرخوا (تَمِيْز)، يعني: نظيف لنكمل مسيرنا، وإن بدا لهم عبر طائرات الاستطلاع التي كنا نخالها ألعاباً من فوقنا أوقفونا، فنظّفوا ثم تقدّموا وتقدّمنا، فكأنما نرقص معاً؛ وبالله لو أنّ معنا طيراناً كهذا لأكملنا طريقنا نحو القدس بثبات؛ فالعزيمة التي في شبابنا كالنار نمشي بها بين يدي قادة العملية، ونرقص للموت على أنغام المدفعية التركية الدقيقة والطيران القنّاص.

 

قالها مقاتل عاميّ من الجيش الحرّ بعفوية: "لو كنا نملك هكذا طيران لكنّا حرّرنا القدس"! وقال آخر: "هكذا يكون الطيران ليس كطيران الأسد والروس يحرق الأخضر واليابس؛ لعنهم الله حتى في الحرب لا أخلاق لهم"! زرناهم كثيراً في المعسكر الذي أقامه لهم الأتراك داخل الأراضي التركية، فجاؤوا بسلاحهم وعتادهم وسياراتهم ورابطوا حتى انتهوا من العملية، كان أمراً غريباً جداً حقاً؛ فتركيا ليست بحاجة لبضع مئات من المقاتلين بعتادهم البسيط من أجل المعركة، ولا هم أعرف بالمقاتلين الكرد منهم، ولا أعرف بالمنطقة من الأتراك لأن منهم مقاتلين من حمص وآخرين من ريف دمشق أو حماة، وما عندهم من عتاد أقل مما يتدرب بهم المقاتلون في الجيش التركي!!

 

إنهم بنو عثمان. إنهم مَن دخلوا الدول وحرروا المناطق الشاسعة وحكموها لقرون مديدة من غير تغيير لغةٍ أو دينٍ أو حدودٍ. شاركوا على قَدْر صلتهم بالمشكلة، فأساس المشكلة ليس عندهم، بل عند السوريين؛ فالأرض التي اغتصبها تنظيم كرديّ متطرف ودعا إليها زبانية الشرق والغرب هي أرض سورية، والذين ذبحهم وشرّدهم وتباهى في إعلامه الآثم بجثثهم فوق الناقلات مقاتلون ومدنيون سوريون، وما عبث به من مناهج تعليمية وأمور إدارية تخص السوريين أكثر من الأتراك. فلم تكن المعركة تركية – كردية؛ فالكرد من عماد الدولة التركية، وكثير من رجال الدولة الكبار اليوم من الكرد، ولم تكن عربية – كردية؛ فالسوريون في الثورة لم يخرجوا لهذا وليس عندهم عداء للكرد، وذاقوا من نظام البعث ما ذاقه الكرد وزيادة.

  undefined

 

تتلاقح المطامع الآثمة إيرانية وأسدية وروسية على تخوم الغوطة الشرقية،
فتُنْتِج لكم غلمانَ أشأمَ كلُّهم كأحمرِ عادٍ ثم تُرضع فتُفطِم
على قول زهير. وقل مثلها فيما كان على الموصل أو الرقة مع اختلاف المجرمين قليلاً بينها؛ فكلها حرب تدمير تحت اسم تحرير، ولو أراد الأتراك تحرير عفرين على طريقة المتقدمين الروس أو الأمريكان أو المتأنقين الإيرانيين لأتوا عليها في 24 ساعة. لكنهم بنو عثمان! ومَن عرفهم وعرف تاريخهم لم يجد عجباً فيما فعلوا.

وأما مشاركة السوريين فإما تدريب لهم كيف يحررون ليبنوا لا ليهدموا، وتأصيل للشراكة الإسلامية بين جيش دولة عظمى وجيش من الثوار الأحرار؛ بين التنظيم العالي والحمية العالية، بين تقدُّم السلاح والتقنية وتقدُّم الإصرار والوطنية، بين الأخ الكبير المرهق بالالتزامات والأخ الصغير المتخفف منها لدرجة التهور أحياناً. شاركوكم ليقولوا لكم: إن وضع الشرق والغرب القيود عليكم ليمنعوكم من التحرير ومنعونا فتعالوا إلينا، فإننا إن تشاركنا فلن يقف أحد في وجهنا، فالأرض أرضكم أيها السوريون، لكن العدوّ واحد، وإن كان معكم العدد والعزم ويفوقونكم بالسلاح لوقوف ملة الكفر وراءهم فنحن من ورائكم، وإنا لناصروكم عليهم كما نصروهم عليكم؛ حتى يرجع الحق إلى أصحابه.
 
وتتداخل نجوم الأحمر والأخضر مع الهلال والنجمة عند الفتح، رايةٌ للأنصار ورايةٌ للمهاجرين، اختلفت رسمها لكنها اتحدت في الهدف والرسالة؛ صورة من التعاون تردّنا عميقاً في التراث، ولا نقف عند جناق قلعة ولا معارك الخلافة العثمانية فحسب، بل أعمق كثيراً في التاريخ. ألا فليفرح كل سوري وكل تركي بما تحقق بأيدٍ سورية وتركية في عفرين، وليسجلها التاريخ أنها أنظف حرب تحرير في العصر الحديث. لكنها فرحة ينغّصها ما يجري لنا أنفسنا في الغوطة، وليت التاريخ يغفو فلا يفتح أطفال الغوطة عيونهم إلا ورايات المجاهدين تكسر صليب الروس وتمزّق أربطة الإيرانيين لتخنق بها الحمقى الأسديين. فكم هم مسدَّدون أن يقفوا اليوم في وجه أولئك المجرمين المارقين وحدهم، نعم وحدهم، فالشمال والجنوب خذلهم، ولولا يقينهم بالله أنه ناصرهم لعجزوا واستسلموا، ولو تيسّر لهم من العون من إخوانهم ما رزحوا تحت الحصار كل هذه السنوات حتى يقتحم عليهم العدو الدار على جوع منهم وتعب!

 

إنه درس عظيم يجب أن نستذكره ونحن نعيش ذكرى الثورة السورية:
تأبى الرماح إن اجتمعن تكسّراً … وإن افترقن تكسرت آحادا
وما أخطر المارد التركي حتى يصفّدوه فلا يغيث الغوطة ولا حمص ولا ميانمار!! أما زالوا يخشون انبعاث بني عثمان من جديد! وما أتعس حالنا -العربَ أعني- إن زعمنا أننا أصحاب الرسالة مع تقاعسنا وفشلنا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.