شعار قسم مدونات

الحرية الإلكترونية وتصفية الحسابات

blogs لابتوب

ساحة لتصفية الحسابات ومنبر للسب والشتم والقذف.. هكذا تحولت وسائل التواصل الاجتماعي من التعبير عن الرأي والتنفيس عن الغضب إلى معارك ونزاعات وعدم احترام الرأي الآخر. تزايدت في الآونة الأخيرة الألفاظ المسيئة والكلمات النابية وخاصة على صفحات الفيسبوك وتويتر وكأن التعبير عن الغضب أو الاختلاف لا يمكن طرحه إلا بتعابير مخلة للأخلاق وخادشة للحياء.

 

وتكمن المصيبة بأن من يستخدمون هذه الطريقة يعتقدون بأن لهم الحق باستخدامها من منطلق الحرية الشخصية، وما يثير الاهتمام أن غالبيتهم يكتبون ألفاظاً بذيئة في منشوراتهم وتعليقاتهم لا يقدّرون حجم جريمتهم باستخدام الشتائم المكتوبة التي تنتشر على الإنترنت على نطاق واسع وأمام شرائح كبيرة من المجتمع. فالمكتوب أشد توثيقاً وتثبيتاً من المنطوق وله أثر كبير في ترسيخ الثقافة والتأثير الاجتماعي وخاصة لدى الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل بشكل كبير.
   
أما التعبير عن الرأي فهو أمر طبيعي وحق مكفول في حرية الإنسان، ولكن نشر كلمات عدائية ومبتذلة والجهر بالسوء وقذف الآخرين والتشهير بهم لا يكفله أي حق أو دين، فهناك ضوابط وقواعد وقوانين يجب التزامها حتى وإن لم تكن هناك محاسبة وملاحقة قانونية توجد ضوابط أخلاقية وروادع ذاتية يجب تطبيقها والعمل بها. والملاحظ أنهم يعتبرون هذا الأسلوب تقرباً للحضارة ومن علامات الانفتاح والفكر المتقدم! وفي الواقع هو لا ينم إلا عن جهل وتخلف ومحاولات فاشلة في تصدير أنفسهم بشكل حضاري، لأن أهم مكونات الحضارة هي الفكر الراقي المحترم وتقبل كافة الآراء وعدم التعصب لقبيلة أو فكرة أو اتجاه معين.

 

العالم الافتراضي متاح للجميع بغض النظر عن تعليمهم وتربيتهم ودوافعهم ومستواهم الثقافي، فالجاهل أيضاً يملك حساباً على الفيسبوك يستطيع من خلاله نشر ثقافة الجهل وزرعه بين الناس

واللجوء للسب والشتم هو دليل ضعف الحجة وعدم الدراية الكاملة والإلمام بما يقنعون به الطرف الآخر بأفكارهم مع أن إقناع الطرف الآخر لا يجب أن يتم بشكل تعسفي وله الحرية المطلقة بعدم الاقتناع، وفي الوقت الذي يستعمل هؤلاء الأشخاص تلك الألفاظ البشعة للتعبير عن انفعالاتهم يلومون أولادهم وربما يضربونهم على استخدامها ويغفلون عن أن أولادهم يكررون تصرفاتهم التي ارتكبوها على الملأ وعلموها لهم ولغيرهم من الأطفال، فحين يتابع الطفل منشورات وتعليقات أهله لا يستطيع الأهل منعه من تكرار كلماتهم ولا يحق لهم محاسبته على جريمة هم من حثوه عليها وجهزوا لها أرضاً خصبة فتلقاها الطفل بشكل تلقائي وكأنها عادية ولم يشعر بمدى خطورتها أصلاً لأن الأطفال بالفطرة ينظرون للأهل على أنهم أصحاب الرأي الصحيح وأنهم على حق ويحاولون تقليدهم بعفوية.

 
وبالرجوع إلى الأسباب التي أدت إلى الانحدار والتردي في محتوى منشورات السوشيال ميديا واستخدام الكلمات الغير لائقة أخلاقياً في التعليقات نجد أن غياب المعالم القانونية التي تحكم هذه الشبكة العنكبوتية غير معروفة أو واضحة أو مغيبة بشكل عام ويتم تجاهلها وعدم الرجوع إليها في معظم الحالات، ومن هنا اعتقد الكثيرون أن لهم الحرية المطلقة في التعبير والنقد من خلف أجهزتهم وشاشاتهم الإلكترونية دون الالتزام بقانون ولا مبالاة ولا مراعاة لمشاعر الآخرين.
 
ونجد من الأسباب أيضا أن العالم الافتراضي متاح للجميع وسهل الاستخدام من قبل جميع الناس بغض النظر عن تعليمهم وتربيتهم ودوافعهم ومستواهم الثقافي، فالجاهل أيضاً يملك حساباً على الفيسبوك يستطيع من خلاله نشر ثقافة الجهل وزرعه بين الناس. والسؤال هنا: كيف ترتبط الحرية الشخصية بالإساءة للغير؟ فناهيك عن الإساءة للشخص المشتوم والمقذوف ألا ينتبه هؤلاء الناس أنهم أساؤوا للمجتمع بشكل عام وسببوا شرخاً في القيم والعادات الأخلاقية وأخلّوا بالآداب العامة؟

 

وهذا ما يعيدنا إلى موضوع طرحه الكثيرون سابقاً هو الاستخدام الخاطئ للإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي واستغلالها وتحييدها عن فوائدها الكثيرة كالتعريف بالنشاطات ونشر الأخبار والمقالات والأبحاث والحوار الإيجابي البَنّاء مع الأصدقاء والأهل والأقارب، مما يضع على عاتق المؤسسات الاجتماعية وخاصة وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة ومهمة جديدة في نشر الوعي للنهوض بالمستوى الأدبي ورفع السوية الثقافية والعمل على إيجاد حلول من أجل الحد من انتشار ظاهرة السب والشتم وتجريم مستخدميها وملاحقتهم قضائياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.