شعار قسم مدونات

حتّى لا تضيع أعمارنا "سبهللة"..

مدونات - رجل كبير
قَبل الولوج إلى صُلب الموضوع، أنوه إلى أنّ كلمة سَبَهْلَلَة هي كلمةٌ عربيةٌ فصيحة تعني العبث وعدم وجود الهدف، وقد روي عن عمر رضي الله عنه -وقيل ابن مسعود رضي الله عنه- أَنه قال: "إِني لأَكرَهُ أَن أَرى أَحَدَكُم سَبَهْلَلاً لا في عَمَل دُنْيا ولا في عَمَل آخرة".
 
عندما أنظر إلى حال الشباب في أوطاننا العربية التي تنهشها الأوضاع السياسية والاقتصادية التعيسة، مقارنة بغيرهم في بلادٍ تتمتع بمناخ سياسي واقتصادي مستقر، أرى الفرق الكبير بين الطموحات والآمال والتمنيات والأحلام هنا وهناك، وهذا بكل تأكيد عائدٌ إلى طبيعة الظروف التي يمر بها شبابنا، مما يملي عليهم مسؤوليات وضغوطا تُحجِّم من تطلعاتهم وما ينبغي أن يكونوا عليه.
 
فأحلام شبابنا وطموحاتهم اليوم، لا تتجاوز تأمين حياة كريمة وما يلحق ذلك من تأمين سكنٍ وبيتٍ ووظيفةٍ ثابتة، بينما هي عند غيرنا أساسيات ينبغي توفرها للانتقال إلى مستوى أعلى على سلّمِ الآمال والتطلعات، وهذا ربما يفسر سبب نشاط البحث العلمي والاختراعات والاكتشافات في دول الغرب والشرق التي تهتم بمواطنيها والشباب منهم على وجه الخصوص، بينما هي عندنا متواضعة لا تكاد تذكر.
  

يجب الاهتمام بالدورات والملتقيات المتنوعة، والتي يشعر فيها الشاب أنه سيحقق فائدة وتضيف لرصيده شيئا جديدا يستفيد منه، وهي كثيرة فتجدها عبر شبكة الإنترنت أو على شكل دورات

أمّا حال الشاب في العالم العربي، فكما أسلفت، عند تخرجه من الجامعة بعد دراسة تمتد لأربع سنوات تزيد أو تنقص، يبدأ رحلة البحث عن وظيفة، وأن وَجَدَ وظيفة -وقد لا يجد- لن تلبي مطالبه وما يطمح إليه، لكنه سيرضى بها ويهم نفسه أنها مرحلة وسيتجاوزها، وبعد ذلك يقع في فخ العمر المسلوب والمنهوب والمتطلبات الكثيرة التي تجبره على البقاء في وظيفة قد لا تناسبه أو قد يكون يستحق وظيفة أعلى منها، لكنه في سبيل تأمين الحياة الكريمة له ولأسرته سيقبل بالواقع المرير، هذه هي ملخص حياة شابٍ عربي وقلّ أن نجد استثناء للأسف، وهو هنا بالطبع سعيد الحظ لأنه وجد عملا، فهناك الملايين من العاطلين عن العمل تتفشى فيهم البطالة في الدول العربية، وتمّر أعمارهم هدرا يؤدي إلى فشل وخسارة كبيرة لهم ولأوطانهم.

  
وهذا الشاب الذي تشغل باله كل هذه الهموم والمسؤوليات، سيكون آخر ما يفكر فيه هو الإنجاز على المستوى الشخصي، لأن الحياة قاسيةُ لا ترحم، فلا مجال للمخاطرة ولا مجال لتضييع العمر على أهداف قد لا يكون لها مردود في بلده، بل ربما يحارب ويهمل إن اكتشف أو اخترع شيئا قد لا يروق لبعضهم هنا أو هناك، وهذا يفسر سبب هجرة العقول والكفاءات العربية إلى الخارج.
  
وحتى لا أكون ممن يجلد الذات ويكتفي بذلك، هذه رسالة أوجهها لنفسي وللشباب، حتى لا يأتي زمنٌ نبكي على ما فات من عمرنا، أن نحاول قدر الإمكان التطوير من أنفسنا والاستثمار في ذواتنا، حتى وإن كانت أوضاع دولنا غير مشجعة وغير داعمة، فالإنجاز يحسب لنا في النهاية، ولا بد أن نستفيد منه، أما كيف يكون ذلك، فأسرده عبر النقاط التالية:
   
1- العمر ليس كل شيء، وقطاره وإن مضى يمكن اللحاق به، هذه نقطة أساسية لا ينبغي إهمالها ولا إغفالها لمن أراد النهوض والعمل والبحث عن الأمل، فإن كنت في العشرين فهي فرصة للاستثمار في الذات، وإن تجاوزت الثلاثين فهي فرصة جيدة أيضا لذلك، بل وتصبح ضرورة بشكل أكبر وأكثر إلحاحا.
 
 undefined
  
2- الاهتمام بالدورات والملتقيات المتنوعة، والتي يشعر فيها الشاب أنه سيحقق فائدة وتضيف لرصيده شيئا جديدا يستفيد منه، وهي كثيرة فتجدها عبر شبكة الإنترنت أو على شكل دورات فعلية تقام على أرض الواقع، وكثير منها مجّانيّ، ونُشير هنا إلى دور منصة إدراك وغيرها من منصات التعلم الإلكتروني في تقديم دورات مجانية عن بُعد، تُثري المحتوى العربي وتضيف علما نافعا لمن ينتسب إليها.
   
3- اقتحام مجالات عمل جديدة لا تتطلب جهدا يذكر، ولا تتطلب تأسيس متجر أو مكتب وما يلحق ذلك من رسوم وإيجارات الخ، وأقصد هنا التجارة الإلكترونية، وتفرعاتها كثيرة، فهناك من يحقق الدخل الإضافي عبر مدونة يكتب فيها أو عبر مواد مرئية ينشرها على موقع YouTube، وهذا على سبيل المثال لا الحصر، والفائدة التي يحققها الفرد هنا، هي أنه يضيف لرصيده دخلا جديدا، بالإضافة لاكتساب مهارات متنوعة عدا عن فوائد أخرى كثيرة.
   
4- إكمال الدراسات العليا، وهذه لمن كان قد أنهى دراسته الجامعية الأولى، ويطمح لأن يترقى في عمله أو ينال فرصة عمل جديدة مثلا، بالإضافة إلى الشعور بالإنجاز والفخر على المستوى الشخصي، وهذا يدفع المرء إلى مزيد من الثقة ومزيد من التفوق والنجاح، وقد يصبح باحثا ودارسا ومتابعا في تخصصه، مما يؤهله لاكتشاف علمي أو دراسة جديدة تعود بالنفع عليه وعلى وطنه وأمته، بل على العالم أجمع.
   
والنصائح كثيرة، لعلنا نأتي على ذكرها لاحقا في مقالة أخرى، وأردنا هنا فقط أن نكتفي برؤوس الأقلام، حتى نتجنب ضياع العمر وننتقل من مرحلة السبهللة إلى فضاء واسع رحب يمكن أن نجد ذواتنا فيه، بعيدا عن كل اليأس والفشل والمعوقات التي نصادفها في حياتنا ومجتمعاتنا وواقعنا المر، وبالإنجاز تحلو الحياة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.