شعار قسم مدونات

لا تزعجوا الراحل "ستيفن هوكينغ"

مدونات - ستيفن هوكينغ

لا شك أن العالم -ستيفن كينغ- ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته وزخرت المكتبات بنظرياته الفيزيائية المعقدة، ذاع صيته وعرفته منابر الجامعات ومختبرات البحث ومؤتمرات الفيزياء العالمية.. إنه أسطورة كانت في يوم ما حقيقة أذهلت المختصين وحيرت العالم بأسره.. لم يجدوا تفسيرا -على مدى 50 عاما- لدقة معادلاته وقوة عزيمته وذكائه الخارق ونضج تفكيره، لذلك نالت إنجازاته وأطروحاته العلمية من وقتهم الكثير -نقدا واستشكالا ودراسة وتعقيبا-.

  
وأكثر من هذا كله فقد تحدى الراحل العوائق البدنية والضعف الجسدي وأنتج في تخصصه مالم تنتجه أمة مجتمعة كانت بالأمس القريب "خير أمة أخرجت للناس.." وظل يعمل في صمت رهيب لم يسقط في وحل التنابز باﻷلقاب -كما يفعل القادة العرب "العظماء" فيما بينهم- ولم يشك للناس طيلة مسار حياته من ضعف جسده، بل استغل حيلته متمسكا بمقولته الشهيرة: لن يتحملك الناس طويلا لو استمريت في الشكوى وإظهار امتعاضك وغضبك.

لكن المؤسف حقا أن نظريات "ستيفن هوكينغ" غابت عن أغلب أبناء العالم العربي والإسلامي ولم تنل أطروحاته ونظرياته -التي اشتهر بها- منهم نقاشا يذكر.. إلى أن توفاه الله، ليتذكروه من جديد متجاوزين ما قدمه من علم للبشرية كل البشرية، غير آبهين بعلمه الغزير وذكائه الخارق، همهم الوحيد هو نقاش مصير الرجل؛ وانقسموا في ذلك إلى قطبين:

 

الشاب العربي محتاج لعزيمة كعزيمة "ستيفن هوكينغ" تخلصه من ديكتاتور طغى وتجبر وأفسد اﻷخضر واليابس وكمم اﻷفواه وسجن المشايخ وهجر العقول والنخبة وجعل الوطن يحافظ على مقعده الدائم بين الدول اﻷكثر فقرا وتخلفا

– قطب جذل بوفاته! لأن الراحل كان يستغل علمه وذكائه لنفي وجود خالق الكون.. ولذا فهو كافر بالله واليوم اﻵخر والملائكة والكتب، ويعتبر الحشر والنشر والجنة والنار خرافات افتعلها المسلمون لجبنهم وخوفهم من الموت، ومصيره إلى جهنم وبئس المصير.. والإيمان بهذا واجب ديني والفرح بوفاة الملحدين أمر إلهي.. وهذه ليست أول قضية يشوه فيها أبناء هذا الدين العظيم دين الله ورسالته الخالدة للعالمين عن طريق البشير النذير الذي أرسل رحمة للعالمين.. وقد وقفت أنفاسه ذات مساء وكادت عيناه تدمعان.. حسرة على روح يهودي معللا ذلك بقولته الشهيرة: أوليست نفسا بشرية؟

 

-أما القطب اﻵخر فمتناقض إلى حد كبير، يرى أن مصير الرجل لا يهمه ولا يعنيه؛ ما يهمه فقط هو نظرياته وما ترك وراءه من علم سيستفيد منه اﻹنسان العربي اﻹسلامي -المنكوب-، لكنه مع ذلك لم يناقش نظريات الراحل ولم يكتب لنا عنها في الماضي ولا في الحاضر.. قدره الوحيد الترحم عليه والتشكيك في مصيره -الذي كان لا يهمه- مذكرا بأن الله تعالى الذي لا يؤمن الراحل بوجوده أصلا قادر على أن يدخله الجنة؛ -وحاشى الجنة من أن يدخلها من ينكر وجود الخالق- متناسين أن "استيفن هوكينغ" لا يؤمن بوجود ربهم الذي يرجون أن يرحمه، ولا بالجنة التي يريدون له، ولو ترحموا عليه في حياته وذكروا له إمكانية دخوله الجنة؛ لسخر من سذاجتهم وعبس في وجوههم.. فهو لا يريد الجنة وقد قالها مرات في مقابلاته.

 
أيها الشاب العربي المحتاج لعزيمة كعزيمة "ستيفن هوكينغ" تخلصك من ديكتاتور طغى وتجبر في وطنك وأفسد اﻷخضر واليابس وكمم اﻷفواه وسجن المشايخ وهجر العقول والنخبة وجعل وطنك يحافظ على مقعده الدائم بين الدول اﻷكثر فقرا وتخلفا، كن على يقين أن الفرح بوفاة الأشخاص ليس من شيم المسلمين ولا من مبادئهم المستوحاة من السنة والقرآن وهدي السلف الصالح ويسيء لهذا الدين أكثر مما يخدمه، وأن مصير الملحدين محدد سلفا "مَا سَلَكَكُمْ فِيسَقَرَ(42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ(44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ(45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ(46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ.." وأن المرء لا يعطى فوق ما يطلب والراحل "استيفن كونيغ" لا يريد جنتك التي تؤمن أن ربك أعدها كجزاء للمتقين من عباده "إِنَّ هَٰذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُم مَّشْكُورًا" ولا يؤمن بوجودها أصلا.. وأنك بالترحم عليه تسيء إليه أكثر مما تحسن عليه وتزعجه في قبره بتعديك عليه وعدم احترامك لمعتقده القائم على نفي وجود الله، ويقال أن المرء ما يسره حيا يسره ميتا.. لذلك رجاء توقفوا عن الفرح بالرحيل والترحم على الراحل كي لا تزعجوا "ستيفن هوكينغ" وتشوهوا صورة دينكم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.