شعار قسم مدونات

النُخب الجزائرية تصدر خطابا عنصريا

blogs الأمازيغ

"لا يوجد إنسان ولد يكره إنسانا آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه الناس تعلمت الكراهية وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذاً بإمكاننا تعليمهم الحب خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية"
– نيلسون مانديلا

ما الذي يدفع كاتبا أو إعلاميا أو أستاذا جامعيا أو أي كان ممن يحسبون من نخب الجزائر للانخراط في حروب كلامية ذات نزعة عصبية وجهوية ما الذي يجعل منصات التواصل الاجتماعي تعج بالكراهية والعنصرية عند كل نقاش يفتح حول ثنائية العربية والأمازيغية. إن كنا نفهم على مضض انسياق العوام في نعرات عنصرية فنرجع ذلك لغياب الوعي وانعدام حس المواطنة وجهل تام بأسس دولة القانون فالأمر يختلف حين يصدر من صفوة المجتمع وأضع الصفوة هنا بين قوسين لما تحمل هذه الكلمة من دلالات كثيرة لا يتسع المقام لشرحها أتساءل كل ما قرأت منشورات لمن يسوقون على أنّهم نخبة الجزائر عن سبب كل هذه العنصرية إزاء الآخر، الآخر الجزائري الذي يكفل له القانون حق أن يختلف طالما أنّ اختلافه غير مؤذي.

ما السبب وراء هذه الانتفاضات الأخيرة ضد كل ما هو أصيل في المجتمع الجزائري من لغة ودين وانتماء عربي؟ هل يعي مثقفو الجزائر خطورة الترويج لخطابات متطرفة تقصي الآخر وتنتصر للآنا؟، الأنا التي حتما لم تتشكل بمعزل عن السياقات التاريخية والاستحقاقات الكبرى في مسيرة بناء الدولة الوطنية، أتساءل بعمق عن الخلفيات التي تجعل الكاتب أو الصحفي أو الأديب أو الإعلامي وغيرهم ممن يعدون زبدة المجتمع الجزائري أنّ لا يراجع ما يكتبه على مواقع التواصل أو في مساحة ما على جريدة أو في ظهور إعلامي له وهو يقصي الآخر مطالبا إياه تارة بالعودة لأصوله العربية وتارة بأن ينكر عليه الولاء للوطن، لأنه فقط يعتز بعروبته وبانتمائه لرقعة لا تنتهي عند حدود الجزائر، بل يتعداه لينتمي لكل وطن عربي وإسلامي ثم تارة يدعو لإبادة العرب ولغتهم، فيما راح أخرون على قنوات أجنبية ينكرون وجود مجتمع عربي داخل إقليم المغرب العربي.

تتخلى النخبة عن دورها التاريخي في صناعة الوعي والحدّ من خطاب التطرف والتعصب للقبيلة وتندمج في فوضى النزعات الإثنية لدرجة أننا أصبحنا نجهل تماما ما الذي يقدمه هؤلاء في مجالات تخصصهم غير البذاءة والإساءة للتاريخ والإنسان بكثير من المغالطات والتحريف والاحتقار إزاء كل ما هو وافد من حضارة المسلمين، مؤخرا اتسعت رقعة الخطاب المتطرف لتشمل فئات ومناطق كانت بمنأى عن الصراع الهوياتي الذي عملت السلطات منذ الاستقلال على تقزيمه، فظّل فزاعة ترفع في ووجه المطالبين بحق الاختلاف الإثني والأيديولوجي في الجزائر وهو ما تكفله عادة الديمقراطية في العالم طالما أن هذا الاختلاف لا يمس بوحدة واستقرار الوطن.

يقدم ويعكس الواقع الجزائري صورة أخرى تماما مخالفة لما يروج و يراد له إذ يتعايش أفراد المجتمع الجزائري فيما بينهم دون تصنيفات عرقية ولا تساؤلات معقدة حول هوية الأخر

القارئ لتاريخ الجزائر يمكنه أن يفهم جذور أزمة الهوية والتي بقت شوكة عالقة في خاصرة المستقبل، قنبلة موقوتة تهدد استقرارنا حين وهنت الدولة وضعفت إن كانت الهوية الأمازيغية والتي هي جزء أصيل من تشكيل النسيج الاجتماعي والتاريخي للمجتمع الجزائري حجرا يعيقنا نحو التسامح والتعايش لأننا لم نفتح حوله نقاشا عميقا بعيدا عن الذاتية وجب على نخبنا التي اختارت أن تستغله لصالح مصالحها أن تعيد ضبط مفاهيم الهوية ومقومات تشكلها داخل الحيز الفردي ثم بشكل أوسع داخل الجماعة بالعودة لمراجع أسهبت مطولا في شرح مقومات تشكل الهوية داخل الجماعة لأن الحديث عن مجتمع جزائري عربي نقي مغالطة والحديث عن أمازيغية المجتمع الجزائري كليا مغالطة أخرى تقترف في حق الإنسان والتاريخ والحضارة، هل يصبح مجديا بعد آلاف السنين أن ينكر أحدنا الآخر متبرئا منه لصالح حسابات ضيقة تعززها أيديولوجيات ترتكز على نبذ الأخر والتحقير منه وتحميله كل الأخطاء التاريخية.

للأسف انقسمت نخب الجزائر إلى مجموعات تهدم فيما بينها قنوات الحوار بتراشق التهم والتشكيك في الولاء وقد اتضح جليا أن البعض ممن يعي تماما خطورة الانزلاق في متاهات عنصرية أثر الصمت وابتعد مرغما أو راغبا عن نقاشات فوضوية غير مؤطرة وإن كان ثمة من يراها صحية طالما أنّها تظل مجرد كلام وتساؤلات لكن ثمة من اختار التخندق لصالح تيارات خارجية وعمل على تأجيج الفتنة بين أبناء الشعب الواحد معتقدا أنّه يحمي عرقه ويعيد الأرض لأصحابها الأوائل.

 

هو في الحقيقة يدافع عن تواجده الضيق في عالم مغري بامتيازاته كصناعة اسم يتجاوز حدود الجزائر ويسطع داخل المجتمع الفرنسي بشكل خاص ثم الغربي بشكل عام هذا الصنف اختار الحل الأسهل بعد أن أثبت فشله في الوصول لعقول الكثيرين وكسب تعاطفهم فاختار أن ينتهج سياسة خالف تعرف مطلقا النار على كل ما هو أصيل في هوية المجتمع الجزائري حتى يتسنى له من الحصول على تذكرة القبول في مجتمعات لا تتوانى بأن تصف كل ما هو عربي بالهمجي والإرهابي. لا يتوانى في كل مرة كتاب فرضتهم النظرة الأحادية والشرعية الأدبية والسياسية والإعلامية التي شملت لأزمنة طويلة المشاهد السياسية والثقافية والإعلامية أن يسيئوا للعرب ولغتهم مقابل أن يحصلوا على رضاء وود دوائر خارج حدود الجزائر.

تصبح مسألة الهوية الجزائرية الأمازيغية بإعادة إحياء وبعث موروثنا الأمازيغي وتمكين اللغة الأمازيغية والحدّ من المدّ العربي مجرد شماعة لأن الهدف الحقيقي هو التودد لدعاة التيار الفرنكفوني والذي يستخدم أغلبية المنتمين إليه ثنائية العرب والأمازيغ لإثبات ولائه والتزامه بمشروع قديم يعود لزمن الدولة الكولونيالية. ثمة أيضا صنف أخر ممن ما يسمى نخبة أثبت فشلا ذريعا في أن يصنع اسما له في أوساط المجتمع الثقافي فاختار أقصر الطرق بأن يشتم الأخر، الأخر العربي الذي يتشارك معه في التاريخ والهوية التي ينكرها كل هذه الظواهر تدفعنا لنتساءل هل بالفعل الجزائري مواطن عنصري؟

 

 كلما طفت للسطح أزمات تعمل على إشعال حروب عرقية وطائفية كان ذلك نتيجة للضعف والهوان الذي ينخر مفاصل الدولة
 كلما طفت للسطح أزمات تعمل على إشعال حروب عرقية وطائفية كان ذلك نتيجة للضعف والهوان الذي ينخر مفاصل الدولة
 

يقدم ويعكس الواقع الجزائري صورة أخرى تماما مخالفة لما يروج و يراد له إذ يتعايش أفراد المجتمع الجزائري فيما بينهم دون تصنيفات عرقية ولا تساؤلات معقدة حول هوية الأخر فيتزاوج أبناءه فيما بينهم ويدرسون في نفس المدارس يتقاسمون نفس المقاهي يصلون في نفس المساجد يتأزرون فيهم بينهم يفتحون بيوتهم لكل عابر دون أن يضطروا أن يسألوه عن عرقه ولا عن ديانته. بعيدا عن لغة القوانين الدستورية التي تمنح للغة العربية مقام اللغة الرسمية والأمازيغية اللغة الوطنية مع العمل على إحياءها وتمكين أطفال الجزائر من تعلمها وفق برامج يسطرها القائمون على إحياء هذه اللغة وكدليل حسن نية إزاء الهوية الأمازيغية، أقر الدستور مؤخرا أن 12 يناير عيد رأس السنة الأمازيغية وهو عطلة مدفوعة الأجر.

 

وبين ما يقره الدستور وتعتزمه السلطات تقف الفرنسية أكثر تواجدا مقابل العربية والأمازيغية فهي اللغة السائدة في الإدارة الجزائرية وهي اللغة التي صادق النواب لصالحها مقابل العربية في معاملات الصكوك البريدية كما جند القائمون على وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي ترسانة من القوانين تهدف لمواصلة الاعتماد على اللغة الفرنسية كلغة معرفة في الجامعات من خلال فرنسة المواد العلمية ورفع الحجم الساعي في المدراس في حين تعمل فرنسا على تعزيز مكانة الإنجليزية في مدارسها مكتفية بتمكين لغتها داخل مستعمراتها القديمة.

تظهر خطابات العنصرية والنزاعات الإثنية كلما غابت سلطة القانون وانهارت الدولة ولهذا كلما طفت للسطح أزمات تعمل على إشعال حروب عرقية وطائفية كان ذلك نتيجة للضعف والهوان الذي ينخر مفاصل الدولة. ويرجع تعالي صوت الخطاب العنصري في الجزائر لغياب التام لمشروع وطني حقيقي يلتف حوله الجزائريون يعيد لهم الثقة ويحولهم إلى فاعلين ومساهمين في عملية بناء الوطن ولأن هذا المطلب يبدو بعيدا وغريبا عن دول تعاني ضعفا تولت نخبه المريضة نشر خطابات التطرف والإقصاء التي تستقطب بدورها فئات واسعة عاطلة عن الإنتاج.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.