شعار قسم مدونات

الكنيسة والخطايا السياسية

مدونات - السيسي وتواضرس

في ظل الأنظمة الاستبدادية وخاصة العسكرية منها كما هو الحال في مصر نجد أن إدارة السياسة الداخلية ما هي إلا سلسلة من الأخطاء المتواصلة والتي تؤدي إلى تدهور عام في شتى المجالات وتسبب أمراض مجتمعية أقلها النفاق بل تهدف أحيانا إلى إماتة السياسة عن عمد كما يفعل النظام العسكري الرأسمالي بقيادة عبد الفتاح السيسي في مصر.

 

لكن الملفت للنظر والذي استرعي انتباهي هو أن تلك الأخطاء لا يتم تفاديها بل على العكس يتم تكرارها والوقوع فيها مجددا من رأس نظام لآخر ومن رئيس مؤسسة لغيره، وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن ذلك هو الحال عندما نراقب كيفية تعاطي الكنيسة المصرية مع السياسة منذ عهد مبارك وحتى الآن.

 

خلال الأيام الأولي لثورة الخامس والعشرين من يناير أعلن البابا شنودة الذي كان على رأس الكنيسة المصرية في ذلك الوقت، أعلن تأييده بل تأييد الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لمبارك ونظامه وذلك علي الرغم من المظاهرات العارمة في الشوارع والتي تمت بمشاركة أعداد كبيرة من المواطنين المسيحيين، وبعد انتصار الثورة "المؤقت" وتنحي مبارك من السلطة اضطرت الكنيسة إلى إخراج بيان تؤيد فيه الثورة وتصف بيان البابا شنودة بأنه ما كان إلا رأيه الشخصي والذي لا يعبر عن توجه أو انحياز الكنيسة، ورغم ذلك لم تسلم الكنيسة القبطية ولا شعبها من اتهامات التواطؤ والوقوف مع النظام في وجه الشعب، ثم حدث ما حدث من وصول الإخوان المسلمين للسلطة وارتكابهم أخطاء فادحة أدت إلى إجهاض الثورة وسقوط حكومتهم واقصاء الإخوان من السياسة ومعهم كافة التيارات الثورية بل وكل من شارك في الثورة فصدقت المقولة الواردة في كتاب تشريح الثورة لبرينتون و"التهمت الثورة أبنائها".

 

على الكنيسة أن تفهم وتعي أن تأييد الديكتاتور من أجل امتيازات اجتماعية صغيرة جدا أو من أجل الحماية ما هو إلا وهم لأن الضامن الوحيد لأمن المواطن المسيحي والاستقرار المجتمعي ككل

فهل تعلم أحد من ذلك، للأسف لا، مع وصول عبد الفتاح السيسي للسلطة وتبنيه النيوليبراليه المتوحشة كسياسة اقتصادية تؤدي إلى تدمير البنيه الاقتصادية للدولة وإفقار المواطنين بل وطحنهم تحت عجلات الغلاء والفقر وسحقهم في سجون القهر والعمل علي تشويه الثورة ومسح كل مكتسباتها، مع كل تلك المساوئ نجد أن المؤسسة الكنسية ترتكب نفس الخطايا السياسية وتراهن على الجانب الخطأ من جديد.

 

رأينا في الأيام الماضية كيف أن الكنيسة أصبحت بشكل أو بآخر جزء من الحملة الانتخابية للجنرال وأن قساوستها شاركوا بل ونظموا الندوات والمؤتمرات للدعوة إلى المشاركة في تلك المسرحية الهزلية المسماة انتخابات بل والحشد صراحة من أجل التصويت للديكتاتور، فصرح أحد القساوسة أن تولي السيسي لفترة رئاسية ثانية هو "أمر إلهي" ودعا الأنبا مرقص إلى المشاركة بكثافة في الانتخابات لأن المقاطعة هي مخالفة صريحة "لوصايا الله" وبلغت حملة التأييد الكنسية ذروتها عشية بدء التصويت بالخارج حين أخرج البابا تواضروس بيان قبل ساعات من بدء التصويت يحث فيه المصريين علي المشاركة بكثافة في الانتخابات حتى يظل الوطن "شامخا" واعتقد أن في التوقيت الذي يسبق التصويت بالخارج إشارة لحث أقباط المهجر على وجه الخصوص للمشاركة والتصويت في الانتخابات رغم دعاوي المقاطعة وعدم إيمان الغالبية من المصريين بمصداقية تلك الانتخابات.

   undefined

  

من الممكن أن يكون تأييد الكنيسة لنظام السيسي هو خوف من البديل الإسلامي أو من رجوع الإخوان للحكم وهو الفزاعة التي يلوح بها كل رئيس في وجه الكنيسة ليستدر تأييدها ويظهر بمظهر حامي الأقلية في الدولة، لكن أليس من الواضح أن الكنيسة ورجال الدين المسيحي هنا يتخطون سلطتهم الروحية إلى سلطه سياسية لا يملكوها بل ويرتكبون نفس الخطأ الذي يرتكبه الإخوان باستخدام الدين من أجل مصالح سياسية، وهو ما يعاب على كل التيارات الإسلامية؟

 

على الكنيسة أن تفهم وتعي أن تأييد الديكتاتور من أجل امتيازات اجتماعية صغيرة جدا أو من أجل الحماية ما هو إلا وهم لأن الضامن الوحيد لأمن المواطن المسيحي والاستقرار المجتمعي ككل هو أن يحس المواطن أن أخاه في الوطن يقبع معه في نفس الخندق ضد مصاعب الحياة وضد الظالم الذي ينهش حاضره ومستقبله وأيضا يتشارك معه نفس الحلم والأمل في مستقبل كريم، فغض الطرف عن الغلاء والقهر والاستبداد وتقييد الحريات والتدهور الملحوظ في كل مجالات الحياة الأمر الذي يطحن المواطن المصري مسلما كان أم مسيحيا، وتأييد النظام والحشد للديكتاتور طلبا لامتياز أو بحثا عن الحماية من شأنه إشعال نار الفتنة المجتمعية ويضع الكنيسة والأقباط في مواجهة محتملة مع طوائف الشعب الأخرى في حال دقت ساعة التغيير وحان وقت رحيل الجنرال.

 

من المؤسف أن يكون هذا هو الموقف الرسمي للكنيسة المصرية وتكون هذه هي طريقة الإعلان عنه بتفضيل مصلحة ضيقة دون النظر إلى الصالح العام لمصر والمصريين، الأمر الذي قد يعطى انطباعا خاطئ للمواطن البسيط أن الكنيسة وأبنائها منفصلين عن الواقع المصري.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.