شعار قسم مدونات

لماذا نحزن لرحيل ستيفن هوكينغ؟

مدونات - هوكينغ

رحل عالم الفيزياء البريطاني الشهير ستيفن هوكينغ عن ستة وسبعين عاماً، بعد أن ملأ الدنيا وشغل الناس، إذ يصنف هوكينغ الذي اشتهر بإنجازاته العلمية، وأهمها اكتشافه إشعاعات صادرة من الثقوب السوداء أواخر السبعينيات من القرن الماضي، يصنف بأنه أحد أبرز علماء الفيزياء النظرية على مستوى العالم في العصر الحديث.

 
لست متخصصاً في الفيزياء حتى أخوض أو أجادل بتفاصيل إنجازاته العلمية في هذا المجال، وهي كثيرة، بيد أنني كفلسطيني وعربي ومسلم أقول أن هذه البشرية خسرت إنساناً عظيماً، قلما يجود الزمان بمثله، كان له مواقف مبدئية مشرفة في الدفاع عن قضايا عدة في المنطقة العربية، في زمن يتجاهل فيه العالم مصائبنا، حيث المادة، ولغة المصالح هي المحرك الوحيد، إذ اليوم تباد مدن، وتسحق شعوب، وتهدم حضارات، بدعاوى واهية، تحت سمع العالم وبصره، دون أن يحرك ساكناً، اللهم إلا بعض بيانات الشجب والاستنكار، والتي باتت تخرج على استحياء. أو اجتماعات باهتة، باردة، لمجلس أمن، أو هيئة أمم، ومجالس حقوق إنسان، لم يعد لها من أسمائها نصيب، ولا هي تنصر مظلوماً، أو تردع ظالماً، وكأن الغبن والظلم صارا أصلاً في زماننا، وأما العدل، فهو الاستثناء.

  

وصف "هوكينغ" ما يجري في الحرب السورية بأنه "شناعة" يراقبها العالم عن بعد، وأدان استخدام الأسلحة الحديثة والسلاح الكيميائي للوصول لأهداف سياسية، متسائلا : "أين ذكائنا العاطفي واحساسنا بالعدالة الجماعية"

لم يتميز "هوكينغ" بعلم الفيزياء وحسب، بل كان مميزاً في مقاومته للمرض الذي أصابه في سن مبكر، حيث أصيب وهو في الحادية والعشرين من عمره بمرض "التصلب الجانبي الضموري"، المعروف أيضا باسم مرض "لو جيريج"، والذي يؤدي بشكل تدريجي إلى الشلل وفقد القدرة على الحركة، ويفضي في النهاية إلى الموت، حيث قال له الأطباء حين تشخيص المرض، إنه لن يعيش لفترة طويلة، إلا أنه لم يستسلم، ولأن أعاق المرض جسده فإنه لم ينل من ارادته واصراره على البحث العلمي وتحقيق الأهداف.

  
وفي مقابله له مع صحيفة نيويورك تايمز عام 2011 قال هوكينغ: "نصيحتي لكل شخص من ذوي الإعاقة هي التركيز على الأشياء التي لا تمنعك إعاقتك من القيام بها بشكل جيد، وعدم التحسر على الأشياء التي تمنعك إعاقتك من تنفيذها، لا تسمح للإعاقة بأن تحل في روحك كما هي في جسدك"، وبالرغم من مرضه واعاقته وانشغاله بالعلم، إلا أنه لم يغب عن قضايا المنطقة العربية، حيث كان يشبه الوضع في فلسطين بالوضع في جنوب أفريقيا أيام حكم نظام "الابارتهايد"، وزار جامعة "بيرزيت" في مدينة "رام الله" ونظم حملة لجمع التبرعات عبر "فيس بوك" لدعم طلاب الفيزياء في فلسطين.
 
ولن ننسى الحملة التي شنها عليه بعض الحاخامات والمتطرفون اليهود عام 2013 على مواقع التواصل الاجتماعي وسخروا خلالها من اعاقته ووضعه الصحي، بسبب رفضه دعوة "اسرائيل" له للمشاركة في مؤتمر القدس لتكريم "شمعون بيريز" في عيد ميلاده التسعين حيث قال حينها: "بناء على رغبة الفلسطينيين ومن باب احترامي لحركة المقاطعة أرفض المشاركة في المؤتمر" ولا ننسى كذلك موقفه من غزو العراق حيث وصف العملية التي قادتها أمريكا وبريطانيا بأنها " جريمة حرب" قامت على كذبتين، الأولى أسلحة الدمار الشامل، والثانية علاقة "صدام" باعتداءات 11 سبتمبر.
    

 ستيفن هوكينغ (مواقع التواصل)
 ستيفن هوكينغ (مواقع التواصل)

 

وفي موقفه من الحرب في سورية، وصف ما يجري فيها بأنه "شناعة" يراقبها العالم عن بعد، وأدان استخدام الأسلحة الحديثة والسلاح الكيميائي للوصول لأهداف سياسية، متسائلا : "أين ذكائنا العاطفي واحساسنا بالعدالة الجماعية"، جاء ذلك في مقال له نشر في صحيفتي "ذا غارديان" و"واشنطن بوست" دعا فيه لوقف العنف في سورية وحماية أطفالها، وتابع قائلا: "إنه من الغباء وأسوأ أن تمنع المساعدات الإنسانية عن العيادات الطبية، حيث يتم بتر أطراف الأطفال، لغياب البنى الأساسية، ويموت حديثو الولادة لعدم وجود طاقة كهربائية لتشغيل الحاضنات".

 

ما يجب أن نبني عليه ونجيره لصالحنا، هو أن "هوكينغ" هذا العالم الشهير، وقف مع قضايانا العادلة في فلسطين وسورية والعراق، ومع حقنا كشعوب في حياة حرة كريمة، أما قضية إلحاده التي يجادل بها كثيرون اليوم، وقد انقسموا فيه، على وسائل التواصل الاجتماعي، بين محب غال، ومبغض قال، فهذا مالا ينبغي الخوض فيه. بالطبع كان الرجل ملحداً، والأصل أن يكون هذا مؤسف بالنسبة لنا، لا أن يكون مدعاة للشماتة والتشفي، وقد أفضى الرجل في النهاية إلى ما قدم وأمره وحسابه على الله، وليس من شأننا نحن البشر، حيث لا نملك لأنفسنا نفعاً ولا ضراً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.