شعار قسم مدونات

القراءة.. ليست مجرد غذاء عقلي!

blogs - reading

في هذه اللحظة التاريخية التي تشهدها البشرية من تقدما ملحوظاً في عالم التكنولوجيا لو بعث فيها رجل من عصر ما قبل خمسة قرون لصعق للوهلة الأولى من مدى الحضارة الإنسانية التي وصل إليها العقل البشري، ولا زال في ازدياد وتسابق مع المستقبل وكل ذلك تلخصة وسيلة تلقي العلوم والمعارف.. القراءة..

 

إن القراءة ليست مجرد غذاء عقلي فقط بل عمر إضافي وفضاء واسع من المعارف والمهارات والتجارب.. تنقلك إلى عالم آخر من الخيال العلمي والمعرفي والغيبي. من المعروف أن عمر الإنسان ما بين الستون والسبعون عام، لكن القارئ يضف عمرا آخر إلى عمرة حين يتنقل من عالم إلى آخر في كتب الماضي والحاضر فهو يعاصر الأمم السابقة والحاضرة، بين كتب التاريخ والجغرافيا والحضارات والمعارف ويزور مدن وأماكن لم يرها إلا في صفحات الكتب، بالإضافة إلى أن دراسة حديثة مؤخراً أكدت أن قراءة الكتب تزيد من عمر الإنسان ولها فوائد صحية على جسم الإنسان وكما أنها رياضة نفسية تريح الأعصاب.

 

ولقد أشار جودة سعيد في كتابة "اقرأ وربك الأكرم" في معرض تفسيره للنص القرآني أن الذين ينالون كرم الرب وغناه هم القراء أو أكثر الناس قراءة في العالم.. فاليونان كانوا أكثر الناس قراءة وكتابة في أيام حضارتهم فنالوا كرم الرب وكرامته بين العالم. فسيطروا على أكبر رقعة في العالم. والمسلمون انطلقوا من كلمة "اقرأ" فكانوا في عصرهم الأكثر قراءة فنالوا كرم الرب وكرامة من سعة الدنيا ومكانة بين العالم.

 

تعد القراءة من أكثر مصادر العلم والمعرفة وأوسعها وهي محطة الوقود الأولى المزودة للنهضة والحضارة، فالأمم التي تمتنع القراءة حضها ضعيف في التقدم ونجد أن أكثر الأمم تقدماً ورقي هم أكثر من اهتموا بالقراءة والكتابة وشجعوا أجيال عصرهم على ذلك بدلاً من التوقف والاكتفاء بقول وعمل من مضى والاعتماد على الظن. إن نهوض الحضارات والأمم دائماً تبدأ من مرحلة القراءة التي من شأنها توليد الصحوة واليقظة ومن ثم النهضة والحضارة فهي السلم التي تصعد به الأمم للوصول إلى مرحلة متطورة من التقدم التكنولوجي والعمراني والاقتصادي فهي أهم وسائل نقل ثمرات العقل البشري وآدابه وفنونه ومخترعاته ومنجزاته فهي الصفة التي تميز الدول المتقدمة التي تسعى دوماً للرقي والصدارة.

 

القراءة هي ثورة تصحيح لقضايا الحياة والحل الأنسب لمعوقاتها، ونجد ذلك في المجتمعات المتطورة والأقل عرضة للمشاكل
القراءة هي ثورة تصحيح لقضايا الحياة والحل الأنسب لمعوقاتها، ونجد ذلك في المجتمعات المتطورة والأقل عرضة للمشاكل
 

الأمم الأكثر بعداً عن القراءة هي الأقل إنتاجاً للمواهب والعلوم فهي أكثر اعتمادا وأقل إنتاجاً تنحاز للظن أكثر من الحقيقة، فالظن ضد العلم فهو لا يستند على دليل فيقصد به الظن الذي لا يقوم على البحث العلمي وهذه أكبر معضلة تواجه المجتمعات في تقدمها المعرفي والعلمي والإنتاج الفكري، فالظن عامل مؤثر على مستوى القراءة يجعل الأمم معتمدة على أقوال وأعمال الماضي كما كانت حالة الجاهلية قبل الإسلام حين قالوا "بل نتبع ما ألفينا علية آباءنا".. وهذا دليل قاطع على توقف التقدم فقد اكتفوا بالاعتماد على أفكار ومعتقدات آبائهم وأجدادهم السابقة فتبلدت عقولهم وتوقفت عن إنتاج الأفكار والبحث عن الحقيقة والدليل والبرهان ودراسة مدى صلاحيته والتطرق إلى أبواب غير مطروقة للبحث والمعرفة.

 

الجاهلون لا يريدون إتعاب عقولهم في البحث والنظر والتحري والمطالعة ولذلك تجدهم أكثر بعداً عن القراءة واعتماداً على أقوال وأعمال من مضى والغير ولا يحققون أي تقدم ملموس. الزمن والمكان يختلف ويتغير فمن الضروري أن ينظر الإنسان إلى ما حوله، فالإنسان الذي حسبه أن يجد ما اعتمدوه الأولون حلاً واختاروه دون أن يبحث ويتساءل عن ذلك كيف له أن يحدث تغير ولا يتم ذلك إلا بالقراءة والمطالعة والمقارنة بين ذلك..

 

القراءة هي ثورة تصحيح لقضايا الحياة والحل الأنسب لمعوقاتها، ونجد ذلك في المجتمعات المتطورة والأقل عرضة للمشاكل وذلك بفضل القراءة أولاً ثم الجهد المكرس في سبيل ذلك، ونلاحظ ذلك على المستوى الفردي، فالقارئ أكثر استنباطاً للحلول وحياته أكثر تنظيماً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.