شعار قسم مدونات

حبٌ صادق أم شهوانية مقيتة!

blogs الحب

من المؤلم أنه في الأيام الأخيرة وفي زمنٍ قد ضاعت بهِ الكثير من المعاني السامية قد ضاع معنى الحب الحقيقي وما يتبعه من وفاءٍ وصدقٍ وإخلاص، فقد مسخوه بسوء تصرفاتهم و"مراهقَتِهم"، فأصبح لا يعدوا أكثر من بضع معاني أنانية و"شهوانية" بحتة، فالكثير مما يسميه الناس حبا في أيامنا هذه إنما هو مجرد رغبة في التملك أكثر من كونه رغبة في العون والمساعدة، مجرد حب للذات وإشباع للأنانية، مجرد غريزة مغلفة بغطاء لأجل إشباع الشهوة وإخمادها، مجرد خوف من النفس ألا تكون مقبولة اجتماعيا بين الناس، أو خوف من الناس ومعايرتهم وكلامهم الكثير وانتقاداتهم العريضة!

غالب الناس اليوم ترغب في أن تعيش الحالة أو أن تخوض غمار "التجربة"، لكنهم لا يتذوقون منه شيئا على الحقيقة، إنهم يحبون مصطلح الحب فقط.. وفقط! لم يعلموا يا صديقي بأنَّ الحبَ ذوبان في المحبوب، فتضحي ترى الدنيا بعينيه، وتسمع بأذنيه، وترتوى أنت حين يشرب هو، حتى أنك تنسى حظوظ نفسك معه، فلا راحة لك قط إلا براحته وطمأنينته! لم يعلموا يا رفيقي بأن الحب لا يجتمع مع المشاغبة أو المناكفة، فالحب هو مرفأ الراحة والطمأنينة من مشاق الحياة وهمومها، هو الذي تفر إليه لا منه، هو سمرُ المساء بعد يومٍ طويل من التعب والإرهاق، هو الماء البارد في يومٍ شديد الحر، هو الضحك بعد الحزن الشديد، هو الحياةُ بعد الموت! لم يعلموا يا عزيزي بأنَّ الحبَ واجبٌ وحقٌ لكَ وعليك، فحقٌ تحتاجُهُ لتُكمِلَ روحك، وواجب تؤديه لترى روحك تامة الكمال!

الحب اتحاد وحلول، يشعره كل من الطرفين، ويعيشه واقعا لا خيالا، تلتقي فيه الأرواح قبل فعل الجسد. فشتان بين حبٍ سامٍ يسمو بصاحبه وبين شهوانيةٍ مقيتة تحطُ بصاحبها!

الحب يا صديقي إخلاصٌ ووفاء! فالحبُ أن تأتي محبوبك وقت الضنك لا وقت الرخاء، أن تأتيه وقت الانطفاء والانتكاس لا وقت التوهج والسعادة فقط، جسمُكَ يرقُدُ معك وروحك وقلبك يحلقان معه، يداكَ تحملُ عنه ما قد يقض مضجعه، وإن كلت يمينه فيُمناكَ ويُسراكَ وكلُكَ معه! الحب يا رفيقي ذوقٌ وإحساس! فلا يُوصف ولا يُعبر عنه ولا يُقال ولا يُحكى، الحب اضطرارٌ وإجبار، تيسيرٌ وتوفيق، لا اختيارٌ ولا تخيير، وغالبُ المتحدثين باسمه لا يعرفهم ولا يعرفونه، إنه فوق التعبير والوصف، بل فوق خيال أهل "الشهوات"، فالحبُ لا يُبحثُ عنه على أطراف الطرقات، ولا على دردشات المواقع الاجتماعية، ولا في ثنايا الصور والأفلام، بل يأتي إليك إن كنت من أهله لأنه عزيز بعزة معانيه وما يوجد فيه، وما ينتج عنه، وما نتعلمه منه من وفاء وصدق وإخلاص!

الحب يا صديقي صمت! فمن يحب يكتمُ ويئن، لا يكتب ولا يتكلم، وغالب من يتحدث عنه لا يدركه، كأنه يناديه ويهذي به، لأن من وقع فيه قد استغنى بالعيش معه عن التعبير عنه أو الحديث فيه وما الحديث عن الشيء بعد الحصول عليه إلا كمن ترك الاستمتاع بوقته مع زهرة ذات رائحة طيبة، وراح يصفها للناس ويتغزل بها! الحب يا عزيزي حيرة! فبالحب تكملُ إنسانيتنا وبدونه نعيش كالجماد أو الحيوان، بالحب نَذُق رشفةً من حب الله، وبالحب نشتاق إلى الله، وبالحب تصفو النفوس وترتاح الأرواح فتتعرف على الله!

فكيف نلتقط هذا المعنى الذي حارت فيه الألباب وشوهه الرعاع؟ لن يفهم هذا ولن يلتقط معانيه إلا من صفت نفسه، فميز فيها بين تلك المعاني، أو بين الحب وما يشبهه، ولن يكون هذا إلا بمعرفة نفسه والتصالح معها بهدف قراءتها، ولن يصل لنشوة الحب إلا من لقي عشيقه، أي الذي تتداخل نفسه في نفسه، فحينئذ ينظر في وجه محبوبه ليرى نفسه، ويتأمل تصرفات محبوبه ليرقب فعل نفسه، فيزداد عجبا من نفسه في صورة المحبوب أو من المحبوب الذي يمثل نفسه. إنه اتحاد وحلول، يشعره كل واحد منهما، ويعيشه واقعا لا خيالا، تلتقي فيه الأرواح قبل فعل الجسد الذي تحسنه الأنعام والحيوانات. فشتان شتان بين حبٍ سامٍ يسمو بصاحبه وبين شهوانيةٍ مقيتة تحطُ بصاحبها!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.