شعار قسم مدونات

عندما تلتزمين بالشريعة الإسلامية.. حريـة أم رجعية؟

مدونات - المرأة السملمة

في عصرٍ كهذا يقف الخيال حائرًا في تصوير لقطةٍ مستقبليةٍ تُبنى على فيضها أحلام القليل، وتنهار على جَورها آمال الكثير، غير أن النّاس منهم من خَمَرَ عقله ودارت بهِ الدنيا فأخذته خطاه بعيدًا عن الغاية، فصار شرذمةً لا يُؤخذ منه، ولا يُرد عليه إلا قليلاً مِن مَن ركب في سفينة النجاة فكان من المُنقَذين. تعيش المرأة العربية، وخاصةً المسلمةُ تحت هجمةٌ شرسةٌ من أوجهٌ متعدّدة كثيرون هم من يسردون لنا معاناة النساء بأسلوب بغيّ لا خير فيه ولا مفاد قـاصدين بأنّ حرية المرأة، وكرامتها تبدأ من: خلع "ستارها" إلى فَضّ "بكارتها".

 

هنا بدأ الشيطان بالتحذلق جيداً بأعين النساء فتارة تراها تقبع تلك الآراء ناكرةً لها، وتارةً أُخرى منادِيةً مقدِسةً لها، وعلى بركات حرية المرأة حدث شرخٌ عميق في مجتمعاتنا العربية أدى إلى سقوط البيوت، وتفكك الأُسر؛ إثر المُناداة بالمُساواة ونزع المرأة من وظيفتها الأساسية ظنّ الكثير أن الإسلام يُكبلُ حرية المسلمة، وإنّ حريتها لا تقف على حواجز أو خطوط حمراء.. ليس لأنها أنثى بل لأنه لا يوجد للمطلق حُكمٌ يسقط على أرض الواقع فلابُدّ للمرءِ أن يقتنع بالحدود التي لا يجب عليه أن يتخطاها، وأنْ يحترم إنسانيته التي كرمها الله على سائر خلقه بامتناعه عن السير وراء هواه، والتصرف بشهوانية محضة..

 
عندما نتحدث عن حرية المرأة، وكرامتها، وعفتها عندما نتحدث عن كيان العاملة صاحبة البصمة المجاهدة فبالتأكيد نقصد بذلك (المرابطات) في القدس هنّ يقفنَ شامخاتٍ بِعقيدة راسخة ليدافعنَ عن دينهنّ، وأرضهنّ دون التخلّي عن دورهنّ الرئيس في الحياة؛ ترعى أطفالها، وتحفظ بعلها وتذود عن أقصاها لم يمنعها شيء من فرض كيانها لا زوجاً، ولا احتلالاً لأنها فرضت نفسها بعقيدةٍ راسخة، وعفة، وأخلاق..

 

أَنا لا أُبالغُ إن مدحتُ كيانها
فالمرابطة نورٌ يَخرُجُ مِن أَحشَائِها
هيّ في المعاركِ من تَصونُ بِلادَها
وفي الزنَازين مَن لا تُزيل حِجابها
هيّ في النساء قدوةٌ بــها يُحتذى
وفي الرجال مقامها لا يُرتقى..

 

ومن المرابطات التي تعلّمنا منها أروع معاني التضحية ، في الثبات، والحضور ،والجهاد ؛التي لا تكادُُ أن تغيب شمسُها عن باحات المسجد الأقصى هيَ المعلمةُ الفاضلة "خـديـجـة خـويـص" التي مضى من عمرها أربعين عاما لم تزدد فيهنّ إلا نورًا، ورفعة. أُمٌّ لخمسة أبناء معلمة للقرآن الكريم غير أنها حاصلة على درجة الماجستير في تفسير القرءان منن جامعة الخليل كُلّ تلك المزايا وجدت في ظلّ إيمانٍ عريضٍ بأنّ الإسلام هو عمودُ النّجاح، والعدل، قد تشكل لديها منذ نعومة أظفارها..

  

خديجة خويص (الجزيرة)
خديجة خويص (الجزيرة)

 

والتاريخ الإسلامي خير شاهد على دور المرأة الفعال في نهوض الأمة، وإعلاء كلمتها في الدنيا فلم يكنْ الإسلام يومًا أداة لإقصاء دورِ النساءِ في المجتمع بل كان ماء يطفئ نار كلّ حاقدِ ومُهمّشٍ ولئيمٍ يُريدُ أن يَحصرُ المرأةِ في سَفاسِف الأمور حيثُ كان للتمريض نصيبٌ في الإسلام فكانت المرأةُ رائدةٌ في هذا المجالِ متميّزة عن الرجال فيه غير أن أول ممرضة في التاريخ الإسلامي، وربما العربي هيَ الصحابية الجليلة "رفيدة الأسلمية" -رضي الله عنها-.

 

وجاء الإسلام مُحرّرًا للمرأة في وقت قد جار عليها جُهلاء عصرها إذ قال جلّ وعلا "وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ ﴿8﴾ بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ" التكوير. ليرفع عنها حُكما جائٍرًا، ويغير نَظرَةً حَاقِرة فمنحها حَقّ الحياةِ مُساويها بذلك بالرجل قال تعالى: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" البقرة. قال ابن كثير: في تفسير هذه الآية أي ولهنّ على الرجال من الحقّ مثل ما للرجال عليهن فليؤدي كُلّ واحدٍ منهما ما يجب عليه بالمعروف. وقال الحبيب -صلى الله عليه وسلم- مما روى أحمد والترمذي من حديث عائشة: "إنّما النساء شقائق الرجال" وتُثبتُ النُصوص السابقة حقّ الحياة والمساواة. إذ لمّا منحها ذلك الحق ضَمِن لها حقّ العيش وضروراته من ملبس ومأكل ومسكن وعشرة حسنة ومشورة، وزادها بالتعويض عن أي جهد تبذله متعلقاً بالرجل..

 

تقول سالي جان مارش وهي نصرانية بريطانية: بالنسبة لفرض بعض القيود على المرأة المسلمة فإنها ليست إلا ضمانات لمصلحتها، ولخير الأسرة، والحفاظ عليها متماسكة، وبالتالي وضع الإسلام فروض، وواجبات على كل من المرأة والرجل للحفاظ على النفس، والابتعاد عن كلما يهينها. تحت شعارات بالية أضاعت أنوثتها لجهلها إنها في كثير من الأمور قد فُضلت عن غيرها حين قال نبيها بأنه لا يكرمها إلا كريم ولا يهينها إلا لئيم، وتناست أنّه قبل وفاته قام خطب فقال: استوصوا بالنساء خيرا ، وفي بحر المعاني التي يُعجز عن وصفها؛ تقع تلك الكائن الإنسي الممزوج بحسٍ ملائكي بين من يتاجر بأنوثتها بالعري، ومن يحاول جاهدا أن يُرفعها عن الرذيلة لإيصالها للرقي.

 
نعم إنها فريسة حقا لشعارات كاذبة يرفعها أناس هم في كل وادٍ يهيمون.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.