شعار قسم مدونات

الحرب لأجل الليثيوم

blogs سيارة كهربائية

بات معروفا لكل ذي لب أن الحرب العالمية الأولى كان سببها الرئيس هو السيطرة على منابع النفط في الجزيرة العربية بعد اختراع المحرك الذي يعمل على الوقود الأحفوري حصراً المسيطر عليه من قبل الإمبراطورية العثمانية آنذاك. لكن وبعد أن حددت شركات النفط العالمية -مسببة تلك الحرب قبل أكثر من قرن- موعد نفاد النفط بحلول سنة ٢٠٥٠ وانطلاق ثورة حديثة من قبل شركات فتية استغنت بموجبها عن النفط بالبطاريات، بدأت الشركات تعيد تفكيرها بمستقبل القرن الحالي خصوصاً بعد نفاد صلاحية الجزيرة العربية. وبات ملحاً أن تجد لها بديلاً عاجلاً لتلحق بركب شركات السيارات الكهربائية مثل شركة تسلا الفتية والرائدة في هذا المجال وقد تبتلعها إن تطلب الأمر. في إشارة إلى ذلك وفي بادرة متأخرة، بدأت جميع شركات السيارات ذوات الصلات الوثيقة بشركات النفط في العالم إنتاج إصدارات حديثة من سياراتها تعتمد على الكهرباء فقط.

قد يسأل سائل، ولم تحتاج هذه الشركات إلى نشوب حرب من أجل بطاريات؟ قد يبدو السؤال منطقيا لوهلة، لكن حين تعرف أن نصف مخزون العناصر التي تصنع منها البطاريات المعروفة عالميا ببطاريات الليثيوم -التي تغذي هاتفك بالطاقة- تتركز في مساحة لا تتجاوز ١.٥٪ من مساحة اليابسة على الكرة الأرضية فإن الحال سيتغير. نحن على مشارف عصر السيارات الكهربائية؛ حيث أظهرت إحدى الدراسات أن أكثر من ثلث السيارات في العالم ستكون معتمدة على البطاريات بحلول ٢٠٤٠. كما أن معظم تلك السيارات ستعتمد على كميات كبيرة من بطاريات أيون الليثيوم. من جانب أخر، هناك عنصر أخر يثير القلق اكثر من الليثيوم يدعى الكوبلت، حيث ينوه إلى ذلك تقرير نُشر بتشرين الأول الماضي في مجلة جولي Joule العلمية.

إعادة تدوير بطاريات الليثيوم معقدة جداً، وحتى لو افترضنا زيادة وتطوير عمليات إعادة التدوير بطرق أرخص فإنها سوف لن تحدث أي تغيير يذكر طيلة العشر سنوات القادمة أو أكثر

"أن أفضل الأقطاب سالبة الشحنة لبطاريات الليثيوم والتي تسمى كيميائياً (كاثود) تحوي الكوبلت ذو الإنتاج المحدود" تقول دراسة تقودها المهندسة عالمة العناصر إليسا أوليفيتي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) في مدينة بوسطن شمال الولايات المتحدة. حيث استنتجت وفريقها أن نقص كميات الكوبلت قد يعرقل ثورة السيارات الكهربائية. إن كاثود بطارية الليثيوم مصنوع من عدة طبقات من أوكسيدات فلز الليثيوم مع مزيج من الكوبلت وقليل من العناصر الأخرى. ومما يجدر ذكره، أن الخصائص الذرية الفريدة للكوبلت تسمح للكاثود بحزم الكثير من الطاقة في مساحة صغيرة وتساعد في صيانة بنية طبقات بطارية الليثيوم.

سوق مبيعات السيارات الكهربائية سيبلغ حوالي ١٠ مليون سيارة بحلول عام ٢٠٢٥، مما يعني أن الحاجة إلى الكوبلت في تلك السنة ستبلغ ٣٣٠ ألف طن متري، في حين أن المتوفر منها سوف لن يتجاوز ٢٩٠ ألف طن متري. إن عنصر الكوبلت هو ناتج ثانوي من تعدين النحاس والنيكل، لذا فإن إنتاجه يعتمد على كمية الطلب لهذين العنصرين. الجدير بالذكر، أن أكثر من نصف مخازن الكوبلت في العالم موجودة في جمهورية الكونغو الديمقراطية غير المستقرة سياسيا وأمنياً، مما يوحي بتزايد عدم الاستقرار نتيجة زيادة تنافس القوى النافذة هناك على احتكار الكوبلت مثل الولايات المتحدة -صاحبة حصة الأسد- والصين وبلجيكا وفرنسا وبريطانيا.

إن إعادة تدوير بطاريات الليثيوم معقدة جداً، وحتى لو افترضنا زيادة وتطوير عمليات إعادة التدوير بطرق أرخص فإنها سوف لن تحدث أي تغيير يذكر طيلة العشر سنوات القادمة أو أكثر، كما تقول ليندا جينيس محللة نظم النقل في مختبر أرغونا الوطني في الولايات المتحدة. بالرغم من ذلك فإن تجدد كيميائية الكاثودات بفضل تقنية النانو قد تبعث أملا. يقع على عاتق الكيميائيين في هذه الحال وقاية البشرية من حروب وشيكة بسبب هكذا معادن. حديثا، طور بعض الكيميائيين صيغ جديدة من الكاثودات الغنية بالنيكل يأملون أن تقلل الحاجة إلى الكوبلت. كما أن هناك كاثودات الخالية من الكوبلت هي الأخرى تحت التطوير، ويعمل بعض الباحثين على تطوير بطاريات ذاتية الشحن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.