شعار قسم مدونات

لماذا يتشدد الغرب في تجريم التحرش؟

blogs - تحرش
هل فعلا النظم الغربية تقدس المرأة، هل النظم التابعة لها تقدسها؟ أم تقدس جيب المرأة؟ لماذا لا يتم التعامل أيضا بحزم مع شركات الدعارة العالمية التي تمتهن المرأة وتجعلها سلعة تعرض للبيع والشراء مقابل اللذة؟  التحرش الجنسي بطبيعة الحال هو سلوك غرائزي مرفوض جملة وتفصيلا، لكن لماذا يتشدد الغرب في تجريمه بهذه الصورة؟

حسب موقع خريطة التحرش الإلكتروني المصري، فإن التحرش، يعني أي صيغة من الكلمات غير مرغوب بها، وأي أفعال ذات طابع جنسي، والتي تنتهك جسد أو خصوصية أو مشاعر شخص ما، وتجعله يشعر بعدم الارتياح، أو التهديد، أو عدم الأمان، أو الخوف، أو عدم الاحترام، أو الترويع، أو الإهانة، أو الإساءة، أو الترهيب، أو الانتهاك أو أنه مجرد جسد.

وقد عدد الموقع أيضا أشكالا تندرج ضمن إطار التحرش، كالنظر المتفحص وغير اللائق لجسم شخص ما، أو القيام بتعبيرات وجهية يفهم منها ذلك، أو النداءات التي تأخذ أشكالا من التصفير والصراخ والهمس..، الملاحقة والمتابعة، اللمس، التحرش الجنسي عبر الانترنت الهاتف والرسائل النصية…كل هذه أشكال عددها الموقع الآنف ذكره بتفصيل. كما أن واقع الحال يدل عليها، في الجامعات في الشوارع في الأزقة، في الإعلام… هذا أمر شائع وجاء نتيجة لخروج المرأة للعمل وللدراسة، وتحررها من التقوقع داخل منزل أبيها أو وليها أو زوجها، وهذا كله نتاج تراجع مرحلة المجتمعات الزراعية المحافظة، ودخول مرحلة المجتمعات الصناعية بما لديها من انفتاح، وراديكالية على الموروث الثقافي والتقليدي. وهنا بذكر الصناعة يذكر الغرب وثقافته المهيمنة على العالم الحديث والمعاصر.
 

أي دولة يطغى فيها النظام الرأسمالي إلا وستجدون فيها نظاما يقدس قانون منع التحرش، لأنهم بكل بساطة، يخافون من رجوع المجتمعات إلى أنظمة تقليدية في الحماية، أساسها الدين والأخلاق والعرف

الغرب ونظمه التي تدور في فلك الرأسمالية، التي أضحت فيها الشركات العالمية ومؤسساتها الراعية، من بين المؤطرين والمحددين للقرارات الاستراتيجية الكبرى للدول، يتشدد في تجريم التحرش الجنسي اتجاه المرأة، ليس حبا في سواد عيونها، ولا احتراما لها، بل احتراما لجيبها، فالمرأة في الغرب، بل في العالم أضحت مساهما رئيسيا في الإنتاج، ومعروف على عقلية المرأة أنها استهلاكية مقارنة مع الرجل، لهذا نجد أن ما يسمى الموضة لدى المرأة يتجدد بالأسابيع والأشهر، فالمرأة مجبولة على التغيير، وعلى التسوق، واستهلاك المنتجات من ملابس وعطور وأحذية..، أكثر من الرجل. وكما نعلم هناك شركات عالمية كبرى تغتني من هاجس المرأة الاستهلاكي، من بينها شركات عالمية معروفة في عالم الألبسة والتجميل والأحذية..

لهذا إذا افترضنا جدلا انه لا يوجد حماية للمرأة من التحرش والاغتصاب، والمرأة بوصفها عنصرا حساسا، يحن دائما للحماية ويتحرك فيها وليس دونها، فإنها ها هنا في حال عدم وجود حماية مثلا، ستعود إلى تقوقعها، وتكتف بلباس يحميها من تحرش الرجل بها، غالبية هذا اللباس سيكون محليا ومحتشما، لا يكشف عن مفاتنها، هنا سيكون انهيار كبير لاستهلاك المرأة المعتاد للألبسة وللعطو.. هنا ستكون خسارة بالملايير حتما، فالشركات التي تعتمد منتجاتها على التنويع والتغيير المتتالي باسم الموضة، صار الانكماش مهددا لإنتاجها، بل لإنتاج الشركات التي تنتج لها موادها الخام أيضا من شركات ألياف، فراء وجلد.. فهل ترون أن هذه الشركات المتغلغلة في السياسة والتشريع، لا تملك بعد نظر، وأن تسويقها يروج دون إستراتيجية بعيدة المدى في التسويق؟

لعل تلك الاستراتيجيات هي التي تترجم في بناء عام يسمى "مناخ الاستثمار"، فهذا المناخ يتطلب أرضية اجتماعية نشطة )حبذا استهلاكية أكثر منها إنتاجية(، وأرضية سياسية وأمنية مسقرة، وترسانة قانونية وتشريعية حامية لليبرالية والرأسمالية، وأسس مالية ونقدية سليمة، واقتصاد وطني مؤمن بالتنافسية، وبيئة خالية من الفساد والبيروقراطية والتعقيد..

   undefined
 
الآن، انظروا حولكم أي دولة يطغى فيها النظام الرأسمالي، وأي دولة نامية تابعة له، إلا وستجدون فيها نظاما يقدس قانون منع التحرش ويمجده، كأنه قانون دستوري، لأنهم بكل بساطة، يخافون من رجوع المجتمعات إلى أنظمة تقليدية في الحماية، أساسها الدين والأخلاق والعرف، لهذا هم متعصبون أيتها المرأة، متعصبون من أجل جيبك لا من اجل ذاتك، لهذا يحمونك بقوانينهم، وتنتفخ أوداجهم إذا رأوها لا تحترم، لهذا يسجن ذاك المشهور، ويطاح بذاك المسؤول، ويهدد ذاك الرئيس، فالتهديد قادم من أعلى، قادم ممن يمتلك أكثر، ممن يمول حملات الرئاسة، ويحرك الإعلام، ويحشد الجماهير، ويحرك ألسنة النواب البرلمانيين، ويحرك الفكر والنخب من اجل الاتجاه في عالم محدد، عالم معولم، فيه أنت أيتها المرأة دعاية، محرك، ومحفز إنتاج.
لك الحرية أيتها المرأة، ولك الحماية، في عالم فيه الكل مباح، فتخلي عن حماية الأم، الأب، الأخ، والأحباب..، تخلي عنهم وتعالي إلى حرية تزخرفها ماركة مسجلة، فيها للرأسمالية غزير الأرباح.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.