شعار قسم مدونات

علم إبنك حب الكتب

مدونات - كتب
الحياة ليست مكانا جيدا دوما، أحيانا تكون قاسية بغيظة ومؤلمة.. الصغار لا طاقة لهم على مواجهة العالم الحقيقي، وعالم الطفل مختزل في جدران المنزل وخبرته تقتصر على أحاديث الجدة وثقافته مستمدة من نقاشات الآباء والأشقاء والأعمام.

كل منا يرغب في تأمين مستقبل أبنائه، نعمل ليل نهار كي نترك لهم حسابا بنكيا محترما، ومنزلا يطل على البحر وتكاليف الدخول لجامعة خاصة مرموقة، نظن أننا بذلك نحميهم من تقلبات الزمان والدهر  ونوفر لهم سلاحا لمجابهة هذا العالم الجديد الفظ، الذي تحول إلى حلبة صراع لا يصمد فيها سوى الأقوى أوالأكثر ثراء، ألسنا في زمن سلطة الدولار على العقول والأفكار.

لكننا نهمل بالمقابل أهم واجب للأسرة وهو تغذية عقول الأبناء عوض إشباع بطونهم، فمهما ترك الأب لولده من مال وجاه فإنه لن يقدر على تسلق سلم النجاح بدون عقل مستنير ولن يتمكن من تجاوز منعطفات الزمان وزلات الطريق الوعر، ولا يوجد أفضل من الكتاب كرفيق لابنك وسند له ومغذ لروحه. يمكن للصديق أن يخون ويمكن للزوجة أن تهجر ويمكن للمحب أن يتقلب قلبه وللقريب أن يبتعد ويتركنا، لكن خير من سيحرس ولدك هو كتاب تهديه له في الصغر فيرافقه طول العمر داخل وجدانه وينمي ملكة الإدراك لديه.

الحل هو أن تحتل الكتب الشوارع والمنازل والعقول فأي مجتمع يحصن أبناءه فكريا سيكون المستقبل بيده وسيبني مجده بسواعد أطفال اليوم رجال الغد

إن الطفل كالأرض الخصبة التي تحتاج من يغرس بها الثمر الطيب ويسقيها بماء طاهر نقي. الكتب بالنسبة للأطفال ليست بالضرورة للقراءة، قد تكون لتلمس صفحاتها، للتلويح بها يمينا ويسارا، ولمشاهدة ما فيها من رسومات وصور وبعض الكلمات، وهذا التفاعل مع الكتاب منذ أشهر الطفولة الأولى هو ما سيهيئ الطفل لفتح أبواب من المعرفة أولها باب القراءة وأهمها باب الخيال والإبداع.

ما سيجده الطفل في الكتب من مفردات ومصطلحات ستنمي لديه حصيلته اللغوية وسيصبح أكثر قدرة على التعبير عن أفكاره والتصريح بمشاعره ورغباته بطريقة سلسلة جميلة بعيدة عن الصراخ، فالأدب يهذب النفس ويمنح الروح صفاء ونقاء. ما سيتناوله الطفل في الكتب سينمي لديه الخيال لأنه سيشاهد على صفحاتها ما لم يشاهده في واقعه، وسيطير إلى عالم آخر عالم المحبة والخير و الفضيلة، عالم الجمال. عندما تقضي وقتا في تصفح الكتب مع أطفالك ستتوطد العلاقة العاطفية بينكم سيتحدثون عن مشاعرهم وستتبادلون الحوار والأفكار إضافة إلى دفء الجلوس بجانب بعضكم البعض.

إن الكتاب يكبر مع الطفل ويتغير فهمه له كلما ارتقى خطوة في سلم المعرفة وخير مثال شخصي هو كتاب كليلة ودمنة لعبد الله بن المقفع الذي أعتبره خير كتاب تهديه لولدك. في سن السادسة أعجبني الكتاب وغمرني بالخيال طبعا، كان مجرد قصص مسلية لحيوانات ناطقة بالنسبة لي، ومع مرور السنوات أعيد اكتشاف هذا الكتاب كل مرة فتحول من قصص مسلية لحكم جميلة أعجبتني كصبي، ثم صار كتيب إرشاد ومدخلا لعلم السياسة والكياسة.

إن الحل بيدنا من أجل تشييد مجتمع متوازن سليم قادر على النهوض والرقي. الحل هو أن تحتل الكتب الشوارع والمنازل والعقول فأي مجتمع يحصن أبناءه فكريا سيكون المستقبل بيده وسيبني مجده بسواعد أطفال اليوم رجال الغد.

رسالة لكل أب وأم وأخ وخال وعم، اتستثمروا في الكتب فهي خير من البورصة والعقارات، ففي التجارة قد تخسر وقد تربح، لكن عندما تستثمر في الطفل وفي تنمية قدراتك فإنك رابح حتما فتفيد نفسك وابنك و مجتمعك. كل شخص فينا قادر على تغيير الواقع عبر الاستثمار في عائلته وفي المعرفة، فالمستقبل لا يُبنى وحده بل يشيد بنا وبأفعالنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.