شعار قسم مدونات

حيثُ كُنّا وما وَهنّا

blogs سيدة فلسطينية

ستقلّبُ صفحاتك، ستحدّقُ مليّا لروحك المُنهكة وفي أوجِ تساؤلكٙ عنّي تذكّر عدد المراتِ التي تتجافى جُنوبهم عن مضاجعهم لأجل حاجاتهم المُعلّقة، حاول أن تتذكر تلك المرات التي قلّبوا عيونهم في السماء لعل الوقائع تتغير، حاول أن تتبصّر عيونهم التي أغلقوها عن مراياهم المُنكسرة. أنا هُنا بينهم جميعا.. تختلفُ احتياجاتُنا، تختلفُ وقائعنا، ولكننا ندورُ في نفس المجرّة التي نسيها البعض وتناساها المارّون بين الكلمات العابرة، فلا هم جمعوا أشلاءهم ولا هم رحلوا.. وبقينا نُردّدُ نحن أن على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، وكُلّما جارت علينا الأرض هتفنا باسم سيدة الأرض وكُلّما يئسنا لجأنا لنشوة عابرة نُفاجئُ بها السامعين بأنها كانت تُسمّى فلسطين وصارت تُسمّى فلسطين..

 

يحضُرني اعتراضُ البعض عندما سُميت الإسراء ببني إسرائيل فحضرني تفاجؤهم وأفزعني ضعفهم، تحرّكهم الكلمة ولا يبحثون فيها، لا يقرؤون في أصلها وهم القارئون المدّعون انتسابهم لأمة إقرأ، فيجول خاطرك بتسبيح الخالق الذي أسرى بعبده، وتجول بنفسك بركةُ الإلاه حين يؤكّد على بركةِ ما حوله فتتنفّس الصعداء وتكتفي بالبركة.

 

دعكٙ من هذا كله من كُل ما كتبت ودعني أقصُّ عليك القصص، كُنّا في بقعة من هذا الكون تُدعى بيتنا يجلس كل منا في رُكنه بعيدا عن صخب الكون في عام2004، كُنا في نهاية الفصل الأول أنا أطبّق في مستشفى الأهلي في قسم الجراحة وأختي التي تصغرني تدرس الهندسة في جامعة البوليتكنك وأخي يُحضرُ لامتحانات الثانوية العامة التجريبية وبقيتُنا في المدارس وأصغرنا بعمر الثلاث سنوات. قطعت الكهرباء وكالعادة تحول كُل شيء إلى ظلام دامس فقرر البعض أن يخلد للنوم استغلالا للوقت حتى يُعاود الاستيقاظ إذا عاد هذا التيار الذي يضيء الكون.

 

هُم منظمون ولكنهم جُبناء يعلمون أنّهم في حرب لن تنتهي، برغم قوّتهم، كان صوتُ غلاف الكتاب قادرا على إفزاعهم بطريقة مُضحكة، صدّق هذا أو لا، لكنه واقع حي، هم برغم تدريباتهم لا شيء يُذكر بدون حراسة
هُم منظمون ولكنهم جُبناء يعلمون أنّهم في حرب لن تنتهي، برغم قوّتهم، كان صوتُ غلاف الكتاب قادرا على إفزاعهم بطريقة مُضحكة، صدّق هذا أو لا، لكنه واقع حي، هم برغم تدريباتهم لا شيء يُذكر بدون حراسة
 

مرّت ثلاثون دقيقة وتضاربت الأيادي على باب البيت الرئيسي، تضاربت بقوة وتعالت الصرخات: افتح الباب نحن الجيش، أي أن العدو قرر زيارتنا فجأة هكذا بدون سابق إنذار ولا مسببات ولا نشاطات تذكر مُدخلين أسلحتهم قبل أجسادهم، يكرّرون شيئا تدربوا عليه للمرة الألف بعد المائة، يتقنون العربية ويرسمون خطوط انتشارهم قبل أن يضعوا خُطاهم على الأرض، يفتّشون كل شيء بسرعة شديدة يجمعونك في مكان واحد يقسمون أنفسهم قبل أن توقن حتى أنهم صاروا بالمساحة الأكبر من بيتك وصرت أنت في غرفة واحدة لبيت من طابقين. أنت الآن في غرفة واحدة منه، هكذا إذا احتلوا أرضنا ووطننا، أنت أمام خيارين، والآن أن تفهم لماذا هم هنا أو أن تقاومهم ثم تُقتل لأنّك لم تجهز نفسك ولم تأت بخطة مدبّرة محكمة.. لم تجهز نفسك كما فعلوا فأي حرب غير مجهزة تقوم على الفزعة اللا محسوبة ستنتهي بجثث المسلوبة حقوقهم وانتصار العدو الغاشم، هذه كانت الفكرة الثانية التي راودتني.

هم ينتشرون وينشرون أجهزتهم في كُلّ مكان، وكأنّهم يعرفون كل جزء من هذا البيت، ألهذه الدرجة يتقنون معرفتنا، ومراقبة أمورنا، فتساءلت هل كانوا بحاجة حقا إلى استقطاب الجواسيس وتجنيدهم معهم لمعرفة أماكن من اغتالوهم، أم هم فقط أرادوها جزءا من حربهم علينا، بأن يشعرونا بأن هذا البنيان المرصوص، صار متصدّعا شئنا أم أبينا، فالبلاءُ منّا وفينا هذا ما أرادوا إيصالهُ لنا.

 

هكذا تسرّبت إلى جوانحي فكرتهم، هُم منظمون ولكنهم جُبناء يعلمون أنّهم في حرب لن تنتهي، برغم قوّتهم، كان صوتُ غلاف الكتاب قادرا على إفزاعهم بطريقة مُضحكة، صدّق هذا أو لا، لكنه واقعٌ حي، هم برغم تدريباتهم لا شيء يُذكر بدون حراسة وسلاح، كانت مُهمّتهم تقتضي مُراقبة الجبل المقابل لبيتنا، وأبلغونا أنهم سيغادرون خلال اثنتي عشرة ساعة، أغلقوا الستائر، برغم أن بيتنا قائم في أرض زراعية واسعة، لدرجة أن لا أحد كان يعلم في ذلك الوقت أن هناك من اقتحم بيتنا، كُنا وحدنا تماما، ويوم كان يوسف في غياهب الجُبّ وحده الله كان معه، وقد كان اللهُ معنا.

بعيدا عن كل التفاصيل التي حصلت، وعن الضيق الذي أصابنا، وعن الطريقةِ التي خرجوا بها، يبقى السؤال الدفينُ فينا أي فكر يحتاجهُ القوم حتى ينهضوا، هم باحتياج شديد للإيمان أولا بفكرة النهوض ذاتها، هو فكرُ أمة كاملة ،هي أن ننفضٙ أرواحنا، ألا نتوقّف عن التعليم والتعلّم، عن الوصول فالذين يقفون على قمة جبالهم، لم يهبطوا من السماء، فزمنُ الهبوط من السماوات العُلى ولّى وانتهى، وفي غمرةِ هذا كُلّه ستوقن أن كلّ شيء بقدٙر وبأن الله ما أهلك فرعون يوم تجبّر مُنذ البداية مع أنه على كُلّ شيء قدير، إلّا لأنه كان لابدّ أن يرى الجمعُ أجمع هذا الظالم، كي لا يسأل أحد جُثة من هذه في اللحظة التي ينجيه الله فيها ببدنه، فلا يضيقُ صدرك، ولينطلق لسانك، لتنير للعالمين قوله بأنه على كل شيء قدير.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.