شعار قسم مدونات

خواطر عن الواقع الصومالي

blogs - الصومال
الأمن والاستقرار

إن الاستقرار الأمني والسياسي مطلب كل الصوماليين، وهو حبيب غائب منتظَر منذ عقود، كما أنه حلم خاص للمغتربين منهم في مختلف أنحاء العالم، ومع طول انتظار ذلك المحبوب ظهرت ظواهر سلبية كثيرة، ومن ذلك استمراء حالة الفوضى الخلَّاقة، وكثرة من يعتاش عليها؛ حتى صار الشعب الصومالي في وضع بائس اقتصاديا وأمنيا وسياسيا، بل وفي كل مجال من مجالات الحياة الأخرى.

وإن الأمر الأكثر خطورة هو تصوير هذا الواقع المرير على أنه طبيعي، وبحسب قول بعضهم إن استمراء البلاء أعظم من البلاء نفسه، وليس معنى ذلك أن البلد في دوامة لا نهاية لها، وأن لا أحد يعمل على إصلاح الخلل القائم، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو .. هل البلد يسير وفق رؤية صومالية مستقلة، وإلى أي مدى يمكن أن يعوَّل على المخططات الهادفة إلى تهدئة الوضع بشكل نهائي.. تنتهي معه الصورة السلبية التي تشكلت عن الصومال وعن الإنسان الصومالي حيثما كان؟

وفي سياق متصل، يُعتقد على نطاق واسع أو على الأقل يُروج من قبل الخلايا النائمة المؤيدة لحركة "الشباب" وجماعة "داعش" في الصومال أن مسلحي الحركة يحظون بتعاطف شعبي كبير عندما تلحق الحركة هزيمة نكراء بقوات إثيوبية في أي مكان كانت، مؤكدين أن ما سوى ذلك من التحليلات المتداولة يُعتبر انخداعا بأوهام وترهات يروِّجها أصحاب المصالح الخاصة، ولا تستند إلى التحليل المنطقي للواقع المحلي الحقيقي.

وإن هذه القضية في حقيقتها شائكة، ومعقدة، ومرتبطة بالعقل اللاوعي لدى الصوماليين، ومن جهة ثانية فهي ليست مهملة من قبل الطرف الآخر -إثيوبيا- وإنما هي قضية فاعلة، وتلقى حظها من الدراسة والاهتمام إلى حد أن الجنود الإثيوبيين يعرفون جيدا كيفية التعامل مع القبائل والجنود الصوماليين، بحسب درجات تفاعلهم مع الموروث الثقافي الخاص بالصراع القائم أو الذي كان قائما -كما يحلو للبعض أن يصورها- بمعنى أننا لسنا أمام دولتين قامتا بتسوية كافة القضايا العالقة بينهما في وئام وتعاون مشترك وخال من المكر أو المخطط المدروس في أروقة الدولة المجاورة منذ عقود، أضف إلى ذلك ما نُشر مؤخرا من وجود نوايا وأجندات قد تؤدي إلى هضم الصومال بأكمله، من خلال ضمه إلى إثيوبيا وكينيا في قادم الأيام ضمن مخطط تقسيمي معلَن، ومدعوم من قبل دول عربية وأخرى أجنبية ذات تأثير في المنطقة، بحسب معلومات استخباراتية مسربة ومتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي.

نحن في الصومال أمام شعب عركَتْه التجارب والمحَن، ولا تنطلي عليه أكاذيب المرجفين، ولا يمكن الجمع بين ولاء الشعب وولاء من يعتبره الشعب عدوا تماما كما لا يمكن الجمع بين فلسطيني وإسرائيلي في خندق واحد إلا إذا كان أحدهما خائنا، بحسب رؤية بعض المحللين.

مرحلية في القناعات

وحاليا تكمن الإشكالية في أنه بدت للمواطن العادي قبل النخبة صورتان في القيادة العليا للبلاد، باتصافها بما يسمى بالمرحلية في القناعات والانتماءات، ترى أحدهم اليوم قائدا وفيا يحرك فيك العاطفة الوطنية، وفي يوم آخر تراه يحرض عليك من يعاديك بطريقة لا تخلو من خبث، في مشهد استهبالي لا يُراعى فيه ما تشكَّل لدى الناس من قناعات سابقة، ولا يعير أي اهتمام لما يحدث من تناقض تام بين المواقف السابقة واللاحقة، مما يكون في نهاية المطاف على حساب تماسك الجبهة الداخلية ووحدة الصف في مواجهة المؤامرات الخارجية.

قال أحدهم في معرض رده على أحد المحافظين: إذا كنتَ بالأمس القريب شوكة في حلْق الرئيس الذي سبقك، مجتهدا في إطاحته، وتشويه صورته أمام الرأي العام؛ فمن الحماقة أن تنتظر ترحيبا وتفاعلا مع سياساتك من قبل سلفك وحاشيته، ولا مِن قِبل مَن ينتبهُ لاحقا إلى حقيقتك وتناقضاتك المثيرة للجدل، ولاسيما عندما ينكشف وجهك الحقيقي وزيف الشعارات الوطنية التي كانت مرفوعة لديكم أيام المعارضة من قبيل الممانعة، ومواجهة عدو الأمة، وعدم الاستعانة به، ولا حتى الركوب أو الاحتماء بدبابات قوات الاتحاد الإفريقي في الصومال مهما كانت الظروف.

التناقض والسقوط

وبحسب علم النفس الاجتماعي تكون النتيجة التلقائية للتناقضات المتكررة لدى القائد هي السقوط من العين والقلب وكذا من الذاكرة لاحقا، وإن بعض أنواع السقوط لا يعادله مرارة سوى مرارة الموت، كما يقولون. ومن الطبيعي أن يكون السقوط بقدر قوة الاندفاع الأولى عندما يفقد الزعيم توازنه ويرسب في الاختبار العام والخاص بعد تربعه على العرش، وأثناء ذلك تُرفع في وجهه لافتة مكتوب فيها: كما تدين تدان، وأن الجزاء من جنس العمل؛ حيث يُفتش كافة الملفات السابقة واللاحقة لإثبات عدم أهليته للاستمرار في الحكم بشواهد لا تخطئها العين البصيرة، فما بالك لو كان يتاح للمعارضة مع كل حادثة أو أزمة مستجدَّة فرصة للنيل من سمعة الحاكم وقراراته التي يصفونها بالطائشة لما فيها من تسرُّع وتخبط على حساب الوئام والترابط الداخلي.

أكد الكاتب الفرنسي «غوستاف لوبون» قبل قرن من الزمن في كتابه «سيكولوجية الجماهير» أن "الجماهير محافظة بطبيعتها على الرغم من تظاهراتها الثورية، فهي تعيد في نهاية المطاف ما كانت قد قَلَبتْه أو دمرته؛ ذلك أن الماضي أقوى لديها من الحاضر بكثير، تماما كأي شخص منوَّم مغناطيسيا" وقد انتهى الكاتب إلى القول بأن الجماهير "لا تكاد تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كُرْهِه"، وبالتالي نحن في الصومال أمام شعب عركَتْه التجارب والمحَن، ولا تنطلي عليه أكاذيب المرجفين، ولا يمكن الجمع بين ولاء الشعب وولاء من يعتبره الشعب عدوا تماما، كما لا يمكن الجمع بين فلسطيني وإسرائيلي في خندق واحد إلا إذا كان أحدهما خائنا، بحسب رؤية بعض المحللين.

التوافق المنشود

للتوافق سبيل، وهو سهل إذا سلكنا طريقه، وممتنع التحقيق إذا ابتعدنا عن طريقه بقصد أو بغير قصد، وهو "مقاربة الرؤى لترسيخ الحق الوطني، ويؤسس لدولة المؤسسات، بعيدا عن دولة المصالح الضيقة بالاتفاقات الشكلية التي تحول دون ترسُّخ أسس الديمقراطيّة ودولة القانون". وإن نقطة بداية التوافق هي الاعتراف المتبادل بأهمية كل طرف من أطراف المعادلة السياسية، والخطوة التالية تكون بلورة رؤية جامعة عبر جلسات تمهيدية تسبق الاجتماعات الكبرى بين القادة، ومن هناك يبدأ تطابق الأفكار، وتبادل التنازلات الفعلية لتحقيق هدف عام مشترك؛ فيحدث انسجام واتفاق وتفاهم مبدئي، على أسس من القيم المشتركة التي يُفترض توفرها كأساس لمبادئ التعاون والعمل المشترك في المراحل اللاحقة.

ولنا أن نتصور.. كم يكون مؤلما عندما يكون مصير أمة مرتبطا بمجموعات متعارضة وغير متوافقة سياسيا ولا وطنيا، وذلك بالنظر إلى رؤاهم المتباعدة بشأن مفهوم الفيدرالية كخيار تم تبنيه دون دراسة كافية ؛ مما خلق حالة من التنافر الدائم بين المكونات السياسية في الصومال.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.