شعار قسم مدونات

حافظ الأسد وخيانة العصر

BLOGS - hAFEZ
الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد (رويترز)
لا يخلو تاريخُ الأمم من خيانات عظيمة أودت بتلكَ الدول والأمم إلى الهاوية، وكانت السبب الأعمق في سحقها تماما وقتل فكرة النهوض من جديد، ومن أهم الدوافع لتلك الخيانات وعود العدو للخائن باستلام دفة الحكم والسيطرة المطلقة، أو وعود الثروة وملء الجيوب، وأطلق العنان لخيالك في تخمين الأرقام التي دُفعت لأولئك الخونة.

في المصائبِ التي حلت بالعرب -وما أكثرها- تتربعُ نكسة حزيران على قمة الخذلان العربي، وتعتبر الصفعةَ الأقوى لنا كعرب بعد ما رسمناه في مخيلاتنا من انتصارات قادمة ضد ما أسميناه الدولة المسخ "إسرائيل"، خصوصا بعد ما جرى من تقارب نوعا ما بين العرب في تلك الأيام وبعد التجهيزات التي حُضرت.

أسباب الهزيمة (نكسة حزيران)  كثيرة ولم تكن الأسباب متعلقة بالتفوق العسكري للعدو ولا المساندة الغربية له بل السبب هو خيانة حزب البعث السوري الذي مهد لذلك السقوط قبل اشتعال الحرب

كنا نرسم المستقبل لوطن عربي ينهض بعزم فيحررُ فلسطين ويطردُ الاحتلال، وها هو يبدأ مسيرة النهضة ليستقر على رأس الحضارات والقوى العالمية، ولكن مجرياتِ الحدث لم تكن كما توقعنا، وبعد النكسة جلسنا فحللنا وتعمقنا في الأسبابِ ثم أوكلنا الهزيمة -بكل سذاجة- لقوة العدو والدعم العالمي له، وقد درسنا في مدارسنا هذه الأسباب واقتنعنا بسبب الحنكة التي رسمت بها، ثم جاءتِ اللحظات فعرفنا ما كنا نجهل وما كانوا يخفون علينا.

إن أسوأ خيانات العصر الحديث هي خيانة "البطل والقائد الخالد" "حافظ الأسد"، لقد رسم لنكسة حزيران وخطط أكثر من إسرائيل نفسها، بمنصب وزير للدفاع كان هو ومن معه من قادة الدولة السورية وقيادة حزب البعث صانعي النصر بالنسبة لإسرائيل.

في أيام نكسة حزيران كانت قيادة سوريا هي التي طالبت بالحربِ، وهي التي بدأت إشعالَ فتيلها بحجةِ تحريرِ فلسطين واستعادةِ الأراضي المسلوبة، واشتركت معها مصر والأردن وقوات عراقية، ولكن الذي يزرعُ الشكَ والريبةَ أن سوريا لم تدخل فعليا إلى الحربِ إلا بعد (22) ساعة من بدايتها، ولو لم يُؤجل كل ذلك التأجيل لكانت تزعزعت إسرائيلَ بشدة، بل لكانت سقطت بسبب أن القواتِ الإسرائيليةِ في تلك الساعات مشغولة في جبهاتِ مصر والأردن، وما كان باستطاعتها تحمل ضغط جبهة أخرى تفتح عليها، كما أورد "إسحاق رابين" في مذكراته بهذا الخصوص، ولكن عوضا عن الظفرِ فالذي حصلَ هو فقدانُ أراض جديدة ومن تلك الأراضي "الجولان السوري"، مما يجعلنا نتساءلُ عن كيفية حدوث ذلك؟

ذكر "خليل مصطفى" الذي كان ضابطا في الجيشِ السوري وصاحب كتاب "سقوط الجولان" أنهُ من المستحيلِ أن تستطيع القوات الإسرائيلية اختراقَ الأراضي السورية بسببِِ كثافةِ القواتِ في المنطقةِ إضافة إلى المَنعةِ الجغرافيةِ لتلكَ المنطقةِ الجبليةِ الوعرة، ولكنهُ قد حدثَ ذلك، فكيف يمكن هذا؟ يَحق لنا التَساؤل.

تفنيدُ أسباب النكسة بحاجةِ إلى كتب ومجلدات والكثير الكثير من المعلوماتِ، وأغلبها مذكور في كتب ومقابلات لأناس شهدوا المرحلةَ وكانوا ضمنَ المطلعينَ على الأمورِ الجاريةِ، ولكن من أهمِ ما ذُكر كانَ على لسانِ الدكتور"سامي الجندي" سفير سوريا في باريس في كتابه "كسرة خبز": "إن إعلان سقوطِ القنيطرةِ قبلَ أن يحصل أمر يحار فيهِ كلَ تعليل نبنيهِ على حسن نية".

أسباب الهزيمة كثيرة ولم تكن متعلقة بالتفوق العسكري للعدو ولا المساندة الغربية له، بل السبب هو خيانة حزب البعث السوري الذي مهد لذلك السقوط قبل اشتعال الحرب بسنين، وبذكر بعض أفعال الحزب ستتضح الرؤية تماما، إذ قام الحزب الذي يسيطر على قيادة البلد بتسريح أغلب الضباط والجنود وأصحاب الخبرات والكفاءات وتعيين أناس "حزبيين".

النكسة (5 حزيران)  (الجزيرة)
النكسة (5 حزيران)  (الجزيرة)

وبعدها كان التأخر في دخول الحرب مما أنهك القوات الصديقة، تلاه ما وُصف بالفعل الأشنع في كل الحرب وهو إذاعة بيان سقوط القنيطرة حتى قبل سقوطها، حسب ما أورد الكثير ممن كانوا لا يزالون في المنطقة أثناء إذاعة الخبر، وكذلك حسب ما ذكره محمد الزعبي، الذي كان وزيرا للإعلام في ذلك العام، من أن هذا البلاغ الذي حمل رقم (66) هو بلاغ كاذب.

وبذلك البيان انهارت معنويات المقاتلين لمعرفتهم أن القنيطرة هي الخط الخلفي للجبهة وبسقوطها تعتبر جبهة الجولان كلها في يد العدو، ومن أذاع الخبر كان وزير الدفاع "حافظ الأسد" الذي استلم  في ما بعد رئاسة الجمهورية، فرغم ما كانت تعانيه سوريا في تلك الأيام من اضطراب سياسي وانقلابات لا تحصى فقد استطاع حزب البعث السيطرة على الحكم لفترة تمتد حتى الآن، وذلك طبعا بمساعدة إسرائيل التي كسبت بوجود حزب البعث أرضا جديدة أضيفت لدولتها، وحاميا ممتازا لحدودها، في رسالة واضحة إلى ارتباط بيع الأرض بالاستمرار في الحكم واستقراره والحصول على المساندة، كما فعل السيسي في أيامنا هذه بجزيرتي تيران وصنافير، فكان خليفة لحافظ الأسد في العصر الحديث في سنة الاستغناء عن الأرض للظفر بالحكم.

إن من المؤسف حقا رؤية نتائج هذا الفعل، فبعيدا عن كمية الأسلحة والذخائر والمستندات المهمة التي غنمتها إسرائيل، كان الضرر الأكبر هو الذي لحق النفوس، لقد استقر في أذهان الناس استحالة النصر على إسرائيل وعظمة الجيش الإسرائيلي وقوته الجبارة، ففي ظل كل هذه التجهيزات خسرنا حربنا فكيف تفعل بنا إسرائيل بعد ازدياد الفجوة بين قدراتنا وقدراتهم، كان هذا ما استقر في قلوب الغالبية العظمى ولو لم يبوحوا به. لو محينا كل شيء من آثار تلك الحرب وأزلنا مساوئها فإن لعنة تخييب آمال الناس التي آمنت بنصر تلك الحرب "المسرحية" ستلاحق الخونة حتى قبورهم، وستظل وصمة عار تعلو جبينهم وجبين من يؤيدهم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.