شعار قسم مدونات

جريمة قتل جماعي لم تتم!

blogs دواء

تزاحمت عليه الذكريات الآن، فلم يعد يستطيع أن يجزم، هل كانت العمارة التي سكنوها مملوكة للدكتور صمويل اسكندر أم أنها بسبب تلك اللافتة الضخمة المعلقة على بلكونة عيادته أصبحت تُنسب إليه، بل حتى عناوين البريد يكتب السكان عليها: (عمارة الدكتور صمويل اسكندر)، ليضمنوا دقة وصول رسائلهم.

 

لم يستطع أبدا أن يرسم ملامح محددة لوجه الدكتور صمويل، لكنه كان يربط اسمه دائما بملامح لرجل ودود أشيب غزير الشعر والذقن، ظلت تلك الملامح غائمة في خياله، حتى رآها واضحة ومجسدة على غلاف علبة شوفان، تجاور أخواتها على رف سوبر ماركت في مدينة إنجليزية، لم يكن غلاف العلبة ورقيا، وإلا لنزعه عنها ورماها، فهو لم يكن من محبي الشوفان، لكن صورة العجوز ذي اللحية البيضاء كانت مطبوعة على علبة معدنية، ولذلك اضطر لحملها في أمتعته، وحين سأله موظف الجمرك عنها قال له بهدوء: "دواء"، فلم يرتح الموظف للإجابة وسأله عن المرض الذي تداويه، فأجاب بثقة: "ضعف الذاكرة".

 

حين أراها العلبة، قالت أمه إنه بالفعل يعاني من ضعف الذاكرة، ولامته لأنه لم يستمع إلى نصائحها بالانتظام في أكل عين الجمل، وشرب الحلبة الحصى الموصوفة في كتاب (الطب النبوي)، لم تعد أمه تستغرب رغبته المُلحّة في استعادة وقائع طفولته، تقول ضاحكة إن "بعض العَبَط أرحم من بعض"، لكنها حين تضيق بإصراره على فرض تفاصيل تراها خاطئة، تتوقف عن أخذه على قد عقله، وتذكره بأنه كان في سن لا يحتفظ المخ فيها أصلا بالذكريات، ولذلك يستحيل أن يكون قد حفظ ملامح الدكتور صمويل الذي عالجه وهو في الخامسة من عمره، ثم رحل عن الدنيا بعدها بعام، لكنها تضيف أن صورة عجوز العلبة التي شالها على قلبه من بلاد الإنجليز، تذكرها بعجوز آخر يعرفانه جيدا، وحين يهتم بسؤالها عن شخص ذلك العجوز، تقول بعد تشويق لا يطول إنها تقصد عجوز "كنتاكي" الشهير، ثم تطلب منه أن يعمل حسابها إذا هفّه الشوق إلى "أوردر"، وتحذره من نسيان "الكولسلو والرز الزِنجر".

 

يقول لنفسه: لعله نسي الملامح حقا، لكنه لم ولن ينسى اسم الدكتور أبدا، ربما لأنه كان أول اسم مسيحي يصادفه، فقبله الأسماء كلها إما حُمِّدت أو عُبِّدت أو شاع ذكرها بين الناس، لم يكن اسم اسكندر غريبا في الإسكندرية، لكن "صمويل" كان الاسم الذي شغله كطفل، فأخذ يسأل خاله الأقرب إلى قلبه عن معناه، فيجيبه معابثا أنه يعني الصامولة التي يجب ربطها في عقول الأطفال المخاليل، وحين يلح في السؤال يجيبه أنه اسم مسيحي يشبه اسم اسماعيل "عندنا كمسلمين"، والإجابة على قصرها، ولّدت لديه أسئلة متوالية لم يفهم لماذا كانت تضايق الكبار، وحين كبر أصبح يدرك أنها كانت تضايقهم، لأنها كانت تنتمي إلى أصعب ما يثقُل على النفس مناقشته: المُسلّمات، التي لا يراها الأطفال كذلك، ولذلك نأخذهم ككبار على قد عقولهم، حتى يقتنعوا بطريقة رؤيتنا لها.

 

لم يستطع أبدا أن يرسم ملامح محددة لوجه الدكتور صمويل، لكنه كان يربط اسمه دائما بملامح لرجل ودود أشيب غزير الشعر والذقن، وظلت تلك الملامح غائمة في خياله

يتذكر أن مناقشة ساخنة اندلعت يوما بين خاله وخالته، حين تأففت من ترحم الخال على الدكتور صمويل، قائلة إن الرحمة لا تجوز إلا على المسلمين، وخاله قال لها إن دروس من وصفهم بـ "شيوخ آخر زمن" لحست مخها خلاص، يتذكر غضب خالته الذي ظل يلازمها طويلا، حتى لم يعد يذكرها إلا به، ويتذكر أنها بعد تجربة الزيجة القصيرة الفاشلة، لم تعد تشاهد معهم التمثيليات، ولا تشاركهم في مشاهدة شرائط الفيديو التي يحضرها الخال في يوم أجازته، وحين تعبر الصالة فترى مشهد رقصة، تنظر إلى أمه وتقول غاضبة: "عاجبك اللي بتعمليه في عيالك"، وتمضي محوقلة مستغفرة، فيقف خاله ليتأكد من دخولها الحمام، ثم يشارك الراقصة في رقصتها، والجميع يحاولون كتم الضحك.

 

يتذكر حين أرسلته خالته المرهقة لشراء دواء للصداع، مؤكدة عليه ألا يأتي به من الصيدلية التي تقع أسفل العمارة المجاورة، وأن يمشي خطوتين زيادة ليشتريه من الصيدلية المواجهة لمستشفى إيزيس، وحين سألها عن السر، شخطت فيه ليسمع الكلام، ثم لعلها خشيت أن يتحايل على تعليماتها، فقرّبته منها ومسحت على رأسه بمودة، وقالت وقد خفضت صوتها وعقدت حاجبيها، إنه لا بد أن يأخذ باله لأن الموضوع فيه حياة أو موت، ولأنه كان معروفا بأسئلته "الرزلة"، فقد استبقت أسئلته بقولها إن أصحاب الصيدلية المجاورة مسيحيون، وإنهم حين يأتيهم من يشتري الدواء، ينظرون إلى يده ليعرفوا من وجود الصليب عليها أو غيابه، ما إذا كان مسلما أم مسيحيا، فإن كان مسلما أعطوه دواء به مكونات تتسبب في الموت البطيء، ليقل عدد المسلمين، وكانت تلك المرة الأولى التي يعرف فيها أن عدد المسلمين كثير، وأن عدد المسيحيين قليل بشكل كان يزعجهم لدرجة القيام بالقتل.

 

يذكر أنه حين سأل خالته بحماس: لماذا لا يقبض البوليس على أصحاب الصيدلية القتلة؟ ردت بهدوء أكسب كلامها منطقية ملائمة لسنه، حين طلبت منه ألا ينسى أنهم صيادلة متخصصون، يدسّون السم بمهارة لا يستطيع أحد اكتشافها، وأن الكنيسة لذلك السبب تشجع المسيحيين على دخول كلية الصيدلة، لتنفذ مخططها في تقليل عدد المسلمين، ولكي لا يطيل في "فرهدتها" بالأسئلة، ذكرته بأنها تعرف ما تقوله، لأنها كانت تعمل موظفة إدارية في مستشفى، وطلبت منه ألا يخبر أحدا بتلك التفاصيل، وحين قال إنها يجب أن تخبر الجميع ليحذروا من شراء الدواء، شخطت فيه وطلبت منه أن يسرع، لأن الصداع الذي كان محتملا، صار "يفرتك دماغها" بسبب أسئلته ولماضته.

 

لم يكسر لخالته كلمة، واشترى لها الدواء من الصيدلية التي لا يضع أصحابها المسلمون السم في الدواء، وإن كان قد سألها في ما بعد، لماذا لا تقترح عليهم أن يضعوا السم في أدويتهم للمسيحيين، لكنها لم تتحمس للاقتراح، وقالت له إن المسيحيين أوعى منا بكثير، ولذلك لا يشترون أي أدوية من صيدلية صاحبها مسلم، وهو لم يُطِق كتمان تلك الأسرار طويلا، فصارح خاله بها، وبدا له أن خاله المصدوم والغاضب، يرغب في قول الكثير، لكنه لم يقله، بل اكتفى بأن يطلب منه التعامل مع كل ما تقوله خالته، بوصفه حكاية خيالية كالتي تأتي في برنامج سينما الأطفال، وأضاف أنه حين يكبر سيعرف الكثير لوحده، وهروب خاله من الشرح المستفيض، لم يُنهِ شكوكه في أهل تلك الصيدلية، فظل ينظر إليهم بحذر وريبة كلما مر إلى جوارهم، ويتخيل في نومه وصحوه بطولات وهمية، يبلغ فيها البوليس عنهم أو يقتحم بنفسه مصنعهم السري للسموم، مشهرا مسدسه وصارخا بعزم فيهم: "سَلِّموا نفسكم المكان كله محاصر".

 

يتذكر أن خالته لم تشارك الجميع في تأثرهم وأسفهم، حين باع ورثة الدكتور صمويل اسكندر شقة أبيهم بعد سنين من غلقها، وحين قام الساكن الجديد بعد شهور من إقامته، بنزع اللافتة السوداء الكبيرة التي اشتهرت بها العمارة، يومها ترحم الكل على الدكتور صمويل، وذكروه بكل خير، ومع أن ذكره لم يأت كثيرا بعد رحيله وبيع شقته ونزع لافتته، إلا أنه كان يحضر من حين لآخر، في معرض الحديث عن جشع دكاترة الأطفال أو نقص مهارتهم، فيقول الكل عنه إنه كان "دكتور شاطر ما عادش في زيه"، ويحكون عن عيادته التي فتحها للفقراء مجانا، ومع أنه قام بتعليق لافتة بثمن الكشف خلف سكرتير عيادته، إلا أنه كان يقبل بأي مبلغ يدفعه المترددون عليها، حتى وإن كان ورقة بخمسة ساغ.

 

سأل خالته في ما بعد، لماذا لا تقترح عليهم أن يضعوا السم في أدويتهم للمسيحيين، لكنها لم تتحمس للاقتراح، وقالت له إن المسيحيين أوعى منا بكثير، ولذلك لا يشترون أي أدوية من صيدلية صاحبها مسلم
سأل خالته في ما بعد، لماذا لا تقترح عليهم أن يضعوا السم في أدويتهم للمسيحيين، لكنها لم تتحمس للاقتراح، وقالت له إن المسيحيين أوعى منا بكثير، ولذلك لا يشترون أي أدوية من صيدلية صاحبها مسلم
 

يتذكر استغرابه حين يقولون ذلك كدلالة على تفاهة شأن الخمسة ساغ، التي لا يرونها مثله شيئا ذا قيمة، ويقول لنفسه: آه لو عرفوا بمواظبته على سرقة أوراق الخمسة ساغ والعشرة ساغ، وتدكينها في شق الأرضية الخشبية القديمة في طرف غرفته، فإن اكتمل منها ما تجميده ربع جنيه، طار بها إلى بائع الكتب القديمة أسفل العمارة، الذي يترك محله لابنته الجميلة، التي عرف أن خاله الآخر كان يحبها، ولطالما حسده عليها، قبل أن تترك خاله، ويترك أبوها المحل والمنطقة، فيضطر للتعامل مع كشك الجرائد المواجه للفرارجي، والذي اكتشف لديه أن كلمة (سوبر) تضيف إلى أسعار مجلة ميكي ما لا يقدر عليه، وأن أعداد (تان تان) و(لاكي لوك) ليس لها طريق إلا السرقة.

 

يتذكر كيف تغيرت استراتيجيته، بعد أول علقة نالها من جدته، لأنها لم تصدقه حين قال إنه وجد ربع جنيه في الشارع، فاشترى به مجلة سوبر ميكي، لم يكن قد تصالح بعدُ مع قسوتها، ولمس الحب المخبأ بإحكام داخل تكشيرتها الدائمة، لكنه كان يقول لنفسه: هي على أي حال لا تضرب بافتراء مثل أبيه، ولا تعظ طويلا كأمه، تضرب سريعا وتنسى سريعا، وتشتم وتعد بالويل والثبور، ثم تهدأ وتنشغل بمتابعة (فالكون كريست)، وتسمح له أن يشاركها الفرجة، شريطة أن يغمض عينيه في مشاهد البوس.

 

بعد العَلقة، لم يعد يصطحب المجلات معه إلى البيت، يشتري العدد أو يسرقه، ويختار رصيفا ليقرأ المجلة عليه، مغيرا جلسته بانتظام، لكي لا ينطبع الرصيف على مؤخرته، ولعل ذلك ما أكسبه سرعة القراءة التي كانت تثير غيظ زملائه، يعيد المجلة إلى الكشك بعد أن ينتهي، ويقول إنه سيستبدلها في الغد بعدد آخر من مجلة أخرى، ليوفر ثمنها، للرمرمة في عربة المكرونة الملاصقة لفرن الفينو، أو عربة الكبدة المواجهة لمبولة "الفُقهاء"، التي حملت اسمها من القهوة المجاورة، التي يتجمع عليها المقرئون في انتظار مقاولة على عزاء جديد، أو يوفرها لشراء سندوتشات الفول الأشهى في حياته، والتي كان يشتريها، كلما أرسلوه إلى شارع (زين العابدين)، ليحضر لهم اللبن الصابح، من محل لم تكن الجدة تؤمن بغيره، تعطيه ثمن تذكرة الترام ليركب من محطة مصر القريبة، فيرتجل في فنون التزويغ من الكمساري في الذهاب والعودة، ليشتري سندوتش فول إضافي من المحل الملاصق لبتاع اللبن، يأكله بالذات بنهم ممزوج بالفخر، لأنه لم يضطر لشرائه بفلوس مسروقة، ولم يكن يعتبر التزويغ من الكمساري سرقة، لأن خاله الذي سبق أن سافر إلى أوروبا في رحلة جامعية، قال له إن الأطفال هناك يركبون المواصلات مجانا.

 

يتذكر أن خالته لم تشارك الجميع في تأثرهم وأسفهم، حين باع ورثة الدكتور صمويل اسكندر شقة أبيهم بعد سنين من غلقها، وحين قام الساكن الجديد بعد شهور من إقامته، بنزع اللافتة السوداء الكبيرة التي اشتهرت بها العمارة

أعطت تلك المشاوير لحياته معنى لم يكن قد عاشه من قبل، ولعله لم يعش مثله من بعد، لكن مغامرته الأكثر إثارة وتشويقا، كانت حين سرح ذات يوم في مشوار شاركه فيه صديقا صِبا، حيث قادهم التسكع إلى شوارع غيط العنب، ومنها إلى مخازن القطارات القديمة التي ظلت لفترة طويلة مستقرة هناك، وفي طريق عودته تذكر مفزوعا أنه كان مكلفا بشراء دواء للأنفلونزا التي كانت يومها متفشية في البيت، كانت جدته قد وضعت له ثمن الدواء داخل غلاف العلبة، لكيلا يخطئ في اسمها، ووعدته بنهار أسود من قرن الخروب إن أضاع العلبة وما فيها. لم يعد يتذكر، هل جرى في البدء نحو صيدلية إيزيس فوجدها مقفلة؟ لكنه يتذكر أنه وجد نفسه داخل صيدلية المسيحيين التي حذرته منها خالته، وأنه مد يده بالعلبة للصيدلانية الشابة، التي استقبلته بابتسامة لطيفة، وأخذت تسأله عن سر لهاثه وعرقه، وحين لم يتجاوب معها، وضعت الدواء في كيس ورقي، واستوقفته ليأخذ الباقي الذي نسيه، ويتذكر أن ما قوّاه على فعلته، كلام خاله عن ضرورة عدم تصديق ما تقوله الخالة.

 

ولأنه كان معروفا في البيت بغرابة أطواره، لم يتوقف أحد عند نظراته الزائغة المطولة إلى الذين أخذوا الدواء منهم، ولم يُثر ريبتهم حرصه على التأكد من استيقاظهم صباح اليوم التالي، ولا أسئلته المتكررة عن شعورهم بالتحسن، ليدرك سريعا أن خاله كان محقا في ما قاله، فينشغل تماما عن جريمة القتل الجماعي التي لم تتم، بالتفكير في ما سيفعله بالنصف جنيه الذي "خنصَره" من باقي ثمن الدواء، والذي لم يكن متأكدا هل تركته الجدة بمزاجها مكافأة له، أم أنها نسيته، وكان قد عزم على تجربة اختراع طبق الكشري بالكبدة الذي سمع صديقيه يقولان فيه قصائد شعر بالأمس، ويثنيان على كشري (الصاروخ) الذي أكلاه عنده، والذي يكتسب الأكل لديه متعة إضافية، لأنه يقع مباشرة على شريط الترام الذي يعبر بميدان المحطة، الذي لم يقتنع أحد عبر السنين الطويلة، بمناداته بالاسم الذي اختارته له الحكومة: ميدان الشهداء.  

 

يتذكر أنه قبل أن يعقل وتهده الدنيا قليلا، كان يستلذ بالدخول في مماحكات مع أبناء المدن الأخرى، عن خصوصية أكل الشارع في الإسكندرية، وتفرده بالنظافة واللذة، ثم يتذكر أن تلك التفاصيل التي يفاخر بها، لم تكن تعني له شيئا وهو طفل، فقد كانت قيمة أكل الشارع الحقيقية أنه كان الفاكهة المحرمة التي يحذره كل من في البيت منها، لأنها ستصيبه بالدودة الشريطية، التي تسكن الأمعاء وتتغذى عليها حتى تصبح بحجم الثعبان، مما قد يضطرهم لنزع أمعائه فيكمل حياته بمصارين فاضية، لكنه كان يتعامل مع تلك التحذيرات بنفس تعامله مع تحذيراتهم من المجلات المصورة التي تُربّي العبط في نافوخ العيال، وتكرههم في كتب المدرسة.

 

لكن ذلك لم يكن رأي خاله الأعزّ، الذي كان يشجعه على قراءة المجلات، منذ عرف بسره من فتاته، صحيح أنه غضب حين رآه يجلس على الرصيف، يقرأ ويأكل سندوتش فول باستمتاع "المفجوع"، لكنه لم يفشِ سره ولم يمد يده عليه، حين خمّن مصدر مال المجلة والسندوتش، وفي الصباح التالي، أيقظه من أحلى نومة، ليفطر معه قبل أن ينزل إلى شغله، ولم يكن قد استيقظ في البيت سواهما، أشار الخال إلى طبق الفول "المتحبِّش" بالطحينة والبصل والفلفل، وقسم رغيفا كان إخوته الخارجين بنار الفرن، قد فُرِّدوا فوق صحيفة على الكنبة، وقال مبتسما: "كل وقل لي رأيك يا معفّن"، ليبدءا طقسا ظلا يتشاركانه سنين طويلة، قبل أن تبعدهما الدنيا بتلاهيها وبلاويها عن مثل ذلك الروقان، وقبل أن يعرف منذ أيام، أن عمارة الدكتور صمويل اسكندر انهدّت بعد أن باع كل ساكنيها القدامى شققهم، وغادروا المنطقة إلى أماكن أروق وأهدأ، لكن المالك الجديد لم يستفد منها شيئا بعد أن هدمها، لأنهم وجدوا أسفلها آثارا رومانية، فأعلنوها منطقة أثرية، ولا يظنهم سيتفهمون الأمر، لو طلب منهم أن يكتبوا على اللافتة المعلقة على السور المحيط بالأرض: "هنا كانت تقف وتعيش عمارة الدكتور صمويل اسكندر".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.