شعار قسم مدونات

المواطن والنضج الحقوقي

Blogs- chad
غياب الوعي الحقوقي وثقافة المطالبة بالحقوق والحريات الأساسية، والعصيان المدني، وممارسة الضغط النقابي والمدني، تعتبر مؤشرات على مدى نضج أي مجتمع، وهي ميزات تشترك فيها معظم الشعوب التي ترفض العيش في أوضاع سيئة ومتصاعدة في التدهور يوما بعد يوم. الشعب التشادي يذوق الذل ويعاني الحرمان من الأساسيات في الحياة، منذ الاستقلال وإلى كتابة هذه المقالة، كل شيء من سيئ، إلى أسوأ.

أنا لا أريد أن أكون سلبيا وأنقل الجوانب المظلمة من بلدي -كما يحاول تصويره الإخوة الذين يتحدثون باسم الحكومة ويدافعون عنها بكل ما أوتوا من قوة، سواء كان ذلك بسبب الولاء القبلي الذي يربطهم بالنظام والرئيس، أو انطلاقا من مبدأ المصلحة من النظام، أيا كان السبب فإنهم أحرار. الأوضاع الاجتماعية التي يعيشها شعبنا المغلوب على أمره، تفرض عليه أن يرفع من وعيه الحقوقي والنضالي عبر القنوات السلمية والمدنية التي باتت تؤتي أكلها في السنتين الأخيرتين، نعم لم تسطع أن تسهم في إيجاد حلول لكنها استطاعت أن تضغط على الحكومة وتقف أمامها وتقول لها "لا"، وإن كانت بشكل غير فعال، إلا أن النضال الذي تقوم به جمعيات المجتمع المدني جهد يستحق الدعم والإشادة، بل ويستحق المشاركة والانخراط فيه لأننا لم نعد نملك سوى خيارين:

الخيار المسلح الذي جربناه منذ عام 2006، وإلى اليوم هناك من يرابط على تخوم البلاد الشمالية والشرقية، فقد اختاروا خيار النار -طبعا الخيار المسلح هو الخيار الذي استخدمته الأنظمة منذ الانقلاب على فلكس ملوم إلى اليوم، لذا فهو حاسم في حسم الموقف لكنه مكلف جدا، والحرية تكلفتها باهظة دائما.

كل ما نستطيع أن نمارسه كشعب في مواجهة الأمن والعسكر، وهو أمر مجدٍ ومؤثر حقق الكثير من الأهداف، لأن الغليان الاجتماعي المنقول عبر الإعلام الاجتماعي يعري الحكومة ويضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي

أما الخيار الآخر في طريق الحرية والكرامة والعيش والرفاهية؛ هو النضال السلمي والحرب النقابية والضغط الشعبي الذي بدأ ينضج فيه المواطن التشادي بشكل ملحوظ، مع الانفتاح على العالم وظهور التقنية والمنصات الاجتماعية في التواصل الاجتماعي الذي ملك (بتشديد اللام)  كل واحد فرصة التعبير والنقل والبث الحي للأحداث، ذلك أن الحكومة لم تعد قادرة على احتكار الإعلام كما كانت، فنشطاء التواصل الاجتماعي باتوا يمتلكون الأدوات الإعلامية ذاتها بل وأسرع وأكفأ من الإعلام الحكومي المتهالك الذي يمتلك كل شيء إلا الكفاءة والمهنية! 

لا أريد أن أتحدث بمنطق الجنوب والشمال، لأن الوطن لا يمكن أن يتجزأ في النضال، ولكنني هنا مضطر بأن أشير إلى نقطة مهمة وهي أن المواطن التشادي في الجزء الجنوبي من الوطن أكثر وعيا وأنضج من الناحية الحقوقية، هذا التباين في النضج الحقوقي والمدني يبدو واضحا في الأحياء الجنوبية من العاصمة إنجمينا وإلى أقصى الجنوب، لا أريد أن أبخس من دور المناضلين والأحرار في مختلف جمعيات المجتمع المدني، ولكنني فقط أردت وضع يدي على هذا الجرح الذي بدأ يلتئم في السنوات الأخيرة، وذلك بانتقال العدوى الحقوقية -إن جاز لي التعبير- إلى قطاعات لا بأس بها في مختلف الطبقات الاجتماعية، وهذا تطور إيجابي يستحق الدعم والتطوير.
 
للأسف الشديد، مدارسنا وجامعاتنا  في الأحياء الشمالية من العاصمة عادة تسارع في تسريح الطلاب والتلاميذ وإغلاق المؤسسات إذا ما سمعت باحتجاجات في ثانويات فلكس أوبي، الفنية التجارية، جامعة إنجمينا.. وكأننا في دولتين؛ إحداهما تعيش الظلم والقهر، والأخرى في جنة ورفاهية!! لكن، الحمد لله بدأ الجميع ينضج، ويفهم الحقيقة، فقد شاهدنا يوم أمس كتلا وتجمعات طلابية في مختلف أحياء إنجمينا، بل واستجاب الجميع لنداء التجمعات النقابية التي دعت للإضراب.
 
كلنا ضد التخريب والاعتداء على المرافق العامة وممتلكات المواطنين، وكلنا مع الاحتجاجات السلمية، والإضرابات والعصيان المدني والضغط السلمي، والحوار مع الحكومة، لأن هذا كل ما نستطيع أن نمارسه كشعب في مواجهة الأمن والعسكر، وهو أمر مجدٍ ومؤثر حقق الكثير من الأهداف، لأن الغليان الاجتماعي المنقول عبر الإعلام الاجتماعي يعري الحكومة ويضعها في موقف حرج أمام المجتمع الدولي الذي يمتلك ملفات وأوراق ضغط كثيرة، يمكن أن يمارسها ضد الحكومة .

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.