شعار قسم مدونات

اختلاق حديقة الملك داود

BLOGS مدينة داوود

نشر د.مائير مارجليت في كتابه "إسرائيل والقدس الشرقية استيلاء وتهويد"، وثيقة رسمية لمهندس بلدية القدس في تشرين الثاني/نوفمبر 2004؛ وبما أنها وثيقة مهمة توضح الكثير فإن من المناسب أن ننقل عنها بلكامل وبكلماتها، تقول: "الموضوع: إجلاء البيوت غير الشرعية في وادي الملك (Kings Vally)". بداية القدس هي في مدينة الملك داود، فعلى هذا التل والمناطق المحيطة به توجد البقايا الأثرية منذ خمسة آلالف سنة خلت، ولهذه البقايا قيمة كبيرة دولية ووطنية، وتوفر للمدينة مكانتها كواحدة من المدن المهمة في العالم.

 

ووادي الملك، الذي هو أحد المكونات المهمة لوادي قدرون (Kidron Vally)، يُشَكِّل مع مدينة داود وحدة أثرية كاملة تتواصل فيها جميع المواقع، وتشكل بدورها مُكوِّناً هاما لفهم الكل المؤلَّف من أجزاء وحقبات مختلفة. لقد تقرر من الناحية التشريعية منذ بداية التخطيط الحديث للمدينة في عهد الانتداب، أن الوادي المحيط بالبلدة القديمة (بما في ذلك وادي الملك) سيكون مناطق مفتوحة، وشجعت سلطات التخطيط الإسرائيلية أيضا على هذا النهج.

 

رغم عشرات الطبقات الأثرية التي تم التنقيب عنها في مدينة القدس، فلم يوجد هناك أي دليل يثبت وجود الملك داود أو يهودا أو أي ملك آخر، فعلم الآثار لا يستطيع ولا يجدر به أن يثبت أو لا يثبت صحة وجود أي ملك في أي موقع اثري

ففي خطة البلدية للبلدة القديمة والمناطق المحيطة بها التي تم إعدادها في سبعينيات القرن العشرين، جرى تحديد النقاط الهادية للتخطيط والتنمية، وكيفية استخدام الأرض، وشبكة الشوارع، وكذلك النقاط الهندسية الهادية بالتفصيل، وذلك من أجل المحافظة على طابع المدينة الواقعة داخل السور، وأيضا كل المنطقة التي تقع في حوض البلدة القديمة. ووفق هذه الخطة تم تحديد منطقة وادي الملك منطقة عامة مفتوحة، "ونظرا لكل ما سبق ذكره فإنني آمر هنا بإزالة كل الأبنية غير الشرعية في وادي الملك".

 

إن هذه الوثيقة تحتوي في داخلها على خطة هدم البيوت في منطقة حي البستان بادعاء أن هذه المنازل غير قانونية وبأن المنطقة ذات "أهمية تاريخية" (كما أُعلِن). وذلك من أجل قلب المشهد الديمغرافي والحضاري وإعادة هندسته عبر محو الطابع العربي الفلسطيني، وإضفاء واجهة يهودية بكامل ألوانها عليها؛ أي "تلفيق أورشليم توراتية وطمس القدس الفلسطينية".

 

أدل مثال على ذلك النهج: ربط حى البستان بـ"حديقة مدينة داود الأثرية" المذكورة في الكتاب المقدس، حيث استوحت فكرتها من تفسير للعبارة التوراتية "حديقة الملك"، وهي شكل جديد من أشكال الاستعمار الاستيطاني في القدس، الذي يهدف إلى إنشاء رموز دينية تعويضا لفشل الرواية "الإسرائيلية" بوجود آثار يهودية في المدينة المقدسة.

 

ينسج موقع وزارة خارجية العدو الصهيوني على الشبكة العنكبوتية، وجهة نظر رسمية حول "حديقة مدينة داود الأثرية" ويُقدم البقايا الأركيولوجية من العصور القديمة باعتبارها توراتية، فقد جاء فيه: "تقع [حديقة مدينة داوود الأثرية] على تل في القسم الجنوبي من البلدة القديمة، وتشمل هذه الحديقة بالإضافة إلى ينبوع "غيحون" الذي يقع على سفح التل، -تشمل الحديقة- بقايا لقلاع كنعانية وأخرى يعود تأريخها إلى عهد مملكة "إسرائيل"، وكذلك مبنى كبيرا يرتفع إلى 15 مترا من القرن العاشر ق.م يعتقد أن الملك داود قام ببنائه، وذلك إلى جانب ديار من عهد مملكة يهودا من القرنين الثامن والسابع ق.م".

 

لتعويض النقص في المكتشفات الأثرية، لجأت جمعية
لتعويض النقص في المكتشفات الأثرية، لجأت جمعية "إلعاد" الاستيطانية إلى استثمار منتزه "حديقة مدينة داود الأثرية"، وملأته بنماذج وشعارات ومجسمات على اعتبار أن هذا الأمر سيمنحها وجودا دينيا بالمدينة
 

ومع ذلك فإن البقايا الأركيولوجية تؤكد على أن مدينة القدس عبر تاريخها الطويل لم تكن مدينة يهودية، يقول يوناثان مزراحي، في مقاله "أين تقع حديقة الملك التوراتية؟"، (06/07/2010): ورغم عشرات الطبقات الأثرية التي تم التنقيب عنها في مدينة القدس، فلم يوجد هناك أي دليل يثبت وجود الملك داود أو يهودا أو أي ملك آخر، فعلم الآثار لا يستطيع ولا يجدر به أن يثبت أو لا يثبت صحة وجود أي ملك في أي موقع أثري، فالبحث الدقيق عن موقع الحديقة التوراتية هو مهمة صعبة إذا لم تكن مستحيلة. لمزيد من التفاصيل حول شبح داود، يُراجع مقالنا: كيف كذَب علم الآثار مملكة داوود القديمة؟

 

لتعويض النقص في المكتشفات الأثرية، لجأت جمعية "إلعاد" الاستيطانية (Elad Foundation) [التي تعني أولياء مدينة داوود أو العودة إلى مدينة داوود (El Ir David: to the City of  David)] إلى استثمار المنتزة التاريخي "حديقة مدينة داود الأثرية"، وملأته بنماذج وشعارات ومجسمات ورموز مما وصفته أو تحدثت عنه التوراة، أو ارتبط  بشخصيات دينية ورمزية من شخصيات التوراة، على اعتبار أن هذا الأمر سيمنحها وجودا دينيا في المدينة وإن لم يكن له رصيد من التاريخ أو من الآثار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.