شعار قسم مدونات

أكذوبة "والله ما جئنا إلا لنصرتكم"

BLOGS - Jabhat al-Nusra

ربما تكون هذه العبارة صحيحة مئة بالمئة، ومع الإيمان الذي تُستهل به دائما فيما لو كان المخاطب هو نظام الأسد ولا أحد سواه. تسللت أفعى النظام إلى المناطق المحررة متشحة بالسواد تفعل ما يعجز النظام عن فعله في المناطق المحررة من قمع للمظاهرات المطالبة بالحرية والكرامة والعدالة، إلى زجّ الثوريين في السجون وتعذيبهم حتى الموت، وتنفيذ الاغتيالات وإرسال المفخخات لإسكات الناس وخنق صوت الحرية الذي صدح في 2011 وزلزل عرش الطاغية.
 
عمد النظام في خطابه ومنذ اليوم الأول لاندلاع الثورة على تسمية الثائرين طلابِ الحرية بالجراثيم، والجماعات الإرهابية والمخربة، ورفض الاعتراف بأي شكل من الأشكال بوجود ثورة أو حتى وجود أدنى رفض أو استياء شعبي من ممارسات النظام وإجرامه بحق الشعب، ويتضح هذا ويتجلى من خلال الآلة الإعلامية للنظام التي لم يظهر فيها علم الثورة ولا لمرة واحدة، ولم يذكر على لسان مراسليها الحربيين سوى وجود عناصر من جبهة النصرة في كل معاركهم التي خاضوها ضد الشعب السوري.
 
وامتلأت نشرات الأخبار والدراما لديهم بالحديث عن داعش والجماعات الإرهابية المتطرفة التي تسعى للنيل من استقرار سوريا والفتك بالشعب المحب لرئيسه الهائم به، والمتوسل له، والذي لا يتوانى عن تقبيل بل ولعق الأحذية العسكرية التي هي كل الأمل لدى هذا الشعب في تخليصه من الإرهاب. هكذا دأبت الآلة الإعلامية للنظام، وهكذا سعى هذا النظام إلى وسم الثورة وصبغها بسواد جبهة النصرة. وكذلك فعلت أيضا وساهمت في تغذية هذه الدعاية العديد من الوكالات الإعلامية العربية والعالمية.
  

انتفضت رجولة صبيان الجولاني بعد أن احترقت كل خيارات المقاومة الفعالة من داخل الحصار ليشنوا هجوما من خارجه على منطقة الراشدين رافضين الاتفاقات مع الكفار!

عمد نظام الأسد إلى تغييب الكثير من النشطاء وأصحاب الفكر الثوري من الذين تمكن من اعتقالهم في ظلام السجون كما تفعل جبهة النصرة، وأطلق سراح الكثيرين ممن يسمون اليوم بـ"الإسلاميين" من أصحاب الفكر المشوه والتكفيريين، ولا يخفى على أحد الباع الطويل لنظام الأسد في التعامل مع الإسلاميين وتدجينهم إن صح القول وخاصة إبان حرب العراق.
    
حيث أطلق لهم العنان وساهم في تقديم المنهج التكفيري لهم ودربهم وحشدهم على يد أمهر ضباط المخابرات لديه، وليس "القعقاع" إلا علما من رجالات النظام في ذلك الوقت، ثم أعادهم إلى السجون ثم أطلق سراحهم وهو يعلم تماما ماذا سيفعل هؤلاء؛ سيشكلون التنظيمات العابرة للحدود التي تستخدم الدين كمطية لها، والسهلة الانقياد وراء أي ضابط مخابرات محلي أو أمريكي أو حتى روسي، يصلي ويصوم ويكفر الحكومات والأفراد وفق تأويلات مبهرة ويكفر من لم يكفرهم، ويكفر من لم يكفر أولئك الآخرين. ولديه من الشجاعة والإقدام ما يكفي ليقطع الأيدي ويجلد الأجساد كما يأمر دينهم.
وفي الحقيقة ليس الدين إلا عباءة ترتديها شخوص براغماتية لا تسعى إلا للسلطة والسيطرة أو أخرى ذات أجندة مخابراتية بحتة، وبالتأكيد فإنها لا تجد حرجا في أية وسيلة نحوها.
    
أما عن المسميات وإفلاسها جميعها؛ إن قال قائل "لم يعد هناك ما يسمى جبهة النصرة، كفاكم كذبا" فإن جبهة النصرة، فتح الشام، هيئة تحرير الشام كلها واحد. لكن، الغريب كيف أن أول ما يهاجم به أتباع هذا التنظيم كل من يشير إلى زيفهم المكشوف هو الاسم، باعتباره الحجة المخرسة أمام ما نفتريه! حيث إن جبهة النصرة فكت ارتباطها بالقاعدة وتنازلت عن الاسم وغيرته!
    
لنفترض جدلا أن جبهة النصرة جادة فيما ادعت وتريد أن تقنعنا بفك ارتباطها عن تنظيم القاعدة الذي أفلس في كل مكان حل فيه. في عالم التسويق عادة تقوم العديد من الشركات التي تبحث عن أفق جديد بتغيير الاسم وطرح المنتج باسم جديد في الأسواق على أنه منتج جديد، على سبيل المثال؛ شركة بيبسي الأمريكية المشهورة بإنتاجها للمشروبات الغازية، ظهر أول منتج لها في عام 1893 باسم "Brad’s Drink" أو مشروب براد تيمنا باسم مخترع هذا المشروب الغازي كاليب برادهام، وظلت بهذا الاسم حتى عام 1898 حيث تم تغييره إلى بيبسي لأن الاسم القديم كان له شهرة آنية ثم خفتت شهرته. ومن المؤكد أن شركة بيبسي لم تكن تشير في إعلانها وترويجها للاسم الجديد بأنها هي نفسها مشروب براد سابقا والذي خفت بريقه!

  

إن غياب جبهة النصرة يعني غياب الشماعة التي يعلق عليها نظام الأسد كل جرائمه ومذابحه، ويعني سقوط ورقة التوت التي يستر بها نفسه أمام العالم
إن غياب جبهة النصرة يعني غياب الشماعة التي يعلق عليها نظام الأسد كل جرائمه ومذابحه، ويعني سقوط ورقة التوت التي يستر بها نفسه أمام العالم
     

أما جبهة النصرة، فخرج المنتقدون والمصلحون والمناهضون بخطب ومقالات ومطالبات لجبهة النصرة بحل نفسها وفك ارتباطها، ثم أخذ يتردد صد ورد حول ذلك، وعقدت الاجتماعات ثم بعد جهد جهيد خرجت من جبهة النصرة البيانات والتبريرات والخطابات التي كانوا يمنون بها على الشعب لتعلن أنها ليست جبهة النصرة بعد الآن! وليست تابعة للقاعدة، وأصبحت هي كما هي بكيانها نفسه فتح الشام. لا أعلم بعد كل هذا لماذا أثارت  كل هذا الاهتمام والجدل قضية تغيير الاسم. ليس غباء من قبلهم بقدر ما هو استغباء لمن حولهم.
    
أما عن التجنيد ضمن صفوف هؤلاء، فهناك العديد من الأسباب والتي لست بصدد مناقشتها هنا والتي أدت إلى انقياد الشباب وراء سحرة فرعون، سحرة لأن من يتبعهم لا لدين أو لخلق فيهم وإنما لوهج الإنجاز المتبرج بالأسطورة التي يصدعون بها رؤوس الناس، وبأنهم سيعيدون أمجادها وأسفارها. حتى وإن كان هذا الإنجاز مبنيا على الكذب والدجل وأشلاء الأبرياء والدم الذي حرم الله.
  
كل الدين ينقلب بين أيديهم وألسنتهم رمادا أسودا، وكل ذهب العمر حين كان المسلمون أئمة العدل وحراس الإنسانية يستحيل معهم ترابا، إلا أن الأتباع لا يرون إلا البريق الذي تبرجت به جرائمهم. حملات اعتقال لنشطاء ثوريين، مداهمات لمخازن سلاح لفصائل الجيش الحر، حرق أعلام الثورة، إبادة وقتال فصائل الثورة، طمس كلمة حرية من على الجدران، فيرتاب الناس، ثم يخرج غراب لديهم ليشرعن ما ارتكبوا بالدليل والبرهان من الكتاب والسنة، فيصدقوا حجته بغض النظر ما إذا كان يقول الحقيقة أم لا، يكفي أنها حجة يقولها من يفهم في الدين لأولئك "العوام"! ثم يأتي دور فتح معركة ما للتبرج، أو عملية تفجير في مناطق النظام، فيفرح العوام ويصفقون، وينسون سلسلة الجرائم التي قام بها هؤلاء المتتالية والمستمرة. والغريب لدى العوام -كما يطلق عليهم أعلام جبهة النصرة وشرعيوها- أن لديهم ذاكرة عجيبة، تماما كالمأخوذين بسحر.
  

سمح نظام الأسد لجبهة النصرة أن تتمدد على حساب أي مشروع ثوري آخر، وسعى إلى تفتيت فصائل ومؤسسات الثورة والمعارضة بالتبعية والتفرقة، ولا ينفي ذلك مسؤوليتنا نحن أبناء الأرض والثورة

إذا كانت حادثة المدن الأربعة قد نُسِيت الآن، والتسليم الذي حصل مقابل أسرى غير سوريين في بلد آخر مع العلم أن مئات الآلاف من السوريين ما زالوا يقبعون في سجون الأسد لقاء مصالح شخصية بحتة لقادة هذا التنظيم. فليس ما حصل في حلب ببعيد، ففي ذات الليلة التي تم فيها توقيع الاتفاق على خروج من تبقى في حلب وسط توتر شديد بين كل أطراف الاتفاق وتخوف من ارتكاب إبادة جماعية بحق من تبقى على قيد الحياة داخل المدينة بعد سلسلة طويلة من المجازر المتتالية في المدينة المحاصرة.
   

انتفضت رجولة صبيان الجولاني بعد أن احترقت كل خيارات المقاومة الفعالة من داخل الحصار، ليشنوا هجوما من خارجه على منطقة الراشدين رافضين الاتفاقات مع الكفار! أما عن الآلاف القابعين داخل المدينة يرقبون مصيرهم فبالنسبة لهم: ليذهبوا إلى الجحيم! بعد ساعات من بدء المعركة هددت روسيا بإلغاء الاتفاق وتنفيذ الإبادة بحق من تبقى، وعُملت الوساطات واستنفر الجميع جراء معركتهم العبثية التي ما خاضوها لأجل دماء تزهق ولا لأي شيء سوى المقابل الذي حصلوا عليه مقابل أن يوقفوا المعركة! 

   

بعد أيام فقط، امتلأت القافلة الثانية التي خرجت من حلب المحاصرة بجنود النصرة جميعهم، مع العلم أن آلاف المدنيين من نساء وشيوخ وأطفال لم يكونوا قد خرجوا بعد، وترك جنود النصرة خلفهم مجموعة صغيرة فقط من عناصرهم لتخرج مع أواخر القوافل لتزايد لاحقا على المنخدعين بهم بقولهم إننا آخر من خرج من المدينة، المهم في الموضوع أن تلك القافلة التي عجت بهم كانت تحمل أيضا أسرى إيرانيين.
      
الأمر الذي فيما لو تم كشفه في ظل الجو الشديد التوتر آنذاك بين الأطراف فلن تحمد عقباه، وخاصة أن الإيرانيين كانوا غير راضين عن كل الاتفاق الذي حصل بخروج من تبقى، ويريدون القتال لدرجة أن الروس قاموا بقصف مواقع إيرانية كانت تستعد للهجوم من أجل ضبطهم، فلكم أن تتخيلوا ما مدى التوتر الحاصل.

  

undefined

  

وبينما ذلك، وما أن وصلت قافلة النصرة إلى الطرف الآخر في إدلب، ما كان من أحد قادتهم الخارجين حديثا إلا أن أوصل رسالة إلى المسؤول العسكري الإيراني في كفريا والفوعة مفادها حرفيا: "كلابك صاروا عنا"، وهنا جن جنون الإيرانيين وقاموا باحتجاز القافلة التي تليها وأهانوا من فيها وجردوهم من متاعهم وأموالهم وقاموا بقتل أربعة منهم وأعادوا من تبقى إلى داخل المدينة بعد احتجاز طويل، ثم توقفت المفاوضات من جديد وأعلنت روسيا أن المدنيين قد خرجوا إلى إدلب ومن تبقى داخل حلب هم ثلة من الإرهابيين، علما أنه لم تكن قد خرجت حتى ذلك الحين سوى قافلة واحدة للمدنيين جلهم من الجرحى والمرضى وأخرى للنصرة!

       
وحاشا أن أكون هنا في صدد اتهام أو إثبات تهم أو سرد قصص لم تحدث تشويها لصورتهم، المشوهة أصلا. فما جرى ويجري واضح وجليّ. والسياق العام لأفعالهم على مدى سنين الثورة لم يكن -وإن بدا غير ذلك مرات- يخدم القضية السورية ولا أهلها، وليست ببعيدة أيضا الأحداث الأخيرة حين قاموا بالانسحاب من العديد من القرى في ريف إدلب الجنوبي وتسليمها للنظام الذي ما زال يتقدم في تلك المناطق، بينما توجهت بنادقهم ورجالاتهم في ذات الوقت نحو طلاب جامعة حلب الحرة، ثم تحركت أرتالهم نحو قمع المظاهرات في بنش وإحراق علم الثورة وقتل النشطاء الثوريين والقيام بحملة مداهمات واعتقالات بالنيابة عن النظام.
      
إن غياب جبهة النصرة يعني غياب الشماعة التي يعلق عليها نظام الأسد كل جرائمه ومذابحه، ويعني سقوط ورقة التوت التي يستر بها نفسه أمام العالم. ذاته العالم الذي يحب أن يصدقها على أنها ليست صنيعة أحد! ويخشى أيضا غيابها كما نظام الأسد، وسمح لها أن تتمدد على حساب أي مشروع ثوري آخر، وسعى إلى تفتيت فصائل ومؤسسات الثورة والمعارضة بالتبعية والتفرقة، ولا ينفي ذلك مسؤوليتنا نحن أبناء الأرض والثورة، بل إنه لا تغيير يمكن أن يحصل ويقلب الموازين إلا إن أردنا نحن وحدنا وفعلنا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.