شعار قسم مدونات

هل تعتقد أنك مواطن صالح؟

blogs - walking man

هل تعتقد أنك مواطن صالح ؟ حتى أتمكن مـن الإجابة على هذا السؤال أحتاج لمعرفة شيء واحد فقط، مـن الذي جاء إلى الوجود أولا، الوطن أم المواطن؟ أيهما يجب أن يكون أكثر صلاحا للآخر ؟
   
فالمواطن الصالح في الوطن الغير صالح للحلم قبل الحياة، يعيش حالة ستنزاف مستمرة، والمواطنة دورة عطاء مغلقة بين الإنسان وأركان الوطن، مـن أرض وشعب وحكومة. وما دمت كمواطن أؤمن بحق الركن الأول؛ مـن سيادة وأعمل في سبيل حمايته وتطويره وتنميته والأرتقاء به، وحماية مصالحه، وأعمل مع عموم الشعب، بكافة أطيافه ومكوناته وشرائحه على ذلك. وفقا لوسائل وأدوات الحكومة وبالتعاون مع أجهزتها المخولة كلا في مجاله، وأسعى إلى تحقيق نجاح شامل. فأنا مواطن صالح.
   

لقد اتسع الوَطن خارج حدود الجنسية، وبلغت المواطنة أفقاً أعلى مِـنْ اللغة و اللكنة والثقافة الواحدة، والإنتماء أصبح بيئة خصبة بفعل التنوع و التكامل الذي تحقق بالهجرة والوفود للحياة أو العمل

نعم أنــا مواطن صالح على كــل جغرافيا أطؤها بقدمي، وأضرب فيها بمعول البناء وأسخر لها قدراتي كإنسان، حتى وإن كانت تلك الجغرافيا منفى، أو بلد إقامة، أو وطنا بديلا، أو حتى وجهة سياحية. فجميل الشعوب يرد للأرض وثمره تحصده الحكومات، وينعم به كــل مـن يدب على الجغرافيا.
    
فالمواطن الصالح وجد قبل الوطن، والحكومات نتاج صلاح إنساني وقمة لهرم لبنته الأولى هي المواطن، ومتى شعر المواطن أن الدورة التي يعمل في إطارها مغلقة، لــن يجد سبيلا غير الصلاح، ولــن يسلك طريقا للإضرار بأي مـن عناصر تلك الدورة.

   

ولنا في الأحداث الأخيرة نماذج شاهدة على المواطنة، ليس في شؤون الحياة اليومية، بل وصل الأمر إلى القضايا المصيرية، والأزمات الحرجة، بالمقيم أو الوافد الذي يثق بالوطن والموطن والحكومة، لــن يحيد عن الصلاح قيد أنملة، ولــن يكون ثغرة ينال بها مـن الأركان الثالثة، وفي حالات كثيرة جعل مـن نفسه درع حماية وعقبة في سلَم البناء والتقدم.
   
لقد اتسع الوطن خارج حدود الجنسية، وبلغت المواطنة أفقا أعلى مـن اللغة  اللكنة والثقافة الواحدة، والانتماء أصبح بيئة خصبة بفعل التنوع والتكامل الذي تحقق بالهجرة والوفود للحياة أو العمل، ناهيك عن عنصر الاستثمار المادي، فالوطن الصالح يعيش على قيد الوعي ويزدهر بفعل الثروة الإنسانية والثورة البشرية، وعامل الانتماء..
    

وفي كثير مـن البلدان تدار عجلة التنمية بالوافد الذي يعمل بجهد وطاقة المواطن ويسكب عرق الغد إضافة لعرق اليوم، ويشارك المواطن في الإدارة والتوجيه، ولا يتوانا في الدفاع في حالة الأخطار، وما دمت أؤمن بكل ذلك فأنا مواطن صالح، وأسعى للعمل على خلق بيئة صلاح ودعم حركة جهات الاختصاص في الأصلاح.
   

ليس المقابل المادي وحده ما نحصل عليه في أوطاننا أو أوطان الاغتراب، بل الشعور المجتمعي والأمان واتساع الرؤى وتحقيق الأحلام التي عجزنا عن ملامستها في جغرافيا أخرى
ليس المقابل المادي وحده ما نحصل عليه في أوطاننا أو أوطان الاغتراب، بل الشعور المجتمعي والأمان واتساع الرؤى وتحقيق الأحلام التي عجزنا عن ملامستها في جغرافيا أخرى
   

ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فالمواطن الصالح الذي يغرد خارج سرب بيئة الأصلاح، كَثيرا ما يجد التجنيس والإقامة الدائمة ضالته، وتجد فيه المجتمعات عنصرا مهما تطعم به نشاطها الإصلاحي، وتعزز به مـن قدراتها وتثري مشروعها وتدعم توجهها بما يحقق لها الاستقرار ويضمن لها الاستمرارية.

  

فالدساتير والقوانين وإجراءات الضبط لا تخلق قيمة الإصلاح في النفس؛ فهي مجرد وسائل تقويم لا تحفز على البناء ولا تدفع نحو سمو الإصلاح كفضيلة وثقافة إنسانية، وأداة بناء حضاري تتوارثه الأجيال وتؤمن به، ولا تحيد عنه أو تهمله في مستقبل حياتها، وطور عطائها.
   

إذا، يمكننا أن نقول لكل مـن يفكر في عمله خارج إطار دوامه الرسمي، مواطن صالح. فهي يعطي أكثر مما يتقاضى، وينجز أكثر مما يتوجب عليه،ن و يقدم نظير كــل شيء يحصل عليه، فليس المقابل المادي وحده ما نحصل عليه في أوطاننا أو أوطان الاغتراب ، بل الشعور المجتمعي والأمان واتساع الرؤى وتحقيق الأحلام التي عجزنا عن ملامستها في جغرافيا أخرى،   والكثير الكثير ..

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.