شعار قسم مدونات

حكاية رصاصات بيرو التي ارتدت إلى صدره!

مدونات - صياد

"بيرو جيلنيتش" صياد ماهر من كرواتيا، لا يشبع من الضحايا. وُصِف بأنه قتل كل ما يمكن اصطياده في أوروبا. مكتبه مرصع برؤوس الحيوانات الكثيرة التي قتلها. تلك متعته في الحياة: يقتني أسلحة فتاكة، يسافر إلى الغابات حول العالم، يصوّب على حيوانات برية، يقتلها، يقطع رؤوسها، يعلقها في مكتبه. 

 

إذا فرضنا أن في القنص متعة ما، ربما مداعبة لموروثات بشرية قديمة كامنة في نفوس البشر، محملة بذكريات قديمة حين كان البشر يقتتلون بالأسلحة البدائية، أو يصطادون الحيوانات لأكل لحومها وارتداء جلودها. يقول علماء الأنثروبولوجيا إن لدينا جميعا جينات ومشاعر موروثة من أسلافنا المغرقين في القدم، فلعل قتل الحيوانات المسالمة يشبع هذه المشاعر الهمجية؛ لذلك يمكن أن أفهم سبب هواية الصيد، التي أراها من أحط هوايات البشر. 

 

أما قطع رؤوس الحيوانات وتعليقها في البيوت والمكاتب فلا أفهمها أبدا. أي وجاهة في القدرة على القتل؟ أي روعة في التباهي بكثرة الضحايا؟ هل نظرة الموت في عيون غزال على الحائط، مريحة أو جميلة؟ على حسابه على الفيس بوك، نشر "بيرو" صورة له مبتسما بفخر، ممسكا ببندقيته، أمامه جثة غزال ضخم.  

 

مهما قتل القاتل وثقل في بطشه وفتكه بالضحايا، يمكن أن يُقتل في أوج نشوته، بل قد يُقتل برصاصة سحرية تم إعدادها لقتل ضحاياه

ثمة رياضات حديثة تبدو غريبة على الحضارة المدنية كالمصارعة. ما الذي يدفع ملايين البشر حول العالم للفرجة على مباريات المصارعة الحرة، حيث يشتبك رجلان أو مجموعة رجال، يوسعون بعضهم بعضا ضربا وإيلاما، بغض النظر عما إذا كان ذلك كله تمثيلا أم مصارعة حقيقية؟ 

 

مصارعة البشر قديمة منذ المدرج الروماني الشهير "الكولسيوم"، الذي كان يكتظ بخمسين ألف متفرج يهتفون تشجيعا للمصارعين الأشداء الذين يتصارعون حتى الموت، أو الذين يواجهون الضواري المفترسة من أسود ونمور ودببة، تنطلق من فتحات خاصة في المدرج، وفي لحظة واحدة. بعض الأباطرة كان يأمر بإطلاق آلاف العبيد دفعة واحدة، ليقتل بعضهم بعضا. كانت فنون الهندسة والعمارة مكرسة لبناء مدرج هائل ذي سراديب وممرات سرية تطلق هذه الكائنات الحية لتقتل بعضها. وكان إعدام المسيحيين المارقين عن الوثنية الرومانية يتم بإطلاق المفترسات الجائعة عليهم. كانت هناك مصارعات للنساء أيضا، يقتتلن حتى الموت. لعل ذلك يفسر مصارعة النساء حديثا. 

 

أيضا كان صيد الحيوانات وقتلها رمزا لدى بعض القبائل القديمة للسيطرة على الطبيعة. كان ذلك حين عجز البشر عن حماية أنفسهم من هجوم الحيوانات في الغابات الموحشة، فلماذا يستمر بعض البشر في هواية قتل الحيوانات التي لا ضرر منها. 

 

الصياد "بيرو" قتل ما أمكن قتله في كرواتيا وأوروبا، وسافر إلى دول كثيرة حول العالم ليقتل الحيوانات ويحتفظ برؤوسها، بحسب تصريحات أحد أصدقائه، ثم وصل إلى جنوب أفريقيا مؤخرا ليصطاد بعض الأسود، فرأس الأسد أجمل في تزيين الحوائط من رأس الغزال.  

 

 
 "بيرو" وهو مبتسما بفخر، ممسكا ببندقيته، أمامه جثة غزال ضخم  (مواقع التواصل)

لدى جنوب أفريقيا صناعة للصيد ذات طبيعة عبثية، فالدولة تربي الأسود في الأسر، ثم تطلقها في محميات خاصة، ليقتلها صيادون مقابل أموال يدفعونها. هناك، قتل "بيرو" مع أصدقائه أسدا، وبينما يتتبع أسدا آخر قتلته رصاصة مجهولة المصدر. "بيرو" في الخامسة والسبعين من العمر. بحسب صديقه، قام بتأجير فندقه حتى يتفرغ لتقاعد ممتع يشبع فيه هوايته؛ أي يقتل أكثر فأكثر. لكن القناص الماهر اصطادته رصاصة. تحقق الشرطة في الأمر، ولم تظهر نتائج. 

 

لابد أن القدر يوجه لنا رسالة: مهما قتل القاتل وثقل في بطشه وفتكه بالضحايا، يمكن أن يُقتل في أوج نشوته، بل قد يُقتل برصاصة سحرية تم إعدادها لقتل ضحاياه. سقط بيرو ونجا الأسد الذي كان يقتفي أثره. 

 

هذا المقال ليس للشماتة في قتل "بيرو" أو غيره، فهو لا يستحق القتل بسبب هوايته البغيضة، كل ما في الأمر أنني أعرف رجالا آخرين يقتلون ويعصفون بالأبرياء دون توقف، كأنما يستمتعون بكثرة الضحايا. وكلما اشتد ظلمهم بدا أنهم يؤمّنون لأنفسهم مزيدا من الانتصارات. ملايين البشر الآن يحلمون بتلك الرصاصة السحرية. 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

روابط 

غموض يحيط بوفاة صياد "قتل كل ما يمكن اصطياده في أوروبا"

Big game hunter shot dead as he aimed at lion he wanted to kill

Pero Jelinić

الكولوسيوم وقصص المجالدين

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.