شعار قسم مدونات

فقه الأزمات.. بين عباس وعرفات

blogs - ArafatAbbas
أولاً: الأزمة العاصفة
العام 1985 هو العام الذي لم يعد للفلسطينيين أي صوت يسمع.. هكذا كان الرهان وهكذا كانت خطة إسرائيل وأمريكا مع حلفائها الإقليميين، وهكذا قيل. إن هذا العام وما سبقه من أشد السنون وطأة في تاريخ القضية الفلسطينية الحديث .
 
على الصعيد العربي

دخلت مصر في قطار كامب ديفد، ودخل العراق في حربه الضروس مع إيران، وأغلقت الأردن ما بقي من أبواب مشرعة في وجه الفلسطينيين، وفرغت الساحة تماما لانتهازية حافظ الأسد الطموح الذي ساندت مدفعيته الرابضة في حمص الطائرات الإسرائيلية في السماء للقضاء على ما تبقى من وجود فلسطيني في طرابلس بعد أن أجهز على جيش فلسطيني موحد.

   

على الصعيد اللبناني

تمت إقامة الشريط الحدودي الأول تحت السيادة الإسرائيلية وإدارة جيش لبنان الجنوبي بقيادة أنطوان لحد. وتمت إقامة الحزام الأمني الثاني لحركة أمل الشيعية بالتعاون مع الحزام الأول الإسرائيلي وذلك عشية اتفاق الأسد مع ماكفرلين الذي أصبح مستشارا للأمن القومي الأمريكي. تم الإجهاز على قوات الثورة الفلسطينية بعد حصار بيروت من قبل الإسرائيليين ومن ثم حصار طرابلس من قبل الجيش السوري وقوات فلسطينية منشقة، بالإضافة إلى حصار إقليم التفاح ومعارك شاتيلا مع قيادة أمل، وذلك لمنع أي مقاومة فلسطينية تذكر. تبدد الأمل الفلسطيني بالعودة إلى الوطن مع رياح الشمال بعدما تبدد قبلها مع رياج الشرق القادمة من نهر الأردن.

  

جاء الرد
القضية الفلسطينية بحاجة إلى قيادة جديدة بأدوات وعقلية جديدة، متسلحة بثقافة المقاومة والجهاد وبعقيدة دينية قويمة يلتف خلفها أبناء الشعب الفلسطيني، وقادرة على استثارة الأمة لقضايا القدس وفلسطين

قوات الثورة الفلسطينية تدك الحصون الإسرائيلية بـ863 عملية فدائية خلال العام 1985. إن كم و نوع العمليات الفدائية أذهل الصديق قبل العدو، فمن الصعب مقارعة من أغلقت عليه كل المصاريع من قتل وتهجير ومجازر وحصار. استطاعت الإرادة الفلسطينية كسر عنجهية إسرائيل وغرور حافظ الأسد وميليشيات حركة أمل الشيعية. فرغم تهالك القوة والقوات الفلسطينية، ورغم شدة الضربات المعادية، استطاعت الإرادة الفلسطينية المقاومةُ الخروج من أشد الأزمات عتاوة في العصر الحديث، وهذا ما أعطى الزخم لقيام الانتفاضة الفلسطينية في عام 1987، ونقل المعركة إلى الداخل الفلسطيني.

  

ياسر عرفات و الأزمات

مما يمكن استخلاصه أن الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط على علاقة وجودية مع حالة اللاحرب واللاسلام. ربما تستطيع إسرائيل تحقيق أي نصر عسكري، ولكنها سوف تنهار من الداخل لو طال أمد الحرب، فالمجتمع الإسرائيلي المكون في بنيته من كيبوتات زراعية ضمن المفهوم الاقتصادي والاجتماعي لا يمكن أن يصمد طويلا مع حالة الحرب، وإسرائيل هي بالنهاية دولة استعمار، وما أثبتته قوانين الحتمية التاريخية أن صبر المحتل لا يطول أمام صاحب الحق. كما أنها لن تستمر في حالة السلم، فحكوماتها بالكامل حكومات عسكرية بواجهات سياسية، وخطابها الداخلي قائم على التهديد من خطر العرب والمسلمين. وكذا في دول العرب وخاصة العسكريتارية العربية في مصر وسوريا والعراق والتي جاءت إلى الحكم على ظهر الدبابة باسم تحرير فلسطين، فلا هي قادرة على النصر على إسرائيل ولا هي قادرة على التعاون معها فوق الطاولة.

  

إن الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان من أكثر الواعين بهذه الحقيقة، فتراه يقفز من حالة الحرب بلا هوادة إلى حالة السلم بلا هوادة. ربما لم يكن ذلك مجدا للقضية الفلسطينية على المستوى الاستراتيجي كما أثبتت التجربة، وربما كانت التجربة العرفاتية فيها من الأسود والأبيض ما فيها، ولكن الرئيس عرفات كان يمتلك حلولا ومفاتيح لحل أزماته، فاستراتيجيته قائمة على خطة و مبدأ، و نراه كيف واجه وجيوش الثورة الفلسطينية المهزومة والمتبعثرة أزمة عام 1985 بشجاعة و إرادة.
 
ثانيا: حل الأزمات على الطريقة العباسية

الرئيس محمود عباس الذي جاء إلى مكتب رام الله منذ ثلاثة عشر عاما، أخذ من خيار السلام خيارا واحدا ووحيدا بعد أن كان واحدا وليس وحيدا إبان حكم سلفه، فما في جيبه إلا مفتاح واحد، بل الأنكى من ذلك قضى على أي أمل بقيام أي ثورة أو حراك مقاوم، وذلك بتفكيك الكتائب المسلحة التابعة لقوات منظمة التحرير وتحويلهم إلى دكاكين للرتبة والراتب ومخابرات على رقاب الناس.

 

أمام محمود عباس وفتحاوييه الجدد خيار واحد وهو الاستقالة، ولن يفيد فلسطين شيئا حتى وإن حوصر في مكتبه ومات مسموما. والعبرة لأولي الألباب
أمام محمود عباس وفتحاوييه الجدد خيار واحد وهو الاستقالة، ولن يفيد فلسطين شيئا حتى وإن حوصر في مكتبه ومات مسموما. والعبرة لأولي الألباب
   

الأزمة الحالية بقدوم ترمب اليميني المتطرف وإقراره قرار تحويل السفارة إلى القدس، وإنهاء ما يسمى بالتفاوض ليحل مكانه إملاءات سماها صفقة القرن، وضع أبو مازن بأزمة وجودية. الرئيس أبو مازن يتوجه إلى موسكو وإلى الدول الأوروبية وذلك لاستبدال الرعاية الأمريكية لعملية السلام برعاية روسية أو أوروبية. لا بد هنا من استحضار مقولة أينشتاين بأنه من الغباء تكرار التجربة مرتين بنفس الشروط وتوقع نتائج مختلفة.

   

ما يقوم به الرئيس أبو مازن بعيد عن كل قوانين العلوم التطبيقية والاجتماعية، فأي رعاية يتوقع من بوتين المتصهين أصلا، أو من دول القارة العجوز والتي تعصف بها رياح اليمين من كل صوب؟! هل يتوقع الرئيس أبو مازن نتائج مختلفة؟ وهل يتوقع أن تقف الدول الأوروبية وهي الأعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده أمريكا في مواجهة أمريكا لأجل الفلسطينيين؟ وهل يتوقع موقفا إنسانيا من المجرم بوتين؟

ثالثا: ما يمكن استحضاره

الأزمة الحالية ليست استثنائية للشعب الفلسطيني الذي عاش في تاريخه أزمات أكبر من تلك، الأزمة قد تكون استثنائية للرئيس أبو مازن صاحب المشروع الواحد؛ مشروع السلام كخيار استراتيجي وحيد، فهو لا يحسن التحرك خارج هذه القوقعة.

  

إن ما يسوقه المفكرون والسياسيون الفلسطينيون المؤيدون أو حتى بعض الحمائم من المعارضين بأنه من الواجب في هذه اللحظات العصيبة الوقوف خلف أبو مازن هو خطأ بالمطلق. أبو مازن قطع يديه بعد أن أجهز على كتائب شهداء الأقصى ومعركته مع حركة حماس، فلا يمكن لمصارع مقطوع اليدين أن ينتصر في نزاله مهما صفق له الجمهور.

 

إن قضية فلسطين هي جزء من العقيدة الإسلامية، وهي قضية أمة العرب، وكل من آمن بالحق. لذا فهذه الأزمة بحاجة إلى قيادة فلسطينية جديدة بأدوات وعقلية جديدة، متسلحة بثقافة المقاومة والجهاد وبعقيدة دينية قويمة، يلتف خلفها أبناء الشعب الفلسطيني وقادرة على استثارة الأمة لقضايا القدس وفلسطين. أمام محمود عباس وفتحاوييه الجدد خيار واحد وهو الاستقالة، ولن يفيد فلسطين شيئا حتى وإن حوصر في مكتبه ومات مسموما. والعبرة لأولي الألباب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.